الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

القصة القصيرة ديوان اللحظة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يكن نجيب محفوظ أو يحيى حقي أو يوسف إدريس، نجوما في سماء الرواية، فحسب بل طافوا بنا في عوالم القصة القصيرة التي تصور اللحظة المكثفة، مكتملة الأركان من أحداث وأشخاص وزمان ومكان، فقد جابوا مصر شرقا وغربا ، مجسدين مؤطرين العوالم المختلفة ، وهذا في حد ذاته تأريخا وتوثيقا، كما عنت القصة القصيرة بتجسيد المشاعر ،والأحاسيس، متخطية للزمن بكل أبعاده، فلم تكن الكاميرا التي تجسد الصورة تفصح عن معان كثير إلا عبر الكلمات والمشاعر ، وهنا تكمن قدرة الكاتب الذي يغوص بقلمه في الجمل والكلمات فينحتها نحتا، فيستطيع القارئ أن يتفاعل معه ويبحر فاردا شراعه، وربما تتولد لديه، مواقف يرى نفسه فيها، التي تمثل اللحظة وبما تتشابه معه في الحدث ، وهذا يختلف عن الرواية التي تعتبر شديدة الخصوصية لبطل ما، وربما يتماهي بعض منها لحكاية بعينها ، لكن القصة القصيرة تعلن موقفها بصراحة وبوضوح تجاه الموقف الذي تجسده ربما يكون حلما أو مشهدا حياتيا، يجسد اللحظة ويعيد للحياة عذوبتها بين دفات الكلمات، فإذا بالكاتب يوجه شراعه أنّا شاء، وتكون المفردات والصور هي الحالة التي يعيشها الكاتب ، في قصته 
بيد أن لا تكون المقارنة الكتاب بعضهم ببعض إلا من حيث براعة الأسلوب ، في حين أن الموضوعات تكون مختلفة، فلا يمكن مقارنة كاتب انجليزي صاحب قصة صناع الماس هربرت جورج ويلز. بنجيب محفوظ ، فكلاهما له عالمه، ولغته ومفردات، فتكون المقارنة مجازفة ، فالمواقف المصرية الحياتية تختلف كليا عن المواقف في أي بلد آخر من ثم نال نجيب محفوظ جائزة نوبل لأن رواياته موغلة في الحياة المصرية، ولم يكتب هذا فحسب بل كتب القصة القصيرة والقصة القصة القصيرة جدا على سبيل المثال ( أحلام ما بعد النقاهة) وفيها يحكي إرهاصات متخيلة مستخدما أسلوب الفلاش باك والشخصيات التي لعبت دورا في الحياة آنذاك مثل سعد زغلول ،وأم كلثوم ، كما استخدم الرمز الإسقاطات السياسية، الثورة وغيرها، 
من ثم فإن القصة القصية هي ومضة كاشفة، يلتقطها الكاتب في لحظة تجل، فلا يلتقطها الإنسان العادي وقد تمر من بين يديه مر الكرام، لكن الكاتب الصياد هو الذي ويوظفها حيث شاء وأين رست به مركبه على الشاطئ ، يعيد صياغتها بأسلوبه، يتأثر بها ثم يؤثر في القارئ الذي يرمي في بحر من الشعور والوجدان فيحرك ما بداخله، فيكتشف القارئ عوالمه،بقدر تأثير وقوة الكاتب.
فالهدف الأساسي من القصة وتأثيرها هو انتزاعها من الموقف لتضرب في لباب مواقف أخرى، فيعيد الكاتب صناعتها من جديد، وربما يكون الموقف طويلا، لكن الكاتب يقصره ويختزله بكل إمكانياته ، فتكون القصة قصيرة، مماسكا بمجداف ذهبي اللون يلوح به في أماكن فتضيء، وأخرى فتختفى في براعة ومهارة عظيمتين ، بما يسمى التشوق أو تيار الوعي، وما كانت هذه اللحظة إلا تدوينا للحياة بكل أبعادها.