بالأمس القريب، شاهد معظم متابعي مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، حفلات استقبال العام الدراسي الجديد، ببعض الجامعات الحكومية، وتعجبنا من مدى ارتباط تلك الحفلات، والمهرجانات، والموسيقى الصاخبة، التي لم تعرف طريقها إلى الجامعات إلا في السنوات القليلة، وفي أعقاب عام 2011 تحديدًا.
ولعلنا نتساءل عن الكيفية
التي أدت بالجامعات المصرية إلى أن تصل لهذا الحال، ولماذا لم يستهل الطلاب عامهم
بأشكال حضرية، تنبأ عن وجود جيل جديد، يسعى وبجد لأن يكون أحد القوى المؤثرة، التي
يستند عليها الوطن في حربه؛ لتحقيق مستقبل أفضل.
ومع ذلك، حين اتخذ وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الدكتور خالد عبدالغفار، قرارًا
بأن يستهل الطلاب عامهم الدراسي، بتأدية تحية العلم، قامت الدنيا ولم تقعد، واستكبر البعض على الوقفة الرمزية
التي شارك فيها الأساتذة والطلاب جنبًا إلى جنب لتحية العلم.
والحقيقة.. لا أدرى ما الخطأ الذي استدعى كل هذا الكم من السخرية،
بوسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وحدى بالوزير إلى إطلاق سيل من التبريرات
لقراره، وتوضيح رمزية القرار وهدفه رغم أنه لا مجال لسوء الفهم أو اللبس في قرار
بسيط كهذا.
ولعل حالة الجدل هذه، قد استدعت في ذهني على الجانب الآخر، كم
التبجيل والتوقير، التي تلتزم بها الشعوب الأخرى، حين تسمع السلام الوطني، ويرفع
علم بلادهم، حالة من السكون التي يقشعر لها بدنك، وتستطيع فيها تمييز أدق الأصوات،
ورؤوس الجميع مرفوعة، ومحدقة صوب العلم، الذي يرتفع في جلال، بدءًا من افتتاح
جلسات البرلمانات، وحتى مباريات الألعاب الرياضية، مشهد بسيط يمر في هدوء وسلام
ودون أي جدل، وأتساءل متى نتمتع بنفس هذا المشهد العظيم دون مزايدة، وسخرية، ودون
تحقير أو تهويل، متى يتحول حب الوطن إلى أمر مسلم به في نفوسنا جميعا؟، ومتى يخمد
دعاة الفتنة تارة بالتحريم ورفض تحية العلم والقسم على الدستور، وتارة بالسخرية من
أداء تحية العلم وعزف النشيد الوطني؟.
المؤكد بالنسبة لي أن هذا الوطن لا يستحق ما يقوم به عدد من أبنائه
ضده.
ولكى لا أتهم بالمبالغة، أود أن أذكر هنا، أن إهانة العلم والرموز
الوطنية جريمة في عدد كبير من الدول، وأن مجرد الإتيان بفعل مشين أو السخرية منه يستدعى
توقيع العقاب.
الحقيقة.. إننا نحتاج إلى وقفة أمام أنفسنا، لندرك عمق الزلزال الذي
ضرب فكرة الوطنية المصرية، إلى الحد الذي تحولت معه مسلمات من المفترض أنها راسخة
منذ تأسيس الدولة المصرية.
إن تحية العلم واجب علينا ولا تحتاج إلى التفكير والشك قبل أن نقوم
بها، إننا بحاجة ماسة إلى أن نفهم أن هذه المهاترات سببها أفكار بغيضة، غرستها بعض
التيارات في ذهن شبابنا، تارة بالتحقير، وتارة بالسخرية، وصولًا لزعزعة حب الوطن في
نفوسهم، وأن الاختلاف والتباين في المواقف لا بدّ أن يكون من منطلق أرضية حب
وتبجيل الوطن واحترام رموزه دون نقاش.
المؤكد بالنسبة لي أن تعميم هذه التجربة، يعد بمثابة الأمر الإيجابي،
الذي من شأنه أن يساهم في غرس قيم المواطنة والانتماء في طلابنا الأعزاء، ليذكرهم
بأن تحية العلم ستظل دوما في القلوب، وأمر واجب مهما علا شأن المرء.