الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

سباق التسلح.. تركيا بين اعتبارات المصلحة القومية والتزاماتها الخارجية صفقة "إس 400" تثير غضب الأمريكان.. و"واشنطن" ترى في النظام الروسي تهديدًا مباشرًا لمصالحها

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يمكن فصل الاهتمام التركى المتزايد باتمام صفقة منظومة الصواريخ الروسية إس ٤٠٠ للدفاع الجوى المضاد للطيران، عن التطورات الحالية التى تشهدها المنطقة والسياسات الإقليمية وعلاقات تركيا الخارجية وارتباطها بالمنظومة الأمنية لحلف شمال الأطلسي (الناتو).

وتحمل هذه الصفقة دلالات كثيرة تتعدى حدود الغايات الدفاعية للصفقة التى تبلغ قيمتها ٢.٤ مليار دولار، ويبرهن على ذلك التمسك التركى بالحصول على المنظومة المتطورة من الصواريخ على الرغم من التحذيرات والتهديدات الأمريكية لشريكتها فى حلف شمال الأطلسى، وجميعها تجبر حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان على الاختيار بين المنظومة الروسية المضادة للصواريخ أو نظيرتها الأمريكية «صواريخ باتريوت أو طائرات إف ٣٥ القتالية».



أزمة الحلفاء
كان لتداعيات الصفقة التركية الروسية العديد من العواقب على مستقبل العلاقات التركية مع دول حلف شمال الأطلسى، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث صرحت وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون أنه حال إصرار تركيا على شراء المنظومة الروسية سيتم فرض عقوبات على أنقرة، وحرمانها من نظام باتريوت الصاروخى وطائرات إف-٣٥.
وأثارت هذه الصفقة العديد من التساؤلات حول مستقبل العلاقات التركية مع الحلف الذى ينظر إلى روسيا على أنها عدوها المباشر، وأن تطوير العلاقات العسكرية التركية - الروسية، سينعكس بصورة سلبية على التزامات أنقرة تجاه حلف الناتو، خاصة أنه ومنذ انضمامها إلى الحلف عام ١٩٥٢، فان تركيا تتزود بسلاح متطور من الولايات المتحدة، كما تصنع طائرات حربية بترخيص من البنتاجون.
ويرى الأمريكيون فى النظام الروسى تهديدًا مباشرًا لطائراتهم فى تلك المنطقة، أما حلف الشمال الأطلسى (الناتو) فينظر إلى نظام الدفاع إس-٤٠٠ الروسى على أنه لا يمكن دمجه فى نظام الدفاع الجوى الخاص بالحلف الذى تعد تركيا ثانى قوة عسكرية فيه.


الرؤية التركية
تمثل السياسة التسليحية الجديدة التى تتبناها تركيا انعكاسًا لحالة التوترات فى العلاقات التركية - الأوروبية، وكذلك العلاقات التركية - الأمريكية، كما أن هذا التوجه لا ينفصل عن قيام الولايات المتحدة وألمانيا الأعضاء فى حلف الناتو أغسطس ٢٠١٥، بسحب بطاريات صواريخ باتريوت من تركيا.
ولعل المحرك والدافع المحورى للسياسة التركية الجديدة قائمة على اعتقاد بأن عضويتها فى حلف الناتو لم تعد توفر لها الضمانات الكافية لحماية أمنها، كما لا تعفيها من السعى إلى توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها فى ما يتعلق بامتلاك القدرات العسكرية التى تتيح لها حماية حدودها ضد أى تهديدات نوعية قد تواجهها فى المستقبل.
ولعل موقف حلف الناتو من الأزمة التركية - الروسية التى اندلعت مع روسيا بعد إسقاط أنقرة للمقاتلة الروسية فى نوفمبر ٢٠١٥، عزز اتجاه تركيا نحو إبرام تلك الصفقة وعدم تكرار الإجراء الذى اتخذته فى الشهر ذاته بإلغاء صفقة منظومة الدفاع الصاروخى مع الصين بعد التحفظات التى أبداها الناتو فى هذا الصدد.
إن امتلاك تركيا منظومة إس ٤٠٠ الروسية، سيغنيها عن استخدام مقاتلات إف ١٦ الأمريكية فى الدفاع بالمجال الجوى التركى، وستخولها إمكانية الرد السريع على التهديدات الخارجية، وبفضل منظومة إس ٤٠٠ لن تضطر أنقرة إلى إقلاع مقاتلاتها وتوجيهها إلى مسافات بعيدة لمواجهة الخطر القادم من الخارج، وبذلك تكون قد وفّرت تكاليف التحليق، كما أنّ المنظومة ستسهم فى إطالة عمر المقاتلات التركية على اعتبار أنّ تلك المقاتلات لن تضطر إلى التحليق لأوقات طويلة من أجل حماية المجال الجوى، وترى أنقرة أنها باتت تقع فى محيط إقليمى مأزوم يفرض عليها امتلاك قدرات عسكرية كافية لحماية أمنها ومصالحها، على عكس التصورات التى يتبناها حلفاؤها والتى تقوم على أن قدراتها الحالية تتيح لها القيام بذلك.


اعتراض الحلف
أعرب العديد من شركاء تركيا فى حلف الناتو عن تخوفاتهم من السياسة التسليحية التركية التى من شأنها إدماج الأنظمة العسكرية الروسية لمناطق نفوذها ومصالحها، وطالب المتحدث باسم البنتاجون «جيف ديفيس» أنقرة بتقديم تفسيرات فى شأن الصفقة، وقال: «تركيا حليفنا ضمن حلف الناتو، ومن الأسس المبدئية فى علاقاتنا مع جميع الحلفاء أننا نسعى إلى أن تتلاءم أسلحتنا مع بعضها». وتعد السياسة التركية الهادفة إلى اقتناء منظومة الصواريخ اس ٤٠٠ الروسية مفاجأة عسكرية، خاصة أن الترسانة العسكرية التركى غربية فى تكوينها، كما أن تركيا كانت تعد روسيا عدوًا رئيسيًا لها، نظرًا لعضوية أنقرة فى هذا الحلف.
كما صرح جونى مايكل، المتحدث باسم وزارة الخارجية، لوكالة «VOA» الإخبارية «لدينا مخاوفنا التى نقلناها لأنقرة بشأن شرائها لصواريخ إس ٤٠٠. وقال مايكل إن الولايات المتحدة تؤكد على أهمية الاستمرار فى اتباع نظام الناتو فى أى عمليات شراء كبرى لتعزيز نظام الدفاع. ويبدو الموقف التركى اليوم أكثر إصرارًا على امتلاك منظومة الدفاع الصاروخى إس ٤٠٠ فى ظل تمسك الولايات المتحدة بموقفها الداعم لقوات سوريا الديمقراطية ولا سيما فى معركة الرقة التى استبعدت تركيا عن المشاركة فيها».
وصرح وزير الخارجية التركى «مولود جاويش أوغلو»، فى ٤ أبريل ٢٠١٩، خلال زيارته إلى الولايات المتحدة بأن صفقة منظومة الدفاع الصاروخى الروسية «إس-٤٠٠»، التى أثارت التوتر مع الولايات المتحدة باتت «محسومة» ولا يمكن إلغاؤها، وعلى الرغم من ذلك هناك معضلة تواجه تركيا فيما يتعلق بإمكانية التوفيق بين مصالحها القومية وسياستها الخارجية بعيدًا عن الحلف وبين الالتزامات المفروضة عليها من جانب الحلف.