نشرت الخارجية الأمريكية التقرير السنوي الخاص بجهود دول العالم في مكافحة الإرهاب خلال العام 2016، التقرير حمل معطيات مفصلة عن كل مجهودات كل دولة والإجراءات التي اتخذتها لمكافحة الإرهاب خاصة في مناطق التوتر، أشاد التقرير بجهود جمهورية مصر العربية فى هذا الإطار، وأكد نصا على "رغبة الحكومة المصرية المتزايدة لتحسين الأطر القانونية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب"، مشيرا إلى أن السلطات المصرية أعدت نظاما لتجريم تمويل الإرهابيين وفقا للمعايير الدولية، ولديها إجراءات شاملة لتنفيذ العقوبات المالية عملا بنظام العقوبات الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد داعش والقاعدة".
غير أن هذا الوضع السائد في جمهورية مصر العربية لم يمنع الخارجية الأمريكية من التأكيد على أن الدولة المصرية لا تزال غير محصنة ضد التمويل الإرهابي، نظرا للاقتصاد الكبير غير الرسمي القائم على النقد، والمعاملات المالية الصغيرة غير الموثقة، وما يقدر بنحو 90 بالمئة من السكان الذين ليس لديهم حسابات مصرفية رسمية، ووجود منظمات إرهابية مثل تنظيم داعش في سيناء، وتطرق التقرير كذلك إلى مسائل تهريب الآثار والمخدرات الذي لا يزال يشكل مصدر قلق، على الرغم من الجهود التشريعية، كما أن استغلال التكنولوجيات المصرفية ووسائل الإعلام الاجتماعية لتمويل الإرهاب ما زال يمثل مشكلة.
ولعل هذا التقرير يؤكد الضرورة الملحة وراء خطوات الإصلاح الاقتصادي الذي اتخذته الدولة المصرية كمنهج عمل وطريق نجاة من العديد من المؤامرات والأزمات التي تهدف جميعها لأسقاط الدولة المصرية سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو الأمنية.
إن الدولة المصرية تحتاج أن تتخلص من العشوائية التي تسمح بنمو الأفكار المتطرفة، وتحويلها لحركات عنيفة تضر بالمجتمع، ويأتي على رأس تلك السياسات الإصلاحات الاقتصادية والتي من شأنها أن تشجع مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة على تسجيل أعمالها، وتغيير المنظومة الضريبية بالكامل، بالإضافة لقانون الاستثمار الجديد، وعلى الرغم من ذلك نجد أن أغلب تلك القوانين تستهدف رؤوس الأموال الكبيرة، التى من الممكن أن تتحول إلى طاقة إيجابية دافعة لحركة الاقتصاد أو أن تتحول إلى دعم وتمويل الإرهاب بشكل مباشر.
صحيح أن الإصلاحات الاقتصادية ستسهم بشكل كبير فى الرقابة على حركة الأموال من وإلى الدولة المصرية إلا أنني أعتقد أن الحكومة تحتاج إلى أن تقطع شوطا مماثلا لتقنين أوضاع هذه النسبة الكبيرة من الأعمال التجارية والتي تعرف بالاقتصاد غير الرسمي أو الاقتصاد الموازي والذي يزيد عن 2.2 تريليون جنيه ويهدر ما يزيد عن 330 مليار جنيه قيمة الضرائب المهدرة على خزينة الدولة وتوضح الإحصائيات أن 47 ألف مصنع تعمل خارج مظلة الاقتصاد الرسمى من خلال حوالي 1200 سوق عشوائية منتشرة بمحافظات الجمهورية.
ولا شك أن تقنين أوضاع الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتناهية الصغر، وغرس ثقافة توثيق الأعمال الاقتصادية يؤدي وبشكل مباشر لرفع معدلات التنمية بشكل غير مسبوق، وحماية حقوق العمالة المصرية، والأهم هو حماية المجتمع من الأموال الخبيثة التى تدار كواجهة للجماعات الإرهابية وتستقطب الشباب بحاجتهم إلى العمل أولا.
إن لكل قضية اجتماعية ظهير إقتصادى، وفى قضية الإرهاب لن يستطيع العالم هزيمة التطرف والإرهاب إلا بمحاصرة ظهيره الاقتصادى، وتجفيف منابع تمويله بالأساس، وهو الأمر الذى طالبت به مرارا وتكرارا جمهورية مصر العربية منذ وقت طويل، فما ذكره تقرير الخارجية الأمريكية عن الوضع الاقتصادي المصري ليس إلا اعترافا متأخرا بجهود الدولة المصرية الرامية إلى تغيير السياسة الدولية فى التعامل مع التنظيمات الإرهابية، والتي يترك لرؤوس أموالها عن قصد أن تدير وتدبر وتمول أنشطتها دون رقيب أو حسيب.