الكثير من المحللين السياسيين تناولوا خلال اليومين الماضيين فى كافة وسائل الإعلام المختلفة سواء المصرية أو العربية مذبحة بئر العبد، وقد أثار عدد منهم أنها قد جاءت ردا على كثير من الملفات الهامة التى دخلت فيها الدولة المصرية بقوة فى الفترة الأخيرة وحققت فيها إنجازات كبيرة لم يرغب البعض فى تحقيقها، وكان آخرها وأهمها الوساطة المصرية لعودة الأمور فى لبنان إلى وضعها وأن يجلس اللبنانيون مع بعضهم البعض لحل مشكلاتهم بأنفسهم دون وصاية خارجية أو تدخلات فى الشأن الداخلي للبنان.
قال المحللون أيضا، إن القاهرة تدخلت فى ملف المصالحة الداخلية فى العراق وفى ليبيا والتوصل لهدنة داخل الأراضي السورية وجنوب السودان وفلسطين، جمعها محاولات صلح حاولت القاهرة التدخل لإتمامها حفاظا على الهدوء فى المنطقة ولو بشكل مؤقت ومرحلي لتهدئة الأجواء وتقليص حجم الصراع المسلح فى المنطقة، قدمت جمهورية مصر العربية كل المساعدة للأطراف المختلفة فى هذه الدول فقط لكي يقبلوا بالجلوس مع بعضهم البعض، والنقاش فى هدوء على أرضية المصالح الوطنية المشتركة بينهم.
إن ما فعلته الدولة المصرية فى مناطق الصراع هو نزع فتيل الأزمة ولو مؤقت، ويبدو أنه دور أثار حفيظة الكثيرين ممن تتحقق مصالحهم من استمرار الصراع فى المنطقة، وبالتى في تنفيذ عمليات إرهابية تستهدف الدولة المصرية بنفس المنطق العقابي على سياساتها الخارجية، سيظل يتكرر كثيرا.
ولكن ما أراه لا يزال ينقصنا فى التغطية العالمية لهذه المذبحة حتى الآن، هو دور المحللين الأمنيين والمتخصصين فى الدور الأمني والاجتماعى للقبائل فى المناطق الحدودية، والمتخصصين فى دراسة الجماعات الإرهابية المتطرفة، ليخبرونا عن كثير من الملاحظات التى تعتبر الأولى من نوعها هذه المرة، وأهمها الهجوم المباشر على المواطنين.
ماذا يعنى هذا التحول التكتيكي فى أداء الجماعات الإرهابية والمتطرفين المنخرطين بها، ماذا يعني أن يتم استهداف المدنيين من خلال إطلاق النار عليهم بشكل عشوائي وليس استهدافها محددا، كما كان يحدث قبل ذلك سواء استهداف شخص بعينه أو مجموعة من رجال القوات المسلحة والشرطة.
كما أننا يجب أن نتوقف امام تناول وسائل الاعلام الغربية للحدث والإصرار على تأكيد انه صراع ديني إسلامي إسلامي او في راي اخر انها حركات تمرد مسلحة لتفجيرات هدفها إثارة الرعب والفزع بين المواطنين لتأكيد فقد سيطرة الدولة على مجريات الامور في سيناء.
هناك العديد من الأسئلة التي يجب ام نتوقف أمامها وان تعكف مراكز الدراسات الإستراتيجية بتحليلها ومنها، هل يجوز أن نقول ان هذه العملية كانت عقابا لأهالى سيناء على تعاونهم مع القوات المسلحة والشرطة فى محاربة الارهابيين، وتضييق الخناق عليهم، فلم يعد لهم فرصة لاستقطاب وتجنيد بعص من أبناء القبائل لتنفيذ العمليات.
هل تتعمد إثارة التهديدات قبل الجريمة بأيام فى وسائل الإعلام الإخوانية وبين أهالى سيناء بأنهم يستهدفون المتصوفين وأنه ليس الاستهداف الأول لهم، ورائه محاولات لتفتيت أهالى سيناء وتصنيفهم بين سني صوفي وسلفي، أم أن هناك أهداف أكثر خبثا وراء ترويج هذه الأفكار قبل ارتكابهم الجريمة.
كل هذه الملاحظات يجب أن يساعدنا الخبراء والمحللين المتخصصين فى الإجابة عليها، وأن يكون ذلك مطروحا للنقاش أمام الرأي العام بكل شفافية، ليتعرف المصريين على مدى خطورة التنسيق والدعم الذي يحصل عليه هؤلاء الإرهابيين ومدى ارتباطها بجماعة الإخوان الإرهابية.
كما أنه من ناحية أخرى فإننا يجب أن نتعامل مع هذا المنعطف الجديد في العمليات الإرهابية من خلال الوصول إلى جذور أهدافه الخفية وليس التي يتم تصديرها إلينا من قبل مواقع التواصل الاجتماعي لإدخالنا في دائرة مفرغة من التراشق بين النخب والتي تنعكس سلبيا على المواطن العادي.