الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأدب في غرفة الإنعاش

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إن الأدب بكل معانيه يحتاج لمضخات وصدمات كي يستفيق من غفوته وكبوته وسباته العميق، فكلما رأينا مؤدبًا في أسلوبه وطريقته كأننا وجدنا كنزًا نادرًا. 
وكذلك إذا وجدنا أديبًا بارعًا في عالمنا احتفلنا به، لكن هيهات هيهات أن يستمر في ظل اللغط والكيد له حتى يكفَّ عن إبداعه، وبذلك تتحقق المعادلة، فلم نعرف ثقافة الاحتواء والمبادرة، في حين أن مصر لم تكن إلا صرحًا يستظل الأدباء المصريون وغير المصريين تحته، ومنه ينطلقون، أمثال بيرم التونسي وخليل مطران، ناهيك عن المدارس والرؤى التي تكونت وتمخَّض منها روادٌ ونقاد عرفوا كيف ينحتون الكلمة نحتًا ويشقّون عباب بحور الصور والكلمات أنَّى شاءوا وأنَّى أفردوا شِراعهم، ومن ثم تهافت الفنانون على أعمال نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس، ويوسف إدريس، وعبدالرحمن الشرقاوي، وغيرهم، فكان الصراع بينهم شريفًا عفيفًا، يقدرون بعضهم البعض، أما ما نراه من معافرة ومناطحة ومرافسة بين الأدباء قد خرجت عن حدود الأدب، وقد أفرغ كل أديب ما في جعبته الخفية مما لذّ وطاب من الألفاظ التي طُهيت على نار هادئة، فخرجت ناضجة يانعة ليصيب بها من يشاء.
ومن ثم انحرف الأدب عن مساره الحقيقي من الإمتاع والإبداع والرقي وتغيير ثقافة المجتمع، فقديمًا كانت تتسع لكل الأدباء وتجمعهم المقاهي العديدة التي تحولت إلى ندوات للإبداع مثل (زهرة البستان– بعرة- الفيشاوي– الحرية– الندوة الثقافية– أم كلثوم– المشير– فينكس– الزهراء)، خرج منها أعلام الأدب، سطرت على كراسيها ألوان الأدب وأشكاله، خرجت إلى العالم كافة، قبل أن تغزونا الكافيهات، والآن نبكي على اللبن المسكوب ونتفاخر بها مثلما نفخر بالأهرامات، حيث بيننا وبين مبدعيها مسافات حائرة وصمت رهيب، شاخصين أبصارنا إليها طوال الوقت.
فهل لنا من أمثال نجيب محفوظ من جديد، وعباس العقاد، في الرواية والشعر؟! لم يكن بين أيدينا إلا قصاصات ورق بحثية عن هذا الجيل قد قُتلت بحثًا، صحيح أن هناك أدباء في عالمنا يكتبون بثبات ورقي، لكننا لم نسمع عنهم إلا عند فراقهم مثل الدكتور أحمد خالد توفيق، فهل الموضوع يصب في بوتقة الإعلام، أم انصهر برُمّته في استعراض العضلات. 
إن الأديب والشاعر أكثر حسًّا من غيره في تناول الموضوعات فهو يهضمها هضمًا ثم يخرج عصاراتها شهدًا فيه شفاء للناس، فإذا انشغل بغير ذلك تآكلت موهبته ولم يستطع أن يمسك بتلابيبه مشاعره، ولم يقبض على مخزونه وصوره، فتكون هباءً منثورًا تذروه الرياح.
إن مصر طراحة للأدب الذي لا ينفصم عن بنائها وتكوينها يومًا. ألا من عودة للبرامج الثقافية من جديد في كل قناة فضائية؟! أم أن المساحات الإعلانية التي يتغنى بها أطفالنا صباحًا ومساء أَوْلى من كل ثمين؟!
ومن ثم نحتاج إلى صحوة تخرج أدباءنا وأدبنا من تلك المسماة بغرفة الإنعاش.