شهد الأسبوع الماضى إعلانيين بدأ تتابع التوقيت بينهما وكأن الثانى - وإن لم يحمل مفاجأة- يحمل ردًا قاطعًا على الأول. جماعة أو «عصابة» الإخوان أطلقت بيانًا للخروج مما اعتبرته «النفق المظلم».. تلاه كشف وكالة الاستخبارت الأمريكية عن وثائق سرية تعود لعام 1986 تفضح مخططات الجماعة، وأساليب توسيع قدراتها التمويلية، ضمت الوثائق سير ذاتية لقيادات الجماعة، على رأسهم يوسف القرضاوي، وأنشطتهم المشبوهة التى أكدت تورط عناصرها فى ارتكاب أعمال إرهابية، وتكوين منظمات مسلحة تتبنى العنف منبثقة عن جماعة الإخوان. الوثائق أيضا أشارت إلى القلق من تنامى نفوذ الجماعة وارتباطها المباشر بالإرهاب والعنف.
منذ ثورة 30 يونيو، أصدر الإخوان ما يزيد على 15 مبادرة للعودة إلى العمل السياسى فى مصر، بالإضافة إلى الأصوات «النشاز» التى صدعت رؤوسنا بنغمة «فضائل المصالحة».. بديهيا، هذه الخطوة تفترض إجابة منطقية ودقيقة على الإشكالية الأهم «المصالحة مع من؟» فى المقابل، حالات الانشقاق داخل الجماعة حول فرض عودة مرسى أصبحت قضية معلنة للجميع، وفق منهج «التقيَة» الذى يحكم الجماعة، «مرسى» هو مجرد ورقة متاجرة فى يد الإخوان تخدم محاولاتهم اليائسة لاستدرار تعاطف الرأى العام، بينما حقيقة الأمر، هذا الفاشل لايُمثل لهم أى قيمة. الانشقاق امتد أيضا ليشمل أكذوبة «السلمية»، فالثابت بكل الدلائل وباعترافات قادة الجماعة تورط فصائلها فى أعمال العنف داخل مصر.. أما قناع السلمية، هو مجرد «ديكور» تلجأ إليه الجماعة لمخاطبة الغرب.. هذا خلافا لما يعتنقه أحد طرفى الخلاف من وجوب إعلان تبنى موقف العنف والقصاص. إذن، أين تكمن جدية بيان وُلِد من رحم ظواهر انقسامية؟ أولا حول أولوية العودة إلى مصر وتسوية الخلاف مع الحكومة أو التمسك بهذيان عودة مرسي.. ثانيا، الموقف من شعار سلمية الجماعة حتى وإن كان مجرد أكذوبة.
كل «مفردات» التجميل التى ضمنها بيان الجماعة لم تنجح فى إخفاء التضليل والقبح عن وجهها، سواء تاريخيا، حاضرا، أو مستقبلا. الدعوة «إلى حوار وطنى مجتمعى شامل حتى يمكن استعادة اللحمة الوطنية والانطلاق نحو وطن واحد لشعب واحد» تفتقد كل مقومات المصداقية، منذ دعوة حسن البنا إلغاء فكرة الوطنية والتمسك فقط بعقيدة الانتماء إلى الدين، بغض النظر عن حدود الوطن، وحتى «هلاوس» مثل «طز فى مصر» و«الوطن هو عبارة عن حفنة تراب قذر».. كلها دلائل تؤكد تشبث الإخوان بمبدأ «نحن الوطن.. والوطن نحن».
ممارسات الجماعة منذ 2013 وفق نهج «إما الحكم أو الدم»، واختيارها سلاح إراقة الدم، أنهى كل فرصها فى العودة كطرف مقبول من الشارع والرأى العام.. تحديدا إذا ما وُضِع فى الاعتبار رد فعل آلاف الأسر ممن قدموا للشهادة أبناءهم سواء من الجيش أو الشرطة أو حتى المدنيين. مسئولية الجماعة عن هذه الدماء كشفته هذه المرة وثائق صادرة من أمريكا، الضريح الذى يتبرك قادة الجماعة بالزيارات المتكررة إلى مؤسساته. البديهى أيضا أن التشفى واستحلال دماء المصريين لم يخلق مشاعر ثأر ورصيد من الكراهية بين الشعب والإخوان فقط، لكنه أيضا أخرجهم من معادلة المواطنة.
الهزل الصادر عن «الإخوان» فى صورة بيان، ينتقل بكل تبجح للحديث عن تشكيل حكومة ائتلافية! وكى لا تصبح «آفة حارتنا النسيان»، لا الشعب ولا أى مؤسسة أمنية أو قضائية منذ انتخابات 2012 -بكل سلبياتها وانتهاكاتها- وقفت عقبة أمام «الإخوان» لو كان لديهم نوايا تشكيل حكومة ائتلافية تضم جميع من أطلق عليهم قوى وطنية، وفقا للمزاعم التى وضعها مرشد الجماعة على لسان المرشح «الدمية» الذى طرحوه فى انتخابات الرئاسة عام 2012.. لكن الشارع صُدِم بنتائج مخالفة تماما لسيل الأكاذيب التى تم الترويج لها من كتائب الإخوان، وظهر المشهد الحقيقى فى صورة تضم مجموعة وجوه مرتبطة بجماعة الإخوان -سواء من الأعضاء أو المتعاطفين- وهى أبعد ما تكون عن مقومات حكومة ديمقراطية أو ائتلافية.
البيان هو مجرد حلقة فى سلسلة تخبط الإخوان وعدم إفاقتهم من صدمة رفض الشارع لهم بعدما فقدت الجماعة حتى تعاطف شريحة من البسطاء، التى انطلت عليهم الخدعة التى روجتها حول كونهم جماعة سلمية ترفع شعار وقيم الإسلام، لتكتشف هذه الكتلة البسيطة الغير «مسيسة» أن مساحيق تجميل الإخوان تخفى وراءها وجه ميلشيا دموية لا تتوانى حتى عن قتل أفرادها. حالة «الهذيان» الإخوانى تبدو واضحة وهى تضع فى صياغتها بكل تبجح سافر شروط الطرف المنتصر لبدء الحوار! وهى طرف لم يعد يملك سوى استجداء أموال قطر وأراضى تركيا. الجماعة تلجأ إلى رفع عنوان المصالحة الخادع، الذى يحمل ظاهره التراجع والتصحيح.. بينما الهدف الحقيقى يكمن فى حلم العودة التدريجية التى تكفل لهم تنظيم الصفوف وترتيب الأوراق من أجل استعادة قواهم.