الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حواء المصرية أيقونة العالم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المرأة المصرية عنقود متضافر بأرض ونيل هذا الوطن، متلاحم بترابه، ممزوجة بأصالة ونقاء وصفاء مقدسين على مر التاريخ، فقد ضربت مثلًا في الصمود والتحدي فكانت جدار البيت والدفء، والراحة والسكينة، تبني وتعطي لا تنتظر مقابلًا، وتظل هكذا حتى آخِر رمقٍ في عمرها، فالسيدة هاجر المصرية، زوجة نبي الله إبراهيم عليه السلام هي التي تحملت غربة سيدنا إبراهيم عليه السلام وساندته ، وبنت دعائم ابنها إسماعيل، ففي سعينا في البيت الحرام بين الصفا والمروة ما كان إلا طقسها في البحث عن ماء لوليدها، ومن هنا ضربت على المرأة المصرية الشقاء بسعادة من أجل أولادها، فالتضحية لازمة ومتلازمة فيها ومتوارثة وقد حلت في جينات المرأة المصرية وما زالت تؤديها بشرف من أجل البيت الصغير، والبيت الكبير وهو الوطن، فالأرض في عُرفها هي العِرض، والتربية تسير في شرايينها مجرى الدم فقد آوت السيدة (آسيا بنت مزاحم) سيدنا موسى وهي التي سمّته هذا الاسم وربّته وآمنت برسالته وطلبت من الله أن ترى بيتها في الجنة وأن ينجيها من عذاب زوجها لها،  فقال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
وشَرفت مصر بمرور السيدة مريم وولدها عيسى عليه السلام بأرض مصر، في رحلة قدسية لتحلّ البركة عليها وعلى نساء مصر، ففي مصر كانت ولادة اليهودية ومباركة المسيحية واتخاذ رسول الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام زوجة منها ليختتم الدين الحنيف بها الذي بدأ بهاجر وانتهى إلى مارية القبطية التي كانت لها منزلة عند النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأدبها ووقارها وعِفتها التي تربت عليها في مصر، لذا خطب أختها سرين لشاعره المفضل حسان بن ثابت وأنجبت له ابنه عبدالرحمن ، وفي صحيح الإمام مسلم بن الحجاج قال: "قال رسول الله: "إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحمًا"، أو ذمة وصهرًا. وفي رواية: "استوصوا بأهل مصر خيرًا، فإن لهم نسبًا وصهرًا. والنسب من جهة هاجر أم إسماعيل عليه السلام، والصهر من جهة مارية القبطية رضي الله عنها.
إن حواء المصرية ضربت بجذورها منذ فجر التاريخ لتؤطر مبدأ العطاء كنهر النيل الذي يجري فيروي كل أرض ظامئة، فكانت في عصر الفراعنة هي الأم والقائدة حتى وصلت لدرجة التقديس، فكانت إله الحكمة، وكانت إيزيس رمزًا للوفاء والإخلاص، وجعل المصريون القدماء منها إلهًا للعدل وهي ماعت، وللحب حتحور، وللقوة سخمت. كما حصلت المرأة المصرية على وظيفة دينية في المعابد مثل كبيرة الكاهنات وحتى الملكة حتشبسوت حصلت على لقب يد الإله، و"وكانت إياحة"- وهي ما نغني لها حتى الآن في رمضان (رمضان جانا- إياحه)- هي أم أحمس الذي طرد الهكسوس وأعدّته عسكريًّا؛ دفعًا عن الوطن، فقد حصلت على عدد من الأوسمة والنياشين العسكرية تم العثور عليها في تابوتها، من بينها مثلا وسام «الذبابة الذهبية»، الذي يمنح لتقديم خدمات عسكرية استثنائية، وهى التي تزوجت الملك «سقنن رع»، ووقفت إلى جواره في حربه ضد الهكسوس، التي انتهت بموته، فلعبت نفس الدور مع ابنها الكبير «كامس» فى حربه ضدهم، حتى مات هو الآخر، فكانت بعده هى الوصية على الملك «أحمس»، الذي لم يتعدَّ عمره وقتها عشر سنوات، حيث قامت بتصريف شئون الدولة، وإدارة الحكم سياسيا وعسكريا حتى تولّى أحمس مقاليد الحكم، وكانت تُسمعه عبارتها الشهيرة (أحمس، لا تعود إلا بالنصر). هذه الأم المصرية أم الشهيد التي ينصهر ذاتها في حب الوطن فقد شكلت العالم وجدانيا وإنسانيا، فحواء المصرية هي أيقونة العالم. وهي أم الدنيا.