الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

انقسام شيعي في العراق حول دعم إيران في مواجهة أمريكا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اتهامات متبادلة على مواقع التواصل بتأجيج الفتن.. مخاوف من انتقال الصدام من منصات الإعلام إلى صراع الميليشيات 
اتهامات لـ«عصائب أهل الحق» بتسريب صور لـ«الصدر» على «واتس آب».. والسيستانى ملتزم الصمت 



انعكس التوتر المستمر بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران على العلاقة بين القوى السياسية فى العراق، خاصة القوى الشيعية؛ حيث تصاعدت حدة الاستقطاب فيما بينها تجاه الاستراتيجية الإيرانية الرامية إلى توظيف العراق كساحة مواجهة أمامية والزج بها فى أتون الصدام مع واشنطن. وتنتقل درجة الحدة تدريجيًا من تعميق الانقسام، إثر تباين المواقف بين الكتل الشيعية تجاه السياسات الإيرانية على الصعيدين المحلى والإقليمي، إلى مستوى آخر من التصعيد ساحته الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعى، يتعالى فيها السجال وتبادل الاتهامات بتأجيج الفتن، على نحو استدعى تدخل نخب عراقية بهدف تهدئة الأجواء بين الطرفين خشية الانزلاق إلى مستوى آخر من الصدام. ومن هنا، برزت الدعوة إلى النأى بالنفس عن هذا الصراع، بهدف تجنب عواقبه المحتملة التى يمكن أن تتعرض لها العراق على المستويين السياسى والأمني، بشكل بدا واضحًا فى ردود الفعل التى أثارها إطلاق صاروخ «كاتيوشا» على المنطقة الخضراء؛ حيث مقر السفارة الأمريكية، فى ١٩ مايو ٢٠١٩. 


مراحل الانقسام
قالت دراسة أعدها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، إنه لفترة طويلة ساد الاعتقاد بوجود معسكر شيعى واحد فى العراق، شكلته إيران، فى الفترة التى أعقبت سقوط نظام صدام حسين عام ٢٠٠٣، انطلاقًا من كون إيران كانت الحاضنة السابقة لمعظم القوى الشيعية قبل الإطاحة به، وأن التمايزات السياسية والحزبية تنعكس فقط فى مجال التنافس السياسى فيما بينها على الساحة الداخلية.
لكن من المتصور أن مسار التجربة السياسية العراقية، لا سيما منذ عام ٢٠٠٧، ومع صعود حزب «الدعوة»، فرض مسارًا جديدًا للعلاقة مع إيران، التى انتقلت إلى مرحلة أخرى بالتزامن مع اجتياح تنظيم «داعش» للعراق فى منتصف عام ٢٠١٤، وتأسيس ميليشيا «الحشد الشعبي»، وهى المرحلة التى عكست مقاربة مختلفة فى العلاقة مع إيران تتعلق بالأهداف والمشروعات الإيرانية فى الإقليم والدعم الاستراتيجى الذى تقدمه العراق فى سياق هذه المشروعات، بشكل أسهم فى تقسيم القوى الشيعية، حسب اتجاهات عدة، إلى تيار موالٍ لإيران يرى وحدة الهدف والمصير، وآخر يدعو إلى ضرورة تبنى سياسة أكثر استقلالًا تعكس المصالح الوطنية العراقية فى المقام الأول. 


دلالات مختلفة 
فى سياق العرض المرحلى السابق، يمكن طرح ملاحظات أساسية تعكس دلالات الانقسام داخل المكونات السياسية العراقية، يتمثل أبرزها فى: 
١- أنماط متباينة: تمثل العلاقة بين التيار الصدرى الذى يقوده مقتدى الصدر وجماعة «عصائب أهل الحق» المنضوية تحت مظلة «الحشد الشعبي» بزعامة قيس الخزعلى، تجسيدًا واقعيًا لحالة التصدع التى تواجهها تلك المكونات فى الفترة الحالية، باعتبار أنها تعبر عن انشقاق وقع بين قوى تحولت إلى أنماط التفاعلات، فيما بينها من التحالف إلى التنافس إلى الصراع. 
٢- متغير رئيسي: يمكن القول إن العلاقة مع إيران تمثل المتغير الرئيسى الذى يحدد اتجاهات التفاعلات بين تلك المكونات، فرغم أن التيار الصدرى لا يشكل تيارًا معاديًا لإيران، ما أبرزه مقتدى الصدر سواء فى تصريحاته المتتالية أو فى زياراته التى لا تنقطع إلى إيران ولقاءاته مع قادة إيرانيين، إلا أن ذلك لا ينفي، فى رؤية اتجاهات عدة، أن المعيار الحاكم فى هذه العلاقة هو المصلحة الوطنية العراقية على نحو انعكس فى سعى التيار إلى الانفتاح على بعض الدول العربية، فى حين يتبنى التيار الموالى لإيران موقفًا مغايرًا يقوم على الدفاع عن مصالحها ودعم وكلائها فى المنطقة، على غرار حركة «أنصار الله» الحوثية المتمردة فى اليمن وحزب الله فى لبنان والميليشيات التى قامت إيران بتكوينها وتدريبها فى سوريا. وقد انعكس ذلك، على سبيل المثال، فى الزيارة التى قام بها الخزعلى إلى الحدود اللبنانية- الإسرائيلية، فى ٩ ديسمبر ٢٠١٧، معربًا عن استعداده «للوقوف صفًا واحدًا مع الشعب اللبنانى والقضية الفلسطينية أمام الاحتلال الإسرائيلي». 
٣- حدود متوقعة: لم تعكس حدة الانقسام درجة من العداء تجاه إيران من جانب التيار الذى يدعو إلى اتباع سياسة تعكس المصالح الوطنية، ما بدا جليًا فى السجال الذى اندلع بين طهران وواشنطن، بعد إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن بقاء قوة عسكرية أمريكية فى العراق لـ«مراقبة إيران»، وهو ما اجتمعت القوى الشيعية على رفضه وانتقاده.
والجدير بالذكر فى هذا السياق، أن هذه القوى اتخذت مواقف مناهضة للوجود الأمريكى فى العراق، لكن بعضها ركز على فكرة «السيادة الوطنية» فى موقفه من تلك الأزمة، فى حين ربط البعض الآخر بين موقفه وعلاقاته القوية مع إيران، على نحو انعكس فى تصريحات الخزعلي، فى ٤ فبراير ٢٠١٩، والتى قال فيها إن «القوات العراقية العسكرية والأمنية قادرة على إخراج القوات الأجنبية فى حال أرادت قوة أجنبية أن تفرض وجودها رغمًا عن إرادة الشعب»، وهو ما توازى مع اتخاذ خطوات سياسية للحشد البرلمانى بهدف إنهاء الوجود العسكرى الأمريكى فى العراق. 
٤- دور غامض: يثير استمرار التباين بين تلك القوى تساؤلات عدة عن دور المرجعية الدينية العليا فى العراق، ممثلة فى على السيستاني، فى محاولات تسويته واحتوائه؛ حيث لم يصدر موقف واضح على النحو المعتاد من مكتب السيستانى تجاه تلك التطورات، وقد تصاعد السجال مؤخرًا بين التيار الصدرى و«عصائب أهل الحق»، بعد اتهام الأول لبعض النواب القريبين من الجماعة الثانية بالإساءة للصدر من خلال صور مسربة على موقع «واتس آب»، على نحو سوف يدفع أطرافًا عدة إلى مطالبة المرجعية باتخاذ موقف محدد يحول دون اتساع نطاق تلك الخلافات. 


تداعيات محتملة 
ربما تفرض هذه الانقسامات تداعيات عدة على المشهد السياسى العراقى خلال المرحلة القادمة، يتمثل أبرزها فى استمرار تصاعد حدة الاستقطاب وانعكاسه على مظاهر الحياة السياسية، بما قد يعيد تفكيك المنظومة السياسية العراقية الراهنة، خاصة بعد ما فرضته نتائج الانتخابات البرلمانية من توازنات سياسية جديدة فى البرلمان.
فضلًا عن ذلك؛ فإن مثل هذه الانقسامات يمكن أن تزيد من احتمالات الانزلاق إلى احتراب بين قواعد بعض هذه المكونات، فى حالة عدم القدرة على احتواء الأزمات العالقة بينها، خاصة أن لديها أذرع أمنية.
وفى النهاية، يمكن القول إن التطورات السياسية التى طرأت على الساحة العراقية تشير إلى أن ثمة محاولات لضبط مستوى النفوذ الإيرانى فى العراق فى إطار التأكيد على الثوابت الوطنية، والحرص على عدم تحويل العراق إلى ساحة حرب أو تصفية حسابات مع واشنطن، خاصة أن هذه المسألة تمثل معضلة بالنسبة للعراق، حيث إن الدولة حريصة على تأسيس علاقات متميزة مع الطرفين فى الوقت نفسه، وهو ما يفسر الجهود التى تبذلها حكومة عادل عبدالمهدى للتوسط بينهما، من أجل تحييد العواقب السلبية التى يمكن أن يفرضها استمرار التصعيد على المشهد السياسى العراقى.