الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مصر قاهرة الغزو الثقافي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قالها: (إدور لين) المستشرق الإنجليزي الذي درس أحوال الناس في مصر، وقد شاهد الاحتفالات بالموالد والأولياء ، والروحانيات ، ومدى تعلق الناس بها، لذا من الصعب كما أشار أن يتأثر الشعب المصري بأي ثقافة تأتي إليه من حدب وصوب ، فهو الذي يؤثر ولا يتأثر، وإذا أحب شيئا، قسمه حتى يستمتع به متمنيا أن لا يفارقه أبدا ، ولكن هيهات هيهات فهذه طبيعة الزمن، فشهر رمضان من الأشهر المحببة له ، فقد أضفى عليه محتفيا به ، فقسمه إلى ثلاثة أقسام ، العشرة أيام الأولي هي للمرق، والثانية للحلق، والثالثة للخرق ، أما الأولى فهي لطهى اللحوم والإبداع في تقديمه، فالمطبخ المصري عامر بما لذا وطاب ، أما العشرة الثانية من الشهر فهي للحلق ،ويقصد بذلك الكعك والبسكويت وفنون المعجنات، وأما الثالثة فيه للخرق ويقصد بها الاستعداد لاستقبال العيد واختيار الملابس الزاهية الجميلة ، فلم تمر مناسبة على هذا الشعب إلا وقد احتفل بها ، متلاحما منسجما، فلا فرق بين طوائفه، فالمسلم والمسيحي ، يمران على هذا الشهر بكل طقوسه ومباهجه، فأي غزو يستطيع أن ينفذ بينهما ؟!، فبرغم من شدة الحر والقيظ ، ترى الناس أكثر استمتاعا به بيد أن كلمة رمضان قد جاءت من الرمضاء هي شدة الحرارة، فنرى الحارة الشعبية قديما وحديثا ، تحتفل بكل مناسبة ،وبكل تغيير مناخي فهو شعبي يصعب انكساره ، فإذا جاء الربيع غنى له واحتفل به ، وكذلك المطر ، والبرد ، وإذا اختفى القمر غني له معتقدا أن بنات الحور أمسكت به إلا يظهر فغنت الأطفال ( يا بنات الحور سيّبوا القمر..... دا القمر مخنوق وما عندناش خبر) وسط الضرب على الأواني ) كما غنوا واحتفلوا بأزمنة الحصاد لكل محصول وضربوا الأمثلة ، كما كانت له أزمنة زراعية قبطية خاصة بهم فإذا جاء برمهات ( إذا جاء برمهات روح الغيط وهات ) وإذا جاء برامودة حط الذرة في العامودة ) أما القمح الذي يطلق عليه الذهب الأصفر فهو شهر هاتور أو حتحور ("هاتور أبو الدهب منثور أو هاتور اصبر لما السنة تدور).
كيهــــــــــك: ( ويُنطق: كياك) ومعناه "كاهاكا" أي اجتماع الأرواح, وهو أحد الأعياد الدينية في مصرالقديمة وفيه يجهز الفلاح الأرض للزراعة الصيفية. وشهر كيهك من 10 ديسمبر إلى 8 يناير، ويبلغ فيه قِصَر النهار وطول الليل الحد الأقصى, فيقول المصرى الفصيح فى الأمثال: 
"(كياك صباحك مساك، شيل يدك من غداك، وحطها في عشاك)"، إشارة إلى قصر النهار في هذا الشهر وطول الليل.
ويعد هذا من أدب الفلاحين ، فأصبحت لكل مهنة أدب وطقوس خاصة واحتفالات خاصة ، وهذا ما نسميه بأغاني العمل، فلا يكل الشعب المصري أبدا ، فيحول المعاناة إلى لذة ، والبناء إلى طبيعة ، فقد يعمل الإنسان المصري بكل جهده في سبيل راحة أبنائه وأن يترك لهم بيتا ، وفي الحقيقة هو يربطهم برابط وطني ، يقدسون تراب مصر.
من ثم فإنه أعلى درجات الانتماء المصري الذي لا يقف طويلا عند كلمة غزو ثقافي، فهو الذي يؤثر، وقد ضرب التاريخ صفحات من نور على أيقونة تكوينه، فهذه هي مصر وهذا هو شعبها.