الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الإخوان وإيران.. تحالف عمائم الشيطان

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على مائدة المصالح السياسية.. كل الأوراق مطروحة للعب، وكل الأطراف مرشحة للفوز بقدر اقترابها من الخسارة، إنه قانون اللعبة الواضح للجميع، إلا أن هناك من اللاعبين من لا يستطيع تقبل فكرة الخسارة من الأساس، فيقوده طمعه السياسي إلى التحالف مع الشيطان من أجل تحقيق مصلحة ما، وجماعة الإخوان من الأمثلة الصارخة لهذا النوع الطامع من اللاعبين، بتحالفاتها المريبة وعلاقاتها المشبوهة ومواءماتها النفعية مع كل من يخدم مصالحها، وبتحالف الجماعة الإرهابية مع النظام الإيراني، يتضح إلى أي مدى يمكن أن تذهب الإخوان- ولو زحفًا على البطون- فقط من أجل مصلحتها.
وفي هذا الملف يقرأ المرجع أهم الأجندات السياسية التي تربط إرشاد الإخوان بمرشد الملالي، وتبرز ملامح العلاقة المخيفة بين جماعة تقدم نفسها على أنها سنية المذهب، ونظام يجلس على عرش الشيعة في العالم، مستكشفين طبيعة المصالح المتبادلة بين الطرفين، ودور كل منهما في التخديم السياسي على الآخر، ويتناول الملف كذلك آراء الخبراء والمراقبين حول تداعيات التوغل الإيراني في المنطقة العربية عبر أذرع طهران المتمثلة في أحزاب وفروع الجماعة الإرهابية في الشرق الأوسط.



فرقتهم العقيدة وجمعتهم السياسة «أبناء المرشد» تاريخ من الخيانة للأوطان.. «إيران» و«الإخوان».. شبكة تتخطى العداء المذهبى لاصطياد المصالح
بينما يتجه الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» لتصنيف جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية عالمية على غرار الحرس الثوري الإيراني، قال وزير الخارجية الإيراني «جواد ظريف»: إن الولايات المتحدة ليست في وضع يؤهلها بأن تبدأ في تصنيف الآخرين كمنظمات إرهابية، ونحن نرفض أي محاولة أمريكية فيما يتعلق بهذا الأمر؛ ذلك ما يؤكد العلاقة بين الجانبين التي تخطت العداء المذهبي وليجتمعا على طاولة المصالح والأطماع السياسية.
سياسة البحث عن الحلفاء
بدايةً، ظنّ المتابعون للشأن الإيراني، أن قطيعة ٣٤ عامًا لن ينهيها عِناق حار بين الرئيس الأسبق «أحمدي نجاد»، والرئيس المنتمي لجماعة الإخوان «محمد مرسي»، في اللقاء العابر الذى جمع بينهما بالرياض خلال القمة الإسلامية التي دعا إليها العاهل السعودي في صيف ٢٠١٢، بيد أن «مرسي» سافر إلى طهران، ثم ردّ «نجاد» الزيارة، وحضر إلى القاهرة في مايو ٢٠١٣، كأول رئيس إيراني يزور مصر منذ عام ١٩٧٩.
كان غريبًا أن يتفق «مرسى ونجاد» على فتح سفارة إيرانية في مصر، التي تُعد أكبر القوى الإقليمية في المنطقة، وترى نفسها قوة سياسية مناهضة لإيران ذات الأغلبية الشيعية، وما تمارسه من اضطهاد للسّنة على أراضيها، لكن سياسة البحث عن الحلفاء، دفعت الإخوان إلى الاستقواء بالنظام الإيراني والتطبيع مع دولة الملالي، في عام حكم الجماعة الإرهابية ٢٠١٢-٢٠١٣.
بسؤال أحد شباب الإخوان - طلب عدم ذكر اسمه - عن تقييمه للعلاقة بين الجماعة وإيران، قال: « طهران مثل بيت الخلاء، نعلم نجاسته ونحتاج إليه »، ويمكن في ضوء هذه العبارة فهم السياسة الإخوان تجاه الشيعة وإيران؛ إذ كانت الجماعة تحرض على الشيعة في الداخل، وتغض الطرف عنهم فيما يتعلق بإيران، باعتبارها مصدرًا للدعم المالي وقوة عسكرية، إذا اقتضى الأمر الاستعانة بتجربة الحرس الثوري، التي أراد الإخوان تطبيقها في مصر.
ويمكن فهم أسباب تنحية الخلافات المذهبية بين الإخوان كتنظيم سُّني، والدولة الشيعية، من خلال إعادة النظر في العلاقة التاريخية التي بدأت منذ أربعينيات القرن المنصرم، عندما قدّم حسن البنّا، مؤسس الجماعة، مصلحة «الإخوان» على الدين.


اجتماعات التقريب بين المذاهب
بحسب الدكتور ثروت الخرباوي، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، فإن هناك وثيقة تاريخية ترصد زيارة «مصطفى الموسوي الخميني» عام ١٩٣٨، إلى المقر العام لجماعة الإخوان، وتوثق لقاءً خاصًّا تمّ بين المرشد الأول للجماعة و«الخميني»، الذى أصبح فيما بعد مفجر الثورة الإيرانية.
وعندما تبنى الأزهر الشريف سياسة التقريب بين المذاهب، زار رجل الدين الإيراني «محمد تقي القمي» مصر، والتقى مؤسس الجماعة، وشاركا في اجتماعات التقريب بين المذاهب؛ لذا تزخر شوارع طهران بلافتات إعلانية، تظهر عددًا من مؤسسي الحركات الإسلامية، إذ تضم حسن البنا، ومنظر الإخوان سيد قطب، يجاورون «الخميني» وقائد تنظيم « حزب الله» حسن نصر الله.
كما يُوصف «يوسف ندا»، مفوض العلاقات الدولية السابق للإخوان، بـ«عرّاب» العلاقة بين الجماعة الإرهابية وإيران، لا سيما أنه تلقى دعمًا اقتصاديًا ضخمًا من دولة الملالي، بعد أن استقر في سويسرا، عند أحد الإخوان المقيمين هناك، وهو «إبراهيم صلاح» الذى ساعده في الحصول على مشروع تخطيط العاصمة الإيرانية، وتلقى مقابل هذا المشروع نحو مليار دولار.
الدعم الإيراني للإخوان
فيما كشفت وثيقة مسربة من مكتب إرشاد الإخوان عن لقاء سري بين مندوب عن المرشد العام للجماعة وقاسم سيلماني، قائد فيلق القدس، بخصوص أوجه التعاون والدعم الذى يمكن أن تقدمه «إيران» للإخوان؛ لمساعدتهم في الوصول للسلطة، بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١.
وحسب الوثيقة، فإن هذا اللقاء تم في ١٤ أبريل ٢٠١١ بمدينة إسطنبول بتركيا وكان مندوب مرشد إيران يرافقه مساعداه، وحضر اللقاء أحد عناصر الإخوان بالعراق ويدعى «رشيد العزاوى» وهو من أصل تركماني، كما حضر أيضًا أحد أعضاء الجماعة ويدعى «محمد فاضل»، وتناول اللقاء مستقبل العلاقة بين إيران والإخوان.
وقد ذكرت الوثيقة أن مندوب مكتب الإرشاد أكد لـ«سليماني» تأييد الجماعة للثورة الإيرانية وموقفهم المعارض لنظام «صدام حسين» أثناء الحرب بين إيران والعراق، وأوضح مدى توافق الجماعة مع الشيعة وأن موقفهم ثابت، قائلًا:«يجمعنا رب واحد ونبي واحد وكتاب واحد وقبلة واحدة»
واستنكر مواقف السلفيين تجاه الشيعة في مصر الذين وصفهم بأنهم يقومون بعمليات شق لصف المسلمين، مطالبًا بتدخل إيران للإفراج عن بعض عناصر الجماعة المعتقلين آنذاك في دولة البحرين.
وتضمنت الوثيقة رد «قاسم سليمانى»، بعد انتهاء مندوب الإرشاد من حديثه، مؤكدًا أنه كان حريصًا على هذا اللقاء، وأن المرشد الأعلى لإيران « علي خامنئي» يعرف الجماعة جيدًا وتربطه علاقات قديمة معهم وأنه قام بترجمة كتب سيد قطب، كما أطلقوا اسم حسن البنا على أحد شوارع طهران، وأبدى تقديرهم لدور الجماعة.
وأكد صلتهم الوثيقة ببعض عناصر التنظيم الدولي للإخوان وذكر صلتهم بالقيادي بحركة حماس «خالد مشعل»، والرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، مؤكدا أن الوقت قد حان لربيع الإخوان في المنطقة ويجب الحرص على عدم التراجع، مُتكِئًا على دعم إيران الكامل للجماعة الإرهابية.
بعدما أُزيح الإخوان عن الحكم إبان ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، توالت اجتماعات قيادات الجماعة الهاربين في قطر وتركيا؛ إذ التقى «إبراهيم منير»، الأمين العام للتنظيم الدولي للإخوان، بعدد من القيادات الشيعية المقربين من مرشد الثورة الإيرانية، على هامش المؤتمر الدولي العاشر لمنتدى الوحدة الإسلامية، الذى عُقد في العاصمة البريطانية يوليو ٢٠١٧، بينهم «محسن الآراكي» أمين عام المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب، و«أحمد الحسني» القيادي الشيعي.
وفسّر الباحث محمد سيد رصاص، في كتابه الذى حمل عنوان «الإخوان المسلمون وإيران الخميني - الخامنئي»، الدوافع الإيرانية في الدفاع المستميت عن الإخوان في مصر، وحركة النهضة التونسية، وحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، بأن «مرسي» كسر حظرًا فرضه سلفاه على نفسيهما بعدم زيارة طهران، وطرح مبادرة تشكيل مجموعة اتصال رباعية، تضم القاهرة والرياض وأنقرة وطهران؛ من أجل معالجة الوضع السوري، ورفضتها السعودية بوعي بخطورة إشراك إيران في شأن عربي، هي جزء من المشكلة فيه.
قائلًا في كتابه: «تجاهلت الجماعة الشواهد المؤكدة بأن التقارب بين مصر بقيادة الإخوان، وإيران الخمينية، لن يكون في صالح العرب ولا المسلمين بأي حال من الأحوال، في ظل ما تقوم به إيران من أعمال تخريبية في أكثر من ساحة عربية، وسعيها إبراز هوية أطماعها الفارسية، التي تعتبر الإسلام عدوها اللدود لقضائه على الإمبراطورية الفارسية، وهذا العداء الذى ظل الفرس يتوارثونه جيلًا إثر جيل».



أحفاد «البنّا».. همزة الوصل بين «الدوحة» و«طهران».. عملاء وسماسرة.. «الإخوان» عرابٌ للتفاهمات الإسلاموية
في الوقت الذي قاطع فيه الرباعي العربي «مصر والسعودية والإمارات والبحرين» نظام الحمدين في منتصف ٢٠١٧؛ لإقناعها بتنقيح السياسات والإحجام عن دعم الإرهاب، بحثت الدوحة عن باب خلفي أكدت من خلاله إصراراها على الاستمرار على نفس السياسات.
وقد اختارت الدوحة بابها لإقامة تفاهمات ولقاءات مع مسؤولين من طهران، انتهت بهم إلى تحالف إقليمي جديد بين الدوحة وطهران، وصفه المراقبون بـ«الغامض».
وبينما يرى المراقبون أن اختيار الدوحة للوقوف في صف إيران كرد فعل على المقاطعة لم يكن بين الخيارات المتوقعة، خاصة أنهما كانا ما يزالان يحملان تبعات صدام جمعهما في الأزمة السورية، فيبقى السؤال عن الطرف الخفي، الذي سهّل تجاوز هذا الصدام في سياق برجماتي، منطقي ومُلح.
عرّاب التفاهمات الإسلاموية
وفي ذات السياق يطل دور حزب الإصلاح الإخواني في إيران ومن خلفه تنظيم الإخوان بشكل عام، إذ يحظى الحزب الإيراني بعلاقات جيدة بمراكز الحكم في طهران، لاسيما قبول له في الدوحة باعتبارها الحاضنة الأولى للجماعة الإرهابية.
ومنذ اللحظات الأولى التي ظهر فيها مسئولون إيرانيون وقطريون على شاشات التلفاز، في مؤشرات تقارب لما تسعى له الدوحة ردًّا على قرار القطيعة، حل الحديث عن دور لجماعة الإخوان في هذا التقارب، خاصة وأن الجماعة تحظى بعلاقات قديمة قوية مع إيران، وتفاهمات غير مسبوقة مع قطر.
ويتفق المراقبون على أن جماعة الإخوان كانت العرّاب في التفاهمات القطرية الإيرانية، مفسرين ذلك بحرصها على إيجاد بدائل لقطر بعد الحصار الذي وجدت نفسها فيه؛ للحيلولة دون فض القطيعة العربية لصالح إرجاع قطر عن سياساتها عن احتضان لجماعات الإسلام الحركي.
ولضمان ذلك لعبت جماعة الإخوان دورًا لتقريب وجهات النظر الإيرانية القطرية، للدرجة التي تجعل من قطر مدافعًا عن طهران في العقوبات الدولية الموقعة عليها.
آخر الدفاعات
آخر هذه الدفاعات أتى على لسان وزير الخارجية القطري «محمد بن عبدالرحمن آل ثاني»، حين حذر في مؤتمر صحفي، من عدم تمديد الإعفاء من العقوبات المتعلقة بصادرات النفط الإيرانية، وتضرر الدول التي تعتمد على تلك التمديدات.
وطالب «آل ثاني» أمريكا بالكف عن سياسة العقوبات على إيران، قائلًا: «نحن في قطر نرى أن العقوبات الأحادية الجانب لا تسفر عن نتائج إيجابية لحل الأزمات، وإنما نرى أن حل الأزمات يجب أن يكون من خلال الحوار».
ليس ذلك فحسب، بل زاد عندما برر السفير القطري في موسكو، «فهد بن محمد العطية»، مطلع العام الجاري، التواجد الإيراني في سوريا، قائلًا تصريحات إعلامية: «إن لإيران مصالح مشروعة في سوريا»، بحسب تعبيره، مضيفًا أن: «قطر لا تمانع أن تحمي طهران مصالحها هناك».
حلقة الوصل
تفسيرًا للتطورات التي طرأت على طبيعة العلاقات الإيرانية القطرية، وعلاقة الإخوان بذلك، قال طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية: «إن جماعة الإخوان هي حلقة الوصل بين كل من قطر وإيران»، مشيرًا إلى أن: «ترتيب وجهات النظر بين الطرفين مفهوم، في سياق سعي الجماعة إلى مصالحها».
وحمل «فهمي» الجماعة مسؤولية الخطر الذي تواجهه المنطقة العربية، على خلفية السياسات القطرية، مشيرًا إلى أن الإخوان يدفعون الدوحة نحو إكمال ما بدأوه من دور تخريبي في المنطقة.
ولفت أستاذ العلوم السياسية النظر إلى العلاقات الإيرانية الإخوانية، مؤكدًا أنها علاقة مشبوهة تحكمها البرجماتية، والتغاضي عن الخلافات العقدية من أجل المصالح السياسية.
فيما يختلف المحللون حول ما إذ كان الإخوان هم من أخذوا عن الثورة الإيرانية (١٩٧٩) أفكارها، أم الثورة هي من أخذت عن الجماعة، وسواءً هذا أو ذاك فهذا الاختلاف يؤكد وجود نقاط تجمع الإخوان والدولة الإيرانية.



مصالح تحكمها أجندة الملالى.. طهران تستخدم «تنظيم الداخل» لترسيخ نفوذها في المنطقة
جدد الموقف الإيراني الرافض، بتحرك أمريكا لتصنيف الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، الحديث عن علاقة التنظيم الدولي للجماعة بنظام الملالي في إيران، خاصة وأن القرار جاء بعد فترة قليلة من إعلان الحرس الثوري منظمة إرهابية، وهو ما يضع الكيانين في خندق واحد.
وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، استنكر قرار إدراج جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، معتبرًا أن الولايات المتحدة ليست في وضع يؤهلها بأن تبدأ في تصنيف الآخرين كمنظمات إرهابية، قائلًا:«نحن نرفض أي محاولة أمريكية فيما يتعلق بهذا الأمر».
وتمتد العلاقات الإيرانية بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان لعشرات السنوات، بجانب الدعم المتبادل بين الطرفين، إلا أن وضع الإخوان في إيران أثار تساؤلات كثيرة بشأن الاستراتيجية الإيرانية في استخدام طهران للتنظيم وتحقيق مصالحها السياسية في المنطقة ودعم الاذرع الإخوانية، الأمر الذي لا تسمح به إيران لـ«إخوان الداخل» - جماعة الدعوة والإصلاح - إلا في حدود تحقيق مصلحة نظام الملالي.
مراحل صعود «إخوان إيران»
بدأ الوجود الإخواني في إيران عام ١٩٧٩، مع تأسيس جماعة الدعوة والإصلاح التي تمثل الإخوان في طهران، وامتدت فروعها إلى ١٢ إقليمًا إيرانيًّا، خاصة ذات الأغلبية السنيَّة، وفي بداية التأسيس منحها نظام الملالي الضوء الأخضر لممارسة نشاطها بشكل رسمي، مكافأة من النظام على تأييد مؤسسي الإخوان للخميني في الثورة، ودورهم في نجاحها، وخداعهم وقدرتهم على إقناع السنة بمؤازرة الخميني في هذا التوقيت.
وحرصت الجماعة في هذا التوقيت على مغازلة النظام الإيراني؛ حيث أكدت حرصها المحافظة على رؤوس الأموال الوطنية، وحماية المؤسسات الثقافيَّة والتعليميَّة، كما أعلنت الجماعة التزامها بالدستور الإيراني، وممارسة نشاطهم في إطار قوانين البلاد، والابتعاد عن أي قضايا قد تثير حساسية لدى النظام.
انقلاب الملالي على الجماعة
رغم الوعود التي قدمها الخميني في بداية الثورة لمؤسسي الجماعة بانقضاء ما أسماه «عهد الظلم والديكتاتورية»، فإنه بدأ الصدام مبكرًا بعدما طالب أحمد مفتي زاده، أحد مؤسسي الحركة، بإزالة بعض المواد من دستور «الخميني» الجديد لإنهاء التمييز ضد أهل السنة، إلا أن الخميني لم يلتفت إلى هذه المطالب، وأمر باعتقال «زاده» و٢٠٠ من مؤيديه بتهمة تهديد الأمن القومي للجمهورية الإسلامية الوليدة آنذاك.
صدر حكم قضائي ضد «زاده» بالحبس ٥ سنوات، وبعد انقضاء فترة السجن طالبته السلطات الإيرانية بتوقيع تعهد مكتوب بعدم ممارسة أي أنشطة سياسية ودينية، إلا أنه قابل هذا الطلب بالرفض فصدر قرار بحبسه ٥ سنوات أخرى، وبعد ١٠ سنوات في السجن تم الإفراج عنه، إلا أنه كان قد أنهكه المرض وتوفى عام ١٩٩٣.
«ناصر سبحاني» المعروف بالمرشد الروحي لـ«إخوان إيران» لم يختلف مصيره عن «زادة»، خاصةً بعدما انتقد سياسات النظام، ما جعله مستهدفًا، وصدر قرارٌ باعتقاله في ظروف غامضة في يونيه ١٩٨٩ في مدينة «سنندج» عاصمة إقليم كردستان إيران، وبقي في السجن قرابة العامٍ، حتى أعلنت السلطات الإيرانيَّة خبر إعدامه في يوم عيد الأضحى المبارك ١٩٩٠.
استخدام الجماعة مجددًا
وجد النظام الإيراني أن مصالحه في المنطقة مؤخرًا تقتضي إعادة استخدام الجماعة مرة أخرى، وذلك منذ تولي عبد الرحمن بيراني الذي تم انتخابه عام٢٠٠١ أمينًا عامًا لجماعة الدعوة والإصلاح، إضافةً إلى عضويته في ما يسمى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو ماجعل النظام الإيراني يعتبره همزة وصل مع أفرع الإخوان في المنطقة.
ونظير الدور الذي يؤديه بيراني لتحقيق مصالح النظام الإيراني، فقد رفع المراقب العام مطالبه أثناء وجوده على رأس وفد إخواني مع علي يونسي مساعد رئيس الجمهورية حسن روحاني، في شئون القوميات والأقليات الدينية والمذهبية.
ونبه أيضًا على أن من حق أهل السنة أن یحصلوا علی مناصب بمستوى الوزارات والسفارات والمحافظات، ولکن الأهم من تصدي المسئوليات هو تغییر الرؤیة إلی أهل السنة والأقلیات، وأن یتم توزيع المسئوليات علی الأفراد وتوظیفهم بحسب الكفاءات والاختصاصات، وألا يکون الانتماءات المذهبية أوالقومية حائلًا دون الحصول علی حقوق المواطنة المتساوية، وفي ختام اللقاء أكد «بيراني» لمساعد الرئيس حسن روحاني، استعداد الجماعة لإسداء أي نوع من المساعدة في سبیل تحقیق المطالب المشار إلیها.



«الالتقاء والافتراق».. كتاب إيرانى يكشف علاقة الجماعة بنظام الملالى
عن مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، أصدر الباحث الإيراني عباس خامه يار، كتابه بعنوان «إيران والإخوان المسلمين – دراسة في عوامل الالتقاء والافتراق».
ويتناول الكتاب- الواقع في ٢٨٦ صفحة- طبيعة العلاقة المريبة بين نظام الملالي وجماعة الإخوان في ٤ فصول؛ حيث استعرض الفصل الأول قضية الأصولية، وأبرز في الفصل الثاني تاريخ جماعة الإخوان، والظروف المحيطة التي أسهمت في ظهورها، وأظهر في الفصل الثالث عوامل الالتقاء والافتراق بين الجماعة ونظام الخميني، فيما خص الفصل الرابع بتفكيك علاقة الجماعة بالثورة الإسلامية في إيران، واللقاءات التي جمعت قيادات الطرفين، بداية من علاقة آية الله الكاشاني وحسن البنا.
عوامل الالتقاء
وهناك عدة نقاط مهمة ذكرها الباحث في كتابة، مثلما فعل في الفصل الثالث؛ حيث أبرز عوامل الالتقاء بين حركة الإخوان ونظام الثورة في إيران، وهي:
أولًا: الموقف من القومية
تتخذ الجماعة ونظام الملالي موقفًا سلبيًّا من فكرة القومية؛ بسبب معاناة الطرفين منها؛ حيث يعتبرها الإخوان سببًا في هزيمة ١٩٦٧، بينما تعتبرها طهران سببًا في معاناة ما قبل ١٩٧٩.
ثانيًا: الوحدة الإسلامية
يرى الإخوان وإيران أن القومية تحول دون تحقيق الوحدة الإسلامية بين الشعوب، ويتبنى الطرفان فكرة الوحدة الإسلامية.
ثالثًا: النظر إلى إسرائيل
يتخذ الطرفان موقفًا متحدًا من المشروع الإسرائيلي، حتى وإن كان موقفًا علنيًّا فقط؛ حيث ترى الإخوان ضرورة مواجهة إسرائيل، بينما يرى علماء الشيعة أنه لا بد من إبعاد اليهود عن فلسطين، ويظهر ذلك بوضوح في بيان آية الله الكاشاني عام ١٩٤٨، والذي حذر به من الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
عوامل الافتراق
وفي سياق متصل، يبرز المؤلف عوامل الافتراق ما بين جماعة الإخوان وتنظيم الملالي، وهي:
أولًا: طريقة الوصول للحكم
على الرغم من اتفاق جماعة الإخوان مع إيران في طبيعة شكل الحكم، المتمثل بضرورة وجود الحكومة الإسلامية، إلا أنهما يختلفان في طبيعة الوصول للحكم، إذ يرى الإخوان إمكانية قبول وصول أي فصيل إسلامي للحكم، وعلى العكس يشترط الشيعة وجود صفات مثل العدل والعلم.
وهذا الرأي يختلف عن الحقيقة؛ حيث ترفض جماعة الإخوان وصول أي فصيل غيرهم إلى سدة الحكم، سواء كان فصيلًا إسلاميًّا أو سياسيًّا، وقد أثبتت التجارب هذه الحقيقة، كما هو الحال في مصر، فقد عملت الجماعة على إبعاد باقي الفصائل السياسية من الساحة؛ بهدف وصولهم إلى الحكم.
ثانيًا: النظرة للغرب
تختلف الجماعة في نظرتها للغرب عن إيران؛ حيث ترى الجماعة فيهم حليفًا استراتيجيًّا وسياسيًّا مهمًا، بينما تختلف عنهم في نقطة الخلاف الفكري والأخلاقي، على عكس نظام الملالي، الذي يُعلن العداء الكامل لأمريكا والغرب سواء من النواحي الاستراتيجية أو الأخلاقية.
ثالثًا: استخدام العنف
يرى الباحث أن هناك اختلافًا في مسألة العنف واستخدام القوة بين الطرفين، إذ أعلن «البنا» مؤسس الإخوان أنه يعارض استخدام القوة، واعتبر أن أعلى درجات القوة هي قوة العقيدة والإيمان، ولكنه في الحقيقة عمل على بناء أجهزته العنيفة والمتوحشة مثل النظام الخاص، والجناح العسكري، والجناح الأمني، وعلى العكس من ذلك كانت الثورة الإيرانية تعلن استخدامها للعنف علانية وسرًّا، وذلك لمواجهة ما اعتبرته أعداء الثورة.



عبد الرحمن بيرانى.. رجل الإخوان فى دولة المرشد..
كشفت تصريحات وزير الخارجية الإيراني «محمد جواد ظريف»، والتي تضمنت رفضه تصنيف الولايات المتحدة الأمريكية الإخوان كجماعة إرهابية، عن «التناغم» بين الإخوان ونظام المرشد الإيراني، ويعد إبراز هذا التناغم بإتاحة دولة المرشد عمل جماعة «الدعوة والإصلاح» (الإخوان في إيران)، بسهولة ودون مضايقات بل وأصبح الأمين العام الحالي «عبد الرحمن بيراني» جسر التواصل بين دولة المرشد والتنظيم الدولي للإخوان.
تجميل نظام الملالي
وعبد الرحمن بيراني، حاصل على شهادة البكالوريوس من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة طهران، ويدرس القانون بجامعة الخرطوم، وانتخب بیراني في المؤتمرين الأول والثاني للجماعة اللذين عُقدا في (٢٠٠١م- ٢٠٠٦م)، أمينًا عامًا لجماعة الدعوة والإصلاح في إيران.
البيراني لعب دورًا في تجميل نظام الملالي أمام الجمهور السني في الدول العربية والإسلاميَّة، والتغاضي عن انتهاكات حكام طهران بحق سنة إيران، وهو ما تم مكافأته بوجوده في البرلمان الإيراني، وكذلك حرية عمل جماعة الإخوان في إيران.
الأمر لم يتوقف عند ذلك فبعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وإسقاط حكم الإخوان والذين كان يسعون إلى تطبيق النموذج الإيراني في القاهرة، نظم أعضاء الإخوان بإيعاز وإشرف من «بيراني» وتسيهلات من المرشد الإيراني، مظاهرات أمام مكتب رعایة المصالح المصرية في طهران، احتجاجًا علی عزل مرسي وتأييدًا لعنف وإرهاب الإخوان في مصر.
تحسين العلاقات بين ثلاثي الخراب
ومع افتضاح مشروع التنظيم الدولي للإخوان والقائمين عليه من قطر وإيران وتركيا، زاد حجم وجود «بيراني» داخل مخططات الإخوان ومحور (قطر – تركيا- إيران).
وظهر زعيم إخوان إيران، في أكثر من مناسبة إلى جانب الزعيم الروحي للإخوان يوسف القرضاوي مؤسس ما يسمى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
كما انتُخِبَ عبد الرحمن بيراني، ضمن ٣١ عضوًا لمجلس أمناء الاتحاد، خلال انتخابات الاتحاد التي أجريت في يناير ٢٠١٩ في إسطنبول التركية.
وعقب قرار المقاطعة العربية لنظام الحمدين في قطر، في يونيو ٢٠١٧، بات لـ«بيراني» حضورًا كبيرًا في التنظيم الدولي للإخوان، نظرًا لقيامه بدور «حامل الرسائل» بين المرشد الإيراني علي خامنئي، ونظام تميم بن حمد آل ثاني.
دور زعيم إخوان إيران، كشفه القيادي السابق في تنظيم الإخوان في الإمارات، عبدالرحمن السويدي، في لقاء مُتلفز معه؛ حيث أكد أنه تم تكليف عبدالرحمن بيراني بمسئولية مكتب التنسيق الخليجي التابع لجماعة الإخوان في إيران، ومن خلال إدارة مؤسسة «إصلاح» للنشر وتوزيع الكتب في إيران.
وأكد السويدي، أن مؤسسة «إصلاح» الإيرانية تتلقى تمويلها المالي من قطر والجمعيات الخيرية القطرية، مُشيرًا إلى أن بيراني عمل على تحسين العلاقات بين ثلاثي الخراب «قطر وإيران وتركيا» لتوحيد أهدافهم ضد الدول العربية ودعم جماعات الإسلام السياسي في المنطقة، وعلى رأسهم جماعة الإخوان الإرهابية.
وفي ٢٠١٧ أرسل الرئيس الإيراني حسن روحاني، «بيراني» إلى تركيا، للعب دور الوساطة وترطيب العلاقات المتوترة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد ظهور بوادر للتعارض المصلحي بين طهران وأنقرة على الأرض السورية، ثم كان حضور «بيراني» اجتماعات وانتخابات اتحاد القرضاوي في يناير ٢٠١٩؛ حيث انتخب عضو مجلس نقابة في اتحاد المنظمات الأهلية في العالم الإسلامي في إسطنبول بتركيا.