تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
في حين كان يستعد ملايين المصريين لأداء صلاة عيد الفطر المبارك، كانت عناصر إرهابية، تخطط لمحاولة إفساد فرحته.
قلوب الإرهابيين لا تعرف إلا الخسة والنذالة والخيانة، دبروا ونفذوا، وذلك عبر هجوم قذر على أحد الأكمنة الأمنية بسيناء، ما أسفر عن استشهاد عدد من جنودنا وضباطنا؛ فداءً للوطن، بعد تصديهم للإرهابيين وتصفية 5 عناصر منهم.
سجل الشهداء حروفاً ناصعة جديدة في بذل الدماء والأرواح، فداءً لكل مصري، وكل حبة تراب، ويزفون إلى السماء ملائكة أطهار.
ورغم أنني لم يحالفني الحظ لنيل شرف التجنيد في الجيش المصري أو الشرطة المدنية، ويشهد الله أنها كانت أمنية تلازمني طوال حياتي، رغم أنني أدرك تماماً أنها رغبة مستحيلة المنال، لكنها كانت أشبه بالحلم الذي يراودك وتتمناه، وأنت تدرك تماماً أنه لن يتحقق، لكني استعضت عن هذا الرجاء ببدائل أخرى، تمثلت في تقمص دور رجل القوات المسلحة برفعة أخلاقه وانضباطه في تعاملاتي مع الآخرين، قدر المستطاع طبعاً.
وكان السؤال الذي يلح على ذهني دوماً، وأحاول البحث له عن إجابة، ما سر هذه القوة الهائلة، والطاقة غير المحدودة في نفوس هؤلاء الفدائيين الأبطال، الذين غيروا، بل قلبوا جميع نظريات علم النفس والاجتماع، التي طالما كانت تجزم أن الحرص على الحياة أقوى محفزات السلوك الإنساني، الذي يحكم جميع تصرفات البشر في كل المواقف، فإذا بنا أمام نموذج فريد من الرجال الذين يسعون إلى الاستشهاد وتقديم الروح والدم فداء لتراب الوطن، وذوداً عن أهاليهم الذين وضعوا في أعناقهم أمانة الدفاع عن كل شبر في أرض المحروسة مصر.
فبقراءة بسيطة عن ملاحم هؤلاء الأشراف الذين يستحبون الموت في سبيل الله، ويتركون أبناءهم وزوجاتهم وأمهاتهم وآباءهم وأخوانهم، ويزهدون في كل متاع الحياة، ويقدمون حياتهم فداءً وتضحية لهذا البلد الآمن بحفظ الله على مر العصور، نعم، بقراءة عابرة لهذه القصص البطولية التي يعجز خيال أي كاتب عن تأليف مثلها، ستجد أنك أمام بشر من نوع فريد.
لم يعتريني أي اندهاش، وأنا أسمع هذه المعلومة التي تقول إن خريجي الكليات العسكرية قاطبة يدونون الخدمة في سيناء كرغبة أولى، وكيف أندهش، وأنا الذي أتيح له شرف القرب من رجال عظماء من أبناء القوات المسلحة.
ذات مرة ذهبت لتقديم العزاء في والدة أحد أصدقائي من رجال القوات المسلحة الباسلة، وهو يتميز برقة المشاعر، ونبل الأحاسيس، لدرجة أنني كنت أحمل هموم ملاقاته حزيناً متأثراً لرحيل والدته، إلا أنني فوجئت بوجهه الباسم، المؤمن بقضاء الله، ووجدت أبناءه حوله في سرداق العزاء، بل هو الذي كان يواسيني قبل نفسه قائلاً: "يا عادل هو الموت ده حق ولا مش حق، وبعدين يا سيدي أنا كل يوم اقرأ الشهادة أول ما افتح عيني من النوم، وأحرص على تعليم أولادي أنني إذا استشهدت، فعليهم أن يكونوا في قمة السعادة والفخر، ويدعوا الله أن يلحقهم بي على خير شهداء".
لم أستغرب، ونحن أمام حالة الشهيد احمد المنسي، الذي أصيب من قبل، وكان في إممكانه الحصول على استراحة محارب، ويطلب نقله من الخدمة في سيناء، ويكفيه ما قدم، دفاعاً عن كل حبة رمل في سيناء، إلا أنه أبى إلا أن يصون الشرف لأهله، ولزملائه، ولمصر كلها، وهو يلقى ربه شهيداً.
وكيف أندهش وأنا أسمع حكاية محمود وأبانوب اللذين امتزجت دمائهما الطاهرة، وهما يتسابقان على الاستشهاد في سبيل، كي تبقى مصر حرة أبية.
الأبطال الحقيقيون يواجهون رصاصات الغدر والخسة والنذالة والخيانة التي تحيك المكر السيء ضد بلادنا، ولكن يأبى الله إلا أن يحفظ مصر طاهرة من أي دنس.
بكل تأكيد لم يجرب أحد بيننا طعم الموت ليحدثنا عما رأى وسمع وذاق، وكأن الله جلَّ وعلا أراد أن تظل صورة هذه الحياة الأخرى مفتوحة، رحبة، بلا أي قيود أمام خيالنا، لنرسم لها الملامح التي نتمنى أن تكون عليها، لكنه اليقين في وعد الله.
الأمر المؤكد لي ولكثيرين ممن يعشقون تراب مصر، أننا أمام حالة فريدة من الرقي والسمو الشعوري الذي يناله الشهداء الذين تروي دماؤهم الطاهرة تراب العزة، فداء للوطن، مهما كانت التضحيات.