الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تصلب شرايين الرأي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إن تصلب الرأي حول فكرة ما، ودونها العبث هو عين التوحد الفكري المنوط به أنا فقط لا الآخر، فكثير من مثقفينا ومن يملكون رؤية لن يسمحوا بفكرة الرأي الآخر، رغم قاعدة الاختلاف للرأي لا يفسد للود قضية بينة واضحة جلية، لكنهم إذا تحدثوا فيما بينهم واطلعوا على سطرين كونوا رأيا مضادا دون النظر في فحوى الكلام، من هنا يتكون سوء التفاهم، وتضيع من بين أيديهم الرؤية والموضوعية ويضيع الموضوع الرئيسي بأدراج الرياح، ومن ثم يكون النقاش مثل تقشير البصل لا ينتج إلا الدموع والتأثر، واتخاذ المواقف المضادة والخصام.
إن الاختلاف رحمة بيننا، ولولاه ما ظهرت النظريات العلمية وسنة التطور في جميع المجالات، بيد أن العقل لا يكون على خط سليم إلا إذا تطور واخترع وناقش وحاول وفشل ونجح، فيكون مبدعا، لأن الإبداع هو كسر المألوف وليس كسر الشخص نفسه، ويقصد بذلك الفكر المتطور، ولا سيما من عقبات تقابل المبدعين مثل الشللية والمحسوبية، والبلطجية الفكرية، فإذا كان المبدع متسلحا شق عباب البحر ونفذ، وإذا وجد حائطا صدا تراجع، وكثيرا من هؤلاء ما تراجع وسقط في هاوية الآراء الجافة العقيمة الغوغائية المتصلبة.
كم نحن محتاجون إلى سعة من الصدر الرحب الذي يملك فكرا واعيا مستنيرا، فقط نريد السماع بحب حتى لا ينضب الفكر، ويذبل ذبول الورد اليانع، فالدول تقام بالعقول المستنيرة لا العقول التي عشش عليها العنكبوت ونسج خيوطه، فلا يبرح مكانه ظنا منه أنه على حق والباقي على خطأ، فالعلم والثقافة والخيال لا يعرف أحدهم الوقوف في مكان ثابت، فكل الرؤى الفلسفية والعلمية والثقافية كانت كسرا للقواعد الثابتة، وإلا لما مضى سقراط، وإديسون، زويل، ونجيب محفوظ في غمار ما اقتنعوا به، فهم الذين صنعوا عالمهم بأيديهم وبأنفسهم، فكان خيرا ما صنعوا وما زرعوا.
إن حماية أولادنا ونبتنا الصغير تبدأ أولا بالسماع لهم دون مقاطعة، فقد قال سيدنا علي بن أبي طالب (لا تربوا أولادكم كما تربيتم لأنهم سيأتون في زمان غير زمانكم) ومن ثم نربي أولادنا على السماع دون مناقشة، فعالمهم ليس كما كان عالمنا، فالمعلومة التي كنا نحصل عليها بشق الأنفس من البحث في الكتب والمراجع في ساعات، هم يحصلون عليها في ثوانٍ معدودة، فعنصر الزمن هو الفارق بيننا وبينهم لذلك لا يمكن ممارسة فرضية التربية فقط ولكن السماع لهم ولأفكارهم، حتى لا يجنحوا إلى أفكار يصعب علينا دحضها.
إن مناقشة الفكر لا تأتي إلا بالفكر في جو من السعة والرحب والتقبل، حتى لا يصير اعتقادا يصعب مناقشته، وكم من شباب ضاعوا ضحية الفكر وعدم المناقشة وأخذ آرائهم.. كم من مثقف طلّق الإبداع بسبب مناقشة فكر بفكر جاءت الولادة قيصرية عسرة، راح ضحيتها فكرة وليدة.