تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
أبرز الصور التى عكست البعد العميق لحركة الاحتجاجات الشعبية التى اندلعت فى كل مدن إيران.. مشهد المتظاهرة الإيرانية وهى تخلع أمام الكاميرات الحجاب الذى فرضه على الإيرانيات- بعيدا عن مبدأ القناعة الشخصية- ما يُعرف بالنظام الإسلامى فى إيران. اللقطات التى تسربت من الحصار الذى فرضه حُكم الملالى لمنع نقل الاحتجاجات إلى العالم، أظهرت أن هذه الثورة تتصدرها المرأة الإيرانية ضد سلسلة من مظاهر القمع التى مارسها النظام على الشعب بأسره، انتهاء بتفاصيل نمط فرضه على زى المرأة. الرمز الواضح فى الصورة يكشف التمرد الشعبى على كل أشكال الفاشية التى تمارسها الجماعات والمرجعيات بعدما سقطت أقنعة الزيف والدجل التى ترتديها – للأسف- باسم الدين الإسلامى، أيا كانت الطائفة التى تدعى قيادتها. احتجاجات إيران هى حلقة أساسية فى انتهاء أطماع «سارقى الأوطان» فى كراسى الحُكم وكشف حقيقة ادعاءاتهم، بداية من التدهور الاقتصادى الذى عصف بتونس مع وصول «حركة النهضة» الإسلامية بقيادة راشد الغنوشى إلى السلطة عام ٢٠١١، ثم الرفض الشعبى الحاشد فى مصر عام ٢٠١٣ الذى أطاح بجماعة أسست على مبادئ العنف المسلح.. أخيرا – مع وجود اختلاف فى طبيعة التفاصيل- الاحتجاجات ضد ما سمى «الثورة الإسلامية» التى اتخذت آية الله خمينى زعيما روحيا لها، وحكمت إيران بدعم أمريكى منذ عام ١٩٧٩.
القراءة الدقيقة للمشهد الإيرانى تعتمد على مسار موجة الاحتجاجات وهو ما زال غير محدد المعالم. التاريخ أثبت أن القمع الوحشى قد يُلقى الرماد على الغضب الشعبى، لكنه لم ينجح فى إخماد ما يظل تحته من نيران مشتعلة بهذا الغضب الذى أصبح قنبلة موقوتة قابلة للانفجار أى لحظة حتى فى حال نجاح قوات الحرس الثورى الإيرانى فى قمع موجات الغضب التى انطلقت ضد الفساد الاقتصادى، بعدما حُرِم الشعب من خيرات بلده، من المؤكد أن شريحة الملالى المحدودة والمستفيدة بثروات إيران لا تضع فى حساباتها القيام بأى إجراءات إصلاحية، ما يعنى استمرار حالة عدم استقرار الأوضاع فى إيران. أما فى حال سقوط حكم الملالى ستشهد المنطقة إيران مختلف تماما سياسا، اقتصاديا، واجتماعيا. على الصعيد الإقليمى، لم تتأخر إشارات القلق الصادرة عن تركيا عبر تصريحاتها الرسمية والمعارضة لتغيير السلطة فى إيران عن طريق التدخل الخارجى أو العنف لأن أى زعزعة فى استقرار الأوضاع الإيرانية سيلقى بظلاله السلبية على المنطقة. نجاح الاحتجاجات فى تحقيق مطالبها بإسقاط حكم الملالى القائم على مزاعم الحكم باسم الدين والشريعة- تحديدا إحدى طوائفها- وانطلاق هذا المد الشعبى المطالب بالعودة إلى الحكم المدنى، بالتأكيد من شأنه إضعاف التحالف الذى نشطت تركيا إقامته مؤخرا مع دول مثل قطر والسودان، وهى ورقة يحاول أردوغان بها استدرار الشعبية بين مواطنيه عبر وهم إحياء خلافة أجداده عن طريق التمدد فى بسط نفوذه وإقامة قواعد عسكرية فى الصومال وأخيرا على جزيرة «سواكن» فى البحر الأحمر. مساعى أردوغان فى دول مصر، تونس، سوريا، واحتضانه مختلف التنظيمات الإرهابية، جميعها باءت بالفشل بعد كشف الشعوب فساد السلعة التى تتاجر بها هذه الجماعات والمرجعيات. نشط أردوغان فى بناء تحالف مع قطر التى رحبت لمجرد الإضرار بمصر خصوصا مع عدم وجود أى مكاسب سياسية تعود عليها، ثم هرولت السودان- بكل الضعف الذى تعانيه على الصعيدين السياسى والاقتصادي- نحو الفخ التركى طمعا فى التمويل القطرى. فى غياب المنطق السياسى عن قياداتها، أدارت السودان ظهرها للتاريخ الذى شهد أسوأ مراحل السرقة والبطش والقهر عاشتها المنطقة العربية أثناء الاحتلال العثمانى، وموروث النظرة الدونية التى يحملونها للعِرق العربى.
ردود الأفعال الأمريكية لم تتضمن جديدا بعيدا عن سياق التصريحات النظرية الفارغة من أى مضمون أو موقف محدد.. الرئاسة ووزارة الخارجية بادرتا إلى تأييد حق الشعب الإيرانى فى الاحتجاج.. ثم موخرا أكدت الخارجية أنها لا ترحب بقيام ثورة فى إيران، إنما مجرد حدوث تغيير! ما يشير إلى رفضها الإطاحة بنظام الملالى والاكتفاء بتغيير سلوكه! هذه التعبيرات «المطاطة» تفرض تساؤلات تغوض بعمق فى طبيعة العلاقات الأمريكية- الإيرانية. أمريكا أطاحت بحكم أقوى حلفائها- شاه إيران- ثم دعمت وصول حكم إسلامى وهى تستدعى من التاريخ نمط خطير من الصراع الدينى الطائفى قد تستمر نيرانه مشتعلة لعقود، وهو ما رأته الوضع الأنسب لمصالحها فى المنطقة العربية. من هنا يبدو ترحيب أكبر تنظيم معارض إيرانى «مجاهدى خلق» بالتصريحات الأمريكية مبكرا، خصوصا أن صحيفة سوابق تدخلات أمريكا فى تغيير الأنظمة وفقا لرؤيتها القاصرة جلبت الفشل والخراب على هذه الدول. اللقطات المضيئة لحشود الشعب الإيرانى وهى تمزق صور روحانى وقاسم سليمانى - قائد الحرس الثورى- مطالبة بسقوطهما.. وتحمل الشعب بشجاعة القمع الوحشى الذى يواجه سلميته، إنجازات يجب أن تظل ملكا لهذا الشعب فقط حرصا على عدم تدمير الدولة الإيرانية، لكن العمل فقط على إسقاط نظام الملالى أملا فى عودة إيران مدنى يليق بالحضارة الفارسية العريقة.