الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الثورة الناعمة على الحياة النائمة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
العدو الرئيسى للإنسان هو التعود على الأشياء.
العادة التى تعمل على التنويم المغناطيسى لكل قطاعات الحياة ولكل مكونات الوجدان والحس البشري، العادة التى تحول الإنسان إلى آلة تعيسة، يصبح الإنسان يتحرك دون وعي، يحب دون ولع، يأكل آليا، يكره بلا أسباب واضحة، ويفعل كل شيء بلا سؤال ولا مراجعة.
من هذا الباب الهام يأتى شهر رمضان، شهر أهم ما يفعله هو القطيعة مع عاداتنا المميتة كلها، فجأة يهب الناس جميعًا لنفض الغبار عن إيمانهم، للنظر مجددًا صوب خالقهم، هذا الخالق الذى نغرق فى يومياتنا فننسى أنه خالق عظيم، وأن تأمل عظمته جزء لا يتجزأ من فعل الإيمان.
هو فعلًا شهر المغفرة والإيمان، شهر لانتعاش روحنا الأمارة بالقيم الإنسانية، فالناس- سواء فيهم المؤمنون المتدينون ومن هم دون ذلك- يجدون أنفسهم كأنهم ولدوا من جديد.ها هم أولاء الناس يتمتعون بالتصدق، بالتفكير فى الضعفاء منهم، يجالس بعضهم بعضا، يتحابون، يتهادون، ويتشاركون الطقس الجماعى الهام للقيام وتلاوة القرآن، للمجالسة لشأن دين أو شأن دنيا.
من الأسرار الهامة لهذا الشهر أن كل شيء يشهد تجديدا للدم. ليس فقط العادات، ولا الجسم الذى ينتظر هذا النوع من السلوك «الأيضي»- نسبة إلى الأيض أو الاستقلاب فى الجسم- لكى يتخلص من سلالات من السموم.
ومن النعم الكبيرة أننا نعتاد على هذه الأجواء اعتيادا ولا نقتاد إليها اقتيادا.
المسلمون فى هذا الشهر يغيرون إيقاع حياتهم ومساراتهم الزمنية، يجددون إحساسهم بالزمن، ويمسحون ما كان من عادة ومن شعور ومن مفاهيم. هم يدرجون أمرًا هامًا على سجل حياتهم، الغالب أنه أمر ينعكس على الحياة كلها بنفع كبير: ذلك هو التفكير بأن هنالك دوما إمكانية لتغيير كل شيء فى الحياة. لكسر الإيقاع، لتجديد الوعى بالعالم كما أسلفنا. إنها إمكانية نادرًا ما تتحقق بالسلام الذى يضمنه شهر رمضان ولو مرة واحدة فى العالم. أقول هذا مفكرًا فى الضريبة الغالية التى غالبًا ما يدفعها الناس لأجل الشعور بهذه القدرة على تغيير الحياة لجلدها من خلال الثورات الشعبية التى عهدناها دومًا تأتى على إيقاع الغضب الشعبي، ونكران التاريخ والثورة على التقاليد وعلى ميراث الآباء.. وكل ذلك يحدث دومًا مغلفًا بكثير من العنف. فيما يضمن رمضان كل ذلك بالشكل الأكثر سلاسة ونعومة، بل ويحدث مغلفًا بالابتسامة وبالرضا عن النفس.
فى هذا الإطار يمكننا أن ننظر تجاه رمضان كنوع من الثورة الناعمة. والناعمة جدًا. الثورة الناعمة على الحياة النائمة.
رمضان فرصة لتصحيح مساراتنا. للفوز برضا الآخرة بعدما تكون كل شهور السنة تحقيقا لفوز الدنيا. رمضان أيضًا تربص أو فترة تدريبية لنا كى نتصالح مع نمط من العيادة والطاعة يتصف بالاستمرارية والالتزام الجدى ولو لشهر واحد فى السنة. أليس العمر كله هو حصيلة بضعة أشهر وكفى؟