أظن – وليس كل الظن إثم – كفاية كده!!، فلم يعد في قوس الصبر منزع، ولم يعد مقبولا السكوت أو الانصياع وراء كلمات حرية الرأي وحق التعبير والتظاهر السلمي الذي ينقلب فجأة إلى عنف وقتل وحرق، ولم يعد مشروعا أن تتوقف مصالح العباد على رضاء أو استرضاء فئة من الشباب الضال والمضلَّل حتى يسمح ليوم واحد من أيام الأسبوع أن يمرّ هادئا دون سقوط مصابين وقتلى، ودون غازات مسيلة للدموع، ودون استنزاف لجهد وطاقة رجال الأمن الذين نطالبهم بضبط الأمن العام وحماية الشعب من السرقة والخطف والابتزاز، وضبط الشوارع والميادين من الفوضى العارمة التي نعيشها منذ ثلاث سنوات، ولم يعد لائقا - أخلاقيا وإنسانيا - أن تتحول الفتيات الصغيرات إلى مشاريع إرهابيات يغلقن الكليات ويمنعن دخول الطلبة والطالبات وهيئات التدريس والموظفين إلى أعمالهم وتأدية رسالتهم في الحياة، ولم يعد مستساغا تربويا أن تقوم الفتيات بهتك أعراض المدرسات ومحاصرتهن في بيوتهن والاعتداء عليهن بالضرب والشتم والسبّ وكتابة ألفاظ بذيئة وغير لائقة على جدران الكليات وبيوت الأساتذة!!.
فعلا.. كفاية كده، لأن ما حدث لسائق التاكسي بمدينة المنصورة مؤشر خطر داهم سوف يدفع بردود أفعال غاية في الخطورة، وأظن أن الجماعة لن تحتمل مواجهتها، فمنذ تاريخها الأسود كانت الجماعة دائما تدخل في مواجهات مع الحكومات وتمارس القتل والاغتيال وتحرق وتدمّر وتتآمر في سياق واحد متّصل، هو كسر إرادة السلطة والحكومات لتحقيق مكاسب ذاتية تخدم أهدافها، وبعد الحصول عليها ترتمي كالحمل الوديع في أحضان السلطة حتى تشعر بالدفء، فتتحول إلى وحش كاسر أو ثعبان قاتل، وتعيد الكرّة مرات ومرات ويظل الصراع قائما بين الجماعة والحكومات حتى حدث هذا التغيير النوعي في سلوك الجماعة، فدفعها إلى مواجهة الشعب بعد الفشل في أول تجربة لها في حكم مصر بعد صراع زاد على ثمانين عاماً كانت تسعى خلالها إلى الحكم والسلطة وهي تكذب على الشعب، وتقول إنها جماعة دعوية تبني الفرد المسلم والأسرة المسلمة والأمة المسلمة!!.
هذه المواجهة الشرسة مع الشعب أفقدت الجماعة العقل والقدرة على التمييز والفرز بين ماهو ممكن وما هو كائن، فصارت تتصرّف بوحشية وسادية رأيناهما وهي تعذب المتظاهرين العزل على بوابات قصر الاتحادية بلا رحمة، ورأيناهما وهي تتحول إلى عصابات في الشوارع تحرق وتطلق النار على الناس بشكل عشوائي بعد فضّ بؤرتي الإجرام في رابعة العدوية ونهضة مصر، ورأيناهما وهي تنشر الفوضى في كل مكان حتى الآن، وكأن الشعب عدو لدود لها! .
ذبح سائق المنصورة في وسط الشارع وإحراق سيارته - علنا وعلى رؤوس الأشهاد - هو تطور نوعي في أساليب المواجهة، يجب التقاطه بسرعة والتعامل معه بمنتهى القوة والحسم، لأنه سيتكرر كثيرا وبأشكال مختلفة تأسيسا على قاعدة "من أمن العقاب أساء الأدب"، وهم حتى الآن يأمنون العقاب السريع الرادع والحاسم، ويرون ردود الفعل الرسمية أو الحكومية ضعيفة ومتردّدة وتتّسم بالانقسام، فبينما يرى أعضاء في الحكومة ضرورة الضرب بقوة ووضع حدٍّ لهذا العبث الذي يجري في البلاد، يرى البعض الآخر رأيا آخر يتّسم بالضعف والتخاذل، وكأنهم بلا حول ولا قوة.
بوضوح - ودون لف ودوران - لقد نفد الصبر، وصار جليّاً أن هذه الجماعة تسعى بكل قوة وبالتحالف مع أنظمة عربية وإقليمية ودولية ومع عملاء لها بالداخل من المصريين لإفساد عملية الاستفتاء على الدستور الجديد، وتعطيل عملية التحول الديمقراطي للبلاد، ومن ثم إفشال الدولة تمهيدا لإسقاطها، وبناء على ذلك ليس أمام رئيس الوزراء بحكم مسؤوليته القانونية عن أعمال الحكومة وتسيير شؤون البلاد وحماية أمنها القومي في الداخل والخارج، وتأسيسا على كل سوابقها منذ نشأتها في العنف والقتل حتى الآن، إلا أن يعلن الآن - وليس بعد قليل - أن جماعة الإخوان وما يتصل بها، هي جماعة إرهابية ينطبق عليها ما ينطبق على كل الجماعات والتنظيمات الإرهابية في العالم.
التأخير والتباطؤ في هذا القرار يلقي بظلال من الشك والريبة على بعض المسؤولين إذا أخذنا في الاعتبار حجم المؤامرة الدولية على الوطن، وحجم الضغوط التي يمارسها البعض من المصريين في الداخل والخارج لتوسيع عملية الاستقطاب بين الشعب المصري، حتى يقع في دائرة صراع لن ينتهي إلا بتقسيم الوطن لا قدر الله، الجماعة تلعب الدقائق الأخيرة من عمر الماتش الذي استمر أكثر من ثمانين عاماً، ومن ثمّ هي لا تتورّع عن ارتكاب كل حماقات الدنيا، ولم يعد بين يديها ما تبكي عليه، وعلينا أن ننتظر منها المزيد من العنف والترويع والقتل والفوضى، حتى نفشل في إتمام الاستحقاق الأول في خارطة الطريق والمستقبل، وننصرف إلى أشياء أخرى.