الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

موسيقى «يوهان سباستيان باخ»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كانت مدينة «آيزناخ» الألمانية - فى القرن السابع عشر - معروفة بتمسكها الدينى المسيحي، حيث تتغنى بالترانيم الكنائسية وتسبح فى موجة من الموسيقى الروحانية. هكذا عاش «يوهان سباستيان باخ» فى هذا المناخ الفنى الراقي، لأنه آمن بأن معرفة اللاهوت والإخلاص فى العقيدة شرطان ضروريان لمؤلف الموسيقى الدينية. وكان يرى أن دراسة التأليف الموسيقى والنظريات الموسيقية، ليست فى ذاتها كافية لإنشاء موسيقى دينية. فالتعليم الفنى يصقل الذهن ويجعل المرء عارفًا بأصول صنعة الفنان، ولكن الإيمان الدينى العميق هو الذى يتيح للموسيقى تأليف موسيقى بروتستانتية تزيد المسيحى قربًا من خالقه.
كان «باخ» يعتقد أنه فى حاجة إلى مزيد من الإلمام بأسس اللاهوت حتى يعبر فى موسيقاه عن أكبر قدر من الروحانية. وتوصلت عبقريته إلى مستوى رفيع فى تأليف ملاحم دينية على أساس النظام «الباروكي» ومنها ملحمة بعنوان: «آلام السيد المسيح وفق القديس يوحنا»، وقدم ملحمة ثانية تفوق الأولى فى الإحساس بالخشوع الذى تفرضه على مستمعيها بعنوان: «آلام السيد المسيح وفق القديس متى». 
ومن هذا المنطلق كرس «باخ» حياته لإصلاح الموسيقى البروتستانتية، فكتب يقول: «إن هدفى النهائى هو أن أعيد تنظيم موسيقى الكنيسة». وكان يأمل أن يتيح للإنسان - بفضل موسيقاه - أن يصبح مسيحيًا أفضل. ومن أهم آلات التعبير الموسيقى عنده آلة «الأرغن»، والقالب الذى امتاز فيه هو قالب «الفوجة» Fugue وعن طريق الغنائية التى تسمى «الكانتاتا» Cantata (وهى عبارة عن عمل موسيقى لمجموعة من الأصوات الغنائية والكورس والأوركسترا، تتألف فى معظم الأحيان من عدة حركات). وكذلك الكورال، أدخل على الشعائر الدينية أفكارًا جمالية هى المبادئ التى بنى عليها ذلك الإصلاح الذى طالما دعت الحاجة إليه لموسيقى الكنيسة البروتستانتية.
لم تلقَ حماسة «باخ» - كما رأى جوليوس يورتنوى - لإصلاح الموسيقى البروتستانتية فنيًا استجابة كبيرة، إذ سجلت الكنيسة عليه أن طريقته فى عزف «الأرغن» وكذلك موسيقاه تشوش عواطف جمهرة المصلين بأنغام أجنبية غريبة. وعندما عمل فى كنيسة «القديس توما» فى ليبزج، اشترط عليه - فى العقد الذى وقعه - أن تكون موسيقاه ملائمة للشعائر، وألا يكون عزفه طويلًا إلى حد لا يتناسب مع هذه الشعائر تناسبًا معقولًا؛ وألا يدخل موسيقى الأوبرا الإيطالية فى الشعائر، وأن يتذكر دائمًا أن وظيفة عازف «الأرغن» بالكنيسة هى خدمة الصلاة عن طريق الموسيقى، وليست صرف الانتباه عن العبادة بالاستعراض غير المجدى لمقدرته فى العزف على «الأرغن» أثناء أداء هذه الشعائر. وكانت عقود الموسيقيين - فى عصر الباروك - تشترط عليهم البقاء داخل المدينة وعدم مغادرتها دون إذن. وقد أدت هذه القيود المفروضة على حرية «باخ» المادية - فضلًا عن تلك المفروضة على حريته الموسيقية، مقترنة بما لقيه من تجاهل - إلى جعل السنوات الأخيرة من عمره أتعس سنوات حياته.