الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

محمود صلاح يكتب: سفاح مصر سرق فيلا أم كلثوم.. وهدد بحرق 13 شخصًا من أقاربه

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم تكن الإسكندرية فقط، بل القاهرة ومصر كلها، التى أصيبت فى تلك الأيام بما يمكن أن يقال عليه.. «جنون السفاح !» ربما لم يكن محمود أمين سليمان لصًا عاديًا، وربما كان لصًا خطيرًا ذكيًا، لكن الظروف وخيانة الأحباء والأصدقاء، هى التى حولته إلى مجرم خطير يبحث عن الانتقام.
أما الصحافة فهى التى بالتأكيد أشعلت نار حمى المطاردة والاهتمام. والصحافة أيضًا هى التى أطلقت عليه اللقب الذى لازمه حتى النهاية.. لقب السفاح!



القاهرة: ربيع عام ١٩٦٠
صباح يوم ٣ مارس صدرت جريدة «الأخبار» وهى تحمل «مانشيت» رئيسيا عن الزلزال الذى وقع فى مدينة أغادير بالمغرب، يقول «مدينة الموت».
وعلى صدر الصفحة الأولى نفسها كان هناك خبر مثير يقول عنوانه «سارق فيلا أم كلثوم تحول فجأة إلى سفاح»!
أما الخبر نفسه فقد كان يقول: إن اللص الذى سرق فيلا أم كلثوم وأمير الشعراء أحمد شوقى، انقلب إلى سفاح وارتكب ٤ حوادث شروع فى قتل خلال ٤٨ ساعة، هرب المتهم بعد هذه الحوادث وعاد إلى الإسكندرية، واتصل هناك تليفونيًا بمكتب المحامى بدرالدين أيوب. وقال إنه لا بد أن يقتله حتى لو كان داخل المحافظة، وعلمت «الأخبار» أن سبب مطاردته للمحامى اعتقاده بوجود صلة بين زوجته والمحامى!
وسجلت «الأخبار» فى نفس العدد تفاصيل القصة الخبرية المثيرة، فقالت إن السفاح أطلق الرصاص على مهندس فى الإسكندرية، ثم سافر إلى القاهرة ليطلق الرصاص على طباخ وسائق وبواب، والحوادث الثلاث لمجرد هواية القاتل!
وقالت «الأخبار» إن السفاح اسمه محمود أمين سليمان وعمره ٣٤ سنة، قصير القامة نحيف الجسم لونه قمحى، فى أسفل خده الأيسر علامة سوداء بها شعر غزير.
وكان رجال المباحث قد قبضوا عليه قبل شهور لأنه كان يتزعم عصابة لسرقة منازل المشاهير، فقد سرق فيلا أم كلثوم قبل أربع سنوات، وقام بالسطو على بيت أمير الشعراء أحمد شوقى واقتحم فيلا المليونير سباهى.
وقد اعترف محمود أمين سليمان بجرائمه عند القبض عليه، وأرشد عن مكان المسروقات، كما عثر رجال المباحث على بعض المسروقات، كما عثر رجال المباحث على بعض المسروقات معه، وتم إيداعه السجن تمهيدًا لتقديمه للمحاكمة، لكنه تمكن من الهرب وظل مختفيًا، وصدر الحكم ضده غيابيًا بالسجن ٦ سنوات.
ولكن السفاح بدأ يزاول نشاطه فى نفس يوم محاكمته، واتخذ من الإسكندرية مسرحًا لأولى جرائمه، فقد ذهب إلى بيت المهندس محمود سالم فى كرموز، وكانت بينهما خلافات بسبب تنافسهما على صداقة امرأة!
طرق السفاح باب المهندس الذى كان يتناول طعام إفطاره.. وفتح المهندس الباب، وفوجئ برؤية السفاح أمامه، أراد أن يغلق الباب، لكن السفاح سارع باقتحام البيت ولم يعط المهندس فرصة للاستغاثة.
وقال له: أنا مش حا أموتك يا أبو حنفى.. لكنى أشوه جسمك!
وفى لحظة أخرج مسدسه..
وأطلق ٣ رصاصات على المهندس، استقرت رصاصة فى فخذه وأخرى فى كتفه وثالثة فى مكان حساس. وتم نقل المهندس إلى المستشفى فى حالة خطيرة.
***


ثم روت «الأخبار» تفاصيل الجرائم الأخرى التى ارتكبها السفاح فى القاهرة فقالت:
«وقد تنكر السفاح أمس فى زى ضابط شرطة برتبة نقيب، وذهب إلى حى المنيل، حيث التقى فى الساعة الثانية والنصف من صباح أمس بشخصين، أولهما طباخ يدعى عطية والثانى سائق اسمه أحمد يحيى، كانا يسيران بالقرب من كوبرى عباس، سألهما عن شخصيتهما ثم اصطحبهما إلى شارع عبدالعزيز آل سعود، وأطلق عليهما ثلاث رصاصات».
والغريب أن أحد جنود الشرطة كان قد شاهد السفاح يسير مع المجنى عليهما، وعندما رآه يرتدى البذلة العسكرية أدى له التحية العسكرية، وبعد دقائق سمع صوت إطلاق الرصاص، فاتجه ناحية الصوت ليعثر على المصابين، اللذين قررا أنهما كانا فى نقطة شرطة المنيل لسؤالهما فى شكوى تقدمت بها مخدومتهما ضدهما وعندما خرجا التقيا بالسفاح الذى كان يرتدى زى ضابط.
وبينما بدأ رجال المباحث يقومون بتحرياتهم فى هذا الحادث، تلقوا فجأة بلاغا عن إطلاق الرصاص على بواب عمارة فى المنيل أيضًا، واكتشفوا أن البواب مصاب بثلاث رصاصات!.
وتقدم للشهادة محام اسمه طلعت عبدالرازق، يسكن فى العمارة التى يعمل بها البواب وقال إنه قبل الحادث حضر إليه المتهم محمود أمين سليمان وهو يرتدى زى ضابط، وسأله عن محام زميل له بالإسكندرية اسمه بدرالدين أيوب، وكان يعرف أن المتهم هارب من السجن فطلب إليه الانتظار حتى يرتدى ملابسه ويقوده إلى المحامى الآخر، وطلب من البواب مراقبته وعدم السماح له بالانصراف، وعندما دخل ليتصل بالشرطة سمع إطلاق صوت الرصاص على البواب!
***
وقال المحامى طلعت عبدالرازق لرجال الشرطة: أنا أعرف هذا المتهم منذ حوالى ٤ سنوات، عن طريق زميلى المحامى بالإسكندرية بدرالدين أيوب، وكان حلقة اتصال بينى وبينه، ينقل لى دوسيهات قضايا من الإسكندرية، لأحضر فيها نيابة عن زميلى، ولم أكن أعلم عنه سوى أنه ثرى ومن الأعيان، وكان زميلى المحامى بدرالدين أيوب وأسرته يقيمون فى منزله بمصر الجديدة.
وأضاف المحامى قائلًا: وفجأة تم القبض عليه، وتبين أنه زعيم عصابة، قطعت صلتى به، خاصة بعد أن اتهمنى بالاشتراك فى إخفاء مسروقات، وفتش رجال المباحث منزلى فعثروا على جهاز تسجيل يخص أحد موظفى المكتب وتبين أنه مسروق!
لكن الصحفى سامى جوهر، والذى تخصص فى كتابة الحوادث والجرائم، كتب تحقيقًا صحفيًا فى اليوم التالى، كشف فيه الكثير عن حياة السفاح الذى قال إن الإسكندرية كلها تتحدث عنه، وقال إن السفاح أعلن أنه لن يقع فى قبضة رجال الشرطة قبل أن يقتل ١٣ شخصًا من الرجال والنساء، حددهم بالسماء!.
ولم يكتب الصحفى سامى جوهر القصة المثيرة إلا بعد أن سافر إلى الإسكندرية، والتقى بأسرة السفاح.


قال والد السفاح ـ وهو عجوز فى الستين، فى عام ١٩٢٠ هاجرت إلى لبنان وكنت فى عز شبابى، وافتتحت مكتبًا لشحن البضائع وابتسمت لى الدنيا، وزادت أرباحى وفكرت فى الزواج، فتزوجت من لبنانية وأقمت معها فى طرابلس، وأنجبت لى خمس بنات وثلاثة أولاد أدخلتهم مدرسة افرير، لكن أكبر الأولاد محمود لم ينتظم فى الدراسة.
وكشف الأب عن أن انحراف سلوك ابنه بدأ مبكرًا.
وأضاف: كان عمر محمود ٩ سنوات عندما فوجئت برجال الشرطة اللبنانية يستدعوننى، فذهبت لأرى ابنى الصغير وسط مجموعة شبان عرفت أنهم عصابة وابنى انضم لهم، لكن الشرطة أفرجت عنه لصغر سنه، واعتقدت أنه أخذ درسًا، لكنى كنت مخطئًا، فقد تكرر القبض عليه والإفراج عنه، ومرت السنوات وأصبح اللص الصغير من كبار المجرمين فى بيروت، وعلمت أنهم قبضوا عليه متهمًا بمحاولة سرقة منزل كميل شمعون وقتل أحد حراسه، وخشيت من بطش شمعون فأخذت زوجتى وأولادى. وحضرنا إلى القاهرة عام ١٩٥٣ بعد غيبة ٣٣ سنة عن الوطن، وذهبت إلى بلدتى فى الصعيد أبوتيج، حيث بعت ما ورثته من أرض زراعية عن أبى وأكملت تعليم أولادى.
وروى والد السفاح بقية القصة قائلًا: فوجئت فى أوائل سنة ١٩٥٦ بوصول ابنى محمود إلى الإسكندرية، وحضر إلينا فى منزلهما بالإبراهيمية وفرض نفسه علينا، وبدأ يطالبنا بالنقود وكثرت مشاجراته مع أمه وإخواته، وفى أحد الأيام أمسك شقيقاته غادة وفاطمة وعلية ونادية، وربطهن بالحبل وجرهن إلى المطبخ وسكب فوقهن صفيحة جاز وأراد أن يشعل فيهن النار، لكن الجيران أنقذوهن، ولم تحتمل زوجتى شرور ابنها فهربت إلى بيروت، بعد أن أخذت معها نصف الأولاد والبنات. وذهب الصحفى سامى جوهر إلى بيت السفاح فى حى محرم بك.
والتقى بزوجته نوال التى روت له قصة زواجها بالسفاح الخطير.
وقالت نوال: كنت أتردد على بيت عمتى فى الحضرة، وكان محمود يسكن فى شقة مقابلة لشقتها. وفوجئت به يذهب إلى أشقائى ليطلب خطبتى، لكنهم اعتذروا له بأننى مخطوبة لتاجر فى الزقازيق. ورغم ذلك فقد ظل يلح فى طلب الزواج منى. وزعم لهم أنه صاحب دار نشر. بل إنه دعاهم إلى زيارة هذه الدار فى ميدان التحرير بالإسكندرية. وزاره أشقائى فى مكتبه وبهروا بمطار الثراء التى تحيط به. وعندما عرضوا علىّ الأمر وافقت. وتخيلت أننى سأعيش بعد زواجى منه مليونيرة.
- وأكملت نوال القصة قائلة: وتم تحديد يوم الخطوبة، واجتمع كل أهلى فى المنزل وانتظرنا العريس لكنه لم يحضر بحثنا عنه فى كل مكان فلم نجده. وجلست أندب حظى. وبعد أسبوعين فوجئنا به يدخل علينا البيت، واعتذر عن تخلفه عن الحضور يوم الخطوبة، بحجة انشغاله فى صفقة اضطرته للسفر المفاجئ، وصدقناه!.
- وأضافت نوال: تم عقد قرانى عليه بعد أن دفع ألف جنيه مهرًا وهو مبلغ كنا فقط نسمع عنه، لأن أهلى فقراء. وأخذنى إلى منزل الزوجية فى نفس الليلة، شقة فاخرة فى عمارة بشارع الكنوز. فيها فريجدير وبوتاجاز وريكوردر، واتفق معى أن يعطينى ٦٠ جنيها مصروفًا كل شهر، وعشت فى سعادة. فقد كان يبعثر الأموال لدرجة أنه كان يطلب منى إشعال البوتاجاز بالكولونيا!.


لكنى فوجئت بعد ثلاثة شهور برجال الشرطة يهاجمون المنزل ويلقون القبض على زوجى، وعندما سألتهم عن السببب قالوا إنه سرق فيلا أم كلثوم، وحكم عليه بالحبس ٦ شهور.
- لكن محمود صرخ فى وجهى: لا تصدقيهم.. أنا كنت ذاهبا لقضاء سهرة بجوار فيلا أم كلثوم، يوم سرق اللصوص الفيلا!
لكنى بالطبع لم أصدقه.
وجمعت أثاث المنزل وتوجهت به إلى بيت أهلى. لكنى بعد ثلاثة شهور فوجئت بمحمود أمامى. قال لى إنه تظاهر فى السجن بالمرض. فنقلوه إلى مستشفى الدمرداش حيث تمكن من الهرب، وطلب منى العودة إليه. لكنى رفضت وطلبت الطلاق. فأخذ يبكى ويقسم إنه برىء. لم أصدق دموعه. وظل يتردد على المنزل. وعندما علم شقيقى أحمد بتهديده لى. أبلغ رجال المباحث عنه، فحضروا للقبض عليه. وأمسكوا به من الجاكيتة. لكنه أسرع بخلع الجاكيتة وتركها فى أيديهم وهرب.
وذهب زوجى محمود إلى محاميه بدرالدين أيوب. وكان أنور سلامة وكيل المحامى ـ وهو فى نفس الوقت زوج شقيقتى يعلم بقصة هروبه، فأبلغ عنه رجال الشرطة الذين قبضوا عليه. وتم ترحيله إلى القاهرة، حيث أمضى بقية العقوبة. وخرج فى أوائل العام الماضى وحضر إلى الإسكندرية وأفهمنى أنه اشتغل مقاولًا فى القاهرة. وقدم لى بطاقة شخصية تؤكد ذلك فصدقته ووافقته على طلبه أن أسافر معه إلى القاهرة. خاصة بعد أن أنجبت منه ابنتنا إيمان.
وفى القاهرة عشنا فى حى شبرا.
وطلب منى محمود ألا أتصل بأهلى، فأطعته حرصًا على حياتى الزوجية ومستقبل ابنتى، لكنى بدأت ألاحظ أنه يخرج فى المساء ولا يعود إلا عند الفجر وعندما كنت أسأله أين يسهر كان يقول إنه يسهر مع أصدقائه. لكنى كنت أشك فى أمره وخشيت أن يكون قد عاد إلى السرقة. وأبلغت شكوكى لشقيقتى عليه التى كانت تقيم فى حى بولاق الدكرور. وعندما أبلغت هى زوجها عاتب زوجى على سهره فى الخارج.
وتظاهر محمود بالغضب منى.
وخاصمنى أسبوعًا.
وفى إحدى الليالى فوجئت به يهجم علىّ ويحاول خنقى. فتظاهرت بالموت ولفنى فى سجادة، ثم خرج وعاد مع زوج شقيقتى وشقيقى أحمد، وقال لهما إنه قتلنى لسوء سلوكى. فهجم الاثنان عليه وقيداه بالحبال وأبلغا الشرطة!
وتم القبض على محمود.


وتبين أنه سرق بيت أمير الشعراء أحمد شوقى، واعترف لرجال الشرطة بأنه سرق ١٨ بيتًا من بيوت المشاهير!
وحمدت ربى على أنه خلصنى منه.
وعدت إلى الإسكندرية وبدأت أتصل بالمحامى بدرالدين أيوب ليحصل لى الطلاق منه، لكنى فوجئت بمحمود يظهر مرة أخرى. وطلب منى أن أذهب معه لكنى رفضت، فهددنى بالقتل أنا وأمى وشقيقاتى وابنتى. وخرج غاضبًا، فخشيت على نفسى، وطلبت من عبداللطيف إبلاغ الشرطة، فذهب وأبلغتهم. ووضعوا اثنين من المخبرين داخل الشقة.
وعند منتصف الليل.
حضر محمود.. وأخذ يطرق على النافذة.. فطلبت منه الدخول. لكنه رفض... وجرى!
***
قال الصحفى سامى جوهر فى نهاية القصة المثيرة: شوارع الإسكندرية مليئة برجال المباحث، فى جيب كل منهم صورة للسفاح، وأمام منزل أقارب السفاح ومنزل المحامى والمهندس يقف رجال الشرطة لحراستهم. لقد أقسم أن يقتل ١٣ رجلًا وامرأة هم زوجته وابنته. وأشقاء الزوجة أحمد ومحمد. وعديله وجمال وسيد. وأيضًا والده وشقيقاته علية وفادية وهدى وشقيقه أحمد.
إن السفاح محاصر فى منطقة محرم بك.
ورجال الشرطة يعلنون أن القبض عليه سيتم قبل مضى ٤٨ ساعة.. وتستريح منه الإسكندرية.
هذا ما جاء فى نهاية القصة الصحفية.
لكن الحقيقة أن الإسكندرية لم تسترح من جرائم السفاح ولا القاهرة أيضًا!.
لم تكن الإسكندرية فقط، بل القاهرة ومصر كلها، التى أصيبت فى تلك الأيام بما يمكن أن يقال عليه.. «جنون السفاح»!
ربما لم يكن محمود أمين سليمان لصًا عاديًا، وربما كان لصًا خطيرًا ذكيًا، لكن الظروف وخيانة الأحباء والأصدقاء، هى التى حولته إلى مجرم خطير يبحث عن الانتقام.
أما الصحافة فهى التى ـ بالتأكيد ـ أشعلت نار حمى المطاردة والاهتمام. والصحافة أيضًا هى التى أطلقت عليه اللقب الذى لازمه حتى النهاية.. لقب السفاح!