الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اللعبة والذات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يكن في المقدور أن يتخيل الإنسان نفسه مجرد تكرار للآخر في ترس الحياة الصعبة، فإذا وقف مليا أمام المرآة وجد نفسه مماثلا لأشخاص آخرين فقد يخلق الله من الشبه أربعين على رأى المثل، فمسألة اكتشاف النفس ما زالت لها أغوار وأبعاد عميقة، وربما تتشابه إلا أن الشعور يتغير بتغير الأشخاص تلك هي القضية.
قد تطرق إليها كثير من العلماء والأدباء، فكانت رواية ثرثرة فوق النيل لنجيب محفوظ ، مسرحية بجماليون لتوفيق الحكيم والعديد من الأدباء الذين خالطوا بين الأدب والفلسفة معا بأسلوب أدبي راقٍ، وما زالت المسألة تؤرق الكُتاب على مر العصور، فقد وقعت بين يدي رواية (اللعبة) للأديب محمود حمدون التي كتبت بأسلوب متميز، حيث بدأت بسؤال من الشاب فؤاد قائلا: لقد كبرت وحكمة جدي تصحبني كيف أعرف نفسي دون أعرف من أنا؟ بيد أن اكتشاف الذات تدور في فلك الحقيقة والخيال فهل تكون الذات مجرد خواء يتجه بمثيرات حسب الريح كلعبة تتحرك أينما وجهها صاحبها؟!.
فلا شك أن الوعي بالذات الذي أَفرد في الراوية من خلال البطل الذي يحدث نفسه كثيرا ثم أضفى الحديث لصديقه (علي) لدرجة الشك الذي طال صديقه بأنه حقل تجارب في يد فؤاد، استخدم الكاتب الحوار الفلسفي الرشيق الذي جال بين ثنايا الصفحات بعذوبة ورقة، قد قسم روايته إلى قصص قصيرة مكثفة يستطيع بها القارئ أن يجول بحرية كاملة داخل النصوص مستخدما المنطق والقضايا التي يطرحها البطل، وقد قام المؤلف بدور الراوي العليم بتقنيات السرد فهو يعلم كل شيء عن فؤاد، وأحيانا الراوي المصاحب الذي تبنى أفكار فؤاد وأحيانا المعارض الذي عبّر عنه بالإنابة في البطل المصاحب هو (علي)؛ لكنه استثير في الحقيقة في غيبة الأم والأب، واستعاض الراوي عنهما بالمرآة التي تحدث البطل لدرجة أنه تخيل أمه تحدثه بعد غياب يسمع صوتها الغائب الحاضر تأمره بأشياء لا بد أن يفعلها، بعد أن ترك كل شيء حوله ووظيفته بعد أن تخصص في برمجيات الكمبيوتر وأصبح نابغة فيه، وبدأ يفكر أهو هو أم غيره حتى طالت لحيته وكل من حوله أصبح مسخا؛ فتناجيه والدته ألا كف عن هذا؟ فيدور حول نفسه كدائرة الأرض، قد تجانس مع ألعابها، فتصور نفسه لعبة تتحرك بفعل فاعل، وكل ما بها مخزن لوقت معلوم، دارت حوارات الراوية على هذا المنوال حتى توهم صوت أباه ينهره بعد أن أهمل عمله، فيجد صديقه (علي) أصبح مهندسا بارعا لأنه معتدل الفكر، واثق الخطى، فلا شك أن فلسفة الأمور تمثل عبئا ثقيلا على حاملها، ومن ثم كان فؤاد بطلا لأفكاره فقط، ناسيا متناسيا من حوله يعمل بشكل منفرد لا يحب العمل الجماعي، فهو يمثل حالة متشابهة في مرآة الشباب الذين أغلقوا على أنفسهم بابا، فجسّد محمود حمدون الشخصيات تجسيدا بارعا يؤطر للحالة واللحظة في لعبة وذات يتصارعان معا، فصبهما في رواية صبا مكثفا متميزا.