السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

يا رب المدارس تموت !!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ألف مبروك يا بدرية المدارس اتأجلت.. كان هذا رد فعل مواطنة بسيطة استقبلت نبأ تأجيل الدراسة بمراحل رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي لمدة 3 أسابيع.. وبطبيعة الحال لم تقف الفرحة والسعادة عند حدود بدرية وجارتها وانما تم تبادل التهاني بين جميع الأهل والأقارب وانهالت الدعوات بأن يتم تأجيلها مرة أخرى "قادر يا كريم" .. ولعلنا لا نبالغ إذا ما أكدنا أن سعادة المصريين بهذا النبأ العظيم ربما تفوق فرحة الموظف الغلبان يوم قبض الحد الأدنى من الأجور .
وإذا كانت هذه فرحة الأهالي .. فما بالكم بعودة الروح للتلامذة الذين لا يتورعون عن ترديد الدعاء الأزلي الذي يحفظونه عن ظهر قلب : "يارب المدارس تموت" .. وكأنهم سيساقون إلى زنازين المعتقلات أو عيادات الأسنان .
وفي واقع الحال فإننا إزاء هذه الحالة من "كراهية العلم والتعليم والكل كليلة" يجب أن تكون لنا وقفة .. فهذه الظاهرة ربما تحتاج من الباحثين جهداً كبيراً للتعرف على الأسباب والأبعاد والنتائج .. فهل أصبحنا شعب لا يحب العلم إلى هذه الدرجة التي يتمنى فيها التلاميذ وأولياء الأمور لو ألغيت الدراسة وليس فقط أجلت.. فحري بنا أن "نشق الجيوب ونلطم الخدود" إزاء هذه "الوكسة" التي وصلنا إليها حين ننظر إلى العملية التعليمية على أنها عقوبة وأن تأجيل الدراسة مكافأة .
حيث تحولت الدراسة في مصر إلى كابوس مزعج يرتبط بحمل الهموم والمناهج التي تعتمد على الحفظ لا الفهم والدروس الخصوصية التي تلتهم دخل أي أسرة .. هذا طبعا بخلاف المشكلات الروتينية من مذاكرة الأبناء و"خناقات المدارس" واكتظاظ الفصول .. وقبل كل هذا نار مصروفات المدارس الخاصة .. باختصار تعتبر أغلب الأسر أيام الدراسة بعقوبة السجن .. فما أن يبدأ أول يوم دراسي إلا ويدعو كل أب وأم : "اللهم بلعنا إجازة آخر السنة" .
ويرتبط تفسير هذه الإشكالية بالأوضاع القاسية التي تعيشها ملايين الأسر تحت وطأة الفقر والجهل، فهذا يجعل مسألة تعليم أبنائهم أمر شاق للغاية لما يتكبدونه من نفقات على الدروس الخصوصية و"مصروف" الأبناء ذهاباً وإياباً وإفطاراً وإن أمكن "حاجة ساقعة" أو حتى "3 سجاير فرط" كما يحدث في أغلب الأحياء الشعبية .
فالكارثة أننا أصبحنا مجتمع يكره العلم في كثير من أوجه حياته، وهذا ليس كراهية للعلم في حد ذاته بل في المؤسسات التي تديره والمدرسون الذين يجهلونه لدرجة دفعت الكثيرين لترديد مقولة "يقطع العلم على اللي بيعلموه واللي بيتعلموه والكل كليلة" .
فنحن نتلقى الطلاب لا يعرفون شيئاً ويدخلون شتى أنواع المدارس وأنواع التعليم ويخرجون منها لا يعرفون شيئاً أيضاً، كل الذى على صلة بالعملية التعليمية في كل مراحلها وصنوفها يعرف هذه الحقيقة المرة، وإن أنكرها أبناء مصر الأخرى، مصر المترفة المدللة التي تستأثر بالثروة ومباهج الفساد .
وقد ناقش المفكر الكبير الراحل الأستاذ السيد ياسين هذه الظاهرة منذ سنوات على صفحات الأهرام في مقال له بعنوان : "هل الثقافة العربية معادية للعلم المعاصر؟" وقد حاول من خلاله رصد التحديات التي تقف حجر عثرة في وجه مسيرة التقدم العربي، وذهب كما ذهب عدد من مفكري الغرب إلى أن التخلف حالة عقلية .
وأشار "ياسين" في كتاباته إلى أزمة المجتمع العربي المعاصر مع العلم والتعليم مؤكداً أن التخلف العلمي يرجع في الحقيقة إلى سببين رئيسيين ، الأول عدم إيمان المجتمع برمته بأن العلم ركيزة التقدم الأولى ، وثانيا تقاعس أو فشل كبار العلماء عن محاولة إقناع الحكام بأهمية العلم في دفع قوى الأمة نحو مستقبل أفضل .
وجنح بعض الباحثين مثل د. سمير أبو زيد إلى تفنيد الأسباب التي أدت إلى كراهة العرب لكل ما هو علمي ، وإلصاق تهمتها في الدين بدعوى أنه يقيد حركة التفكير العلمي ويكبح التوجه نحو اكتشاف المجهول وأن فقهاء ومفكري الدين رسخوا الاعتقاد بأن الدين هو كل شيء في حياة البشر وهو الدنيا والآخرة، وهى رؤى مخالفة للواقع حيث يبالغ كاتبها في تقدير هيمنتها ويعول عليها كثيرا ، وقد لاحظ ذلك الأستاذ السيد ياسين وتحفظ عليه متسائلا عن السر في النهضة العلمية الإسلامية الكبرى في القرون الوسطى إذا كان الدين له تأثير سلبي يحول دون الإقبال على العلم .
في الواقع فإن المصاب جلل وأن الرسالة التي وصلتنا من فرحة الناس بتأجيل الدراسة إلى هذه الدرجة تحتاج وقفة حاسمة من كل مسئول في هذا البلد الأمين .. فلا يمكن السكوت عليه بأية حال إلا إذا كنا نصر على أن نبقى دولة "نايمة" .