يقينًا، ستدفع قطر ثمن خطايا «آل ثانى»، مغامراتهم المجنونة، وأحلامهم التى تفوق قدراتهم، كما أن معطيات الواقع تؤكد أن الشعب القطرى، سيجنى ثمار جرائمهم، المتمثلة فى تحويل بلدهم لمركز دولى للتنظيمات الإرهابية، وقاعدة انطلاق رئيسية لتنفيذ سيناريوهات «الفوضى الخلاقة»، وهى الأجندة الرامية بالأساس لتفتيت المنطقة العربية، بمليارات الشعب المغلوب على أمره وبأدوات محلية رخيصة، يطلق عليها مجازًا «الإخوان» والتنظيمات التى خرجت من عباءتها، وهى نفس السيناريوهات التى جعلت المنطقة العربية برمتها مسرحًا للجرائم الإرهابية المنظمة، أما الهدف فهو تمزيق الأقطار إلى دويلات صغيرة،هشة، يسهل التهامها، بما يضمن تفوق الدولة العبرية على المنطقة بأكملها، وفق استراتيجية أمريكية صهيونية، جرى إعدادها سلفًا بمعرفة دوائر صناعة القرار فى البيت الأبيض ولندن وتل أبيب.
لذا فإن القراءة الدقيقة للواقع، تشير إلى أن الدور الذى تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بالأزمة القطرية، يثير الكثير من علامات الاستفهام، فالدولة التى تلعب دور الوسيط حاليًا، هى بالأساس طرف فى كل ماجرى، بل طرف فاعل وأصيل فى صناعة الإرهاب، كما أنها داعمة له على كل المستويات، ونظرة عابرة لمشهد تسليح التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها « داعش»، تتجلى لنا كل الحقائق حول تورط واشنطن، فالتسليح الأمريكى لها يفوق قدرات الجيوش النظامية، كما أن الولايات المتحدة نفسها،كانت وما زالت على علم، بكل التحركات القطرية لنشر الفوضى فى المنطقة العربية، ولعل انحياز وزير خارجيتها للرؤية القطرية، قبل سماعه وجهات نظر الدول الأربع المقاطعة لقطر، وقبل اطلاعه على وثائق إدانتها فى الجرائم الإرهابية التى ارتكبت بتمويل وتدبير من حكامها وبتسليح أمريكى بريطانى، كل هذا يجعل موقف إدارتها فى غاية الخجل، إن كانت تخجل بالفعل.
لم يعد خافيًا على أحد أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة، تعاونت مع حكام قطر في تمويل بعض الجماعات الإرهابية، من الإخوان إلى القاعدة، ومن داعش إلى بقية التنظيمات باختلاف مسمياتها، وإذا كانت إدارة الرئيس دونالد ترامب تسعى إلى الظهور على مسرح الأزمة فى دور الوسيط الساعى إلى التهدئة، فهذا الدور ليس نزيهًا بالمرة،لأنها تحاول إن شئنا الدقة،« الطرمخة» على أسباب الأزمة باعتبارها المتورط الرئيسى فيها.
كما أن البحث فى خبايا التفاصيل المرتبطة بكل ما يجرى على اتساع المنطقة العربية، يستوجب وضع الولايات المتحدة الأمريكية على رأس قائمة الدول الراعية للإرهاب، فلدى أجهزتها من المعلومات،ما يكفى لمعرفة خبايا التنظيمات وممولى الحركات التى تعبث باستقرار المنطقة من المحيط إلى الخليج، فضلاً عن إمدادها بالتنسيق مع بريطانيا بكل الأسلحة المتطورة.
حكام قطر، انزلقوا بإرادتهم المتسقة مع أجندتهم المعبرة عن أيديولوجية الإخوان، نحو مستنقع «الفوضى الخلاقة»، المخطط الذى دبرت له أجهزة الاستخبارات الأمريكية، ولم يكن القائمون على ثروات الدويلة الصغيرة سوى أداة لتنفيذه، انطلقوا بحماقة وبلاهة، بهدف تحقيق تلك المخططات، لأنهم يرون فيها أحلامًا ذاتية، تحقق لهم شهوات تنظيمية، فقد هيأت لهم أنفسهم أنهم قادرون على التوسع والحصول على جزء من الخرائط التى سيتم تفتيتها بعناية ودقة، تارة بالسعى نحو تفكيك المؤسسات الصلبة التى تمثل الأركان الأساسية لبنيان أى دولة مستقرة، وهى المتمثلة فى الجيش، الشرطة، القضاء، فضلاً عن خلق أسباب الاقتتال وضرب المجتمعات من داخلها، عبر التناحر بين فئات الشعب، مرورًا بتكريس العلاقات المتنافرة،المشحونة بالصراعات المذهبية والعرقية والطائفية، نجحت فى تحقيق الأهداف فى عدد من البلدان مثل العراق وليبيا واليمن وسوريا.
دعموا الإخوان فى مصر وأنفقوا على رعايتهم، حتى وصلوا الحكم، لأن أيديولوجيتهم ترى فى مؤسسات الدولة الصلبة، كيانات موازية يجب التخلص منها لصالح أيديولوجيتهم، هذه التوجهات اصطدمت بصخرة صلبة لا يمكن كسرها، تمثلت فى الإرادة الشعبية وعقيدة المؤسسة العسكرية.
إذا كان الإخوان فشلوا فى تنفيذ الخطوة الأولى من أحلام دولة الخلافة، لكن ما يجرى على الأرض، يؤكد بما لا يدع مجالاً لأى شكوك، أن المخططات ما زالت قائمة، فالطريق إلى التمزيق والتقسيم هدف تسعى إليه قطر وتركيا وتباركه أمريكا وبريطانيا وإن كان فى الخفاء، فكل الشواهد تذهب إلى أن ما يجرى على اتساع الخريطة الإقليمية من أزمات سياسية، إنما لتحديد الملامح الجغرافية للمنطقة، وهى التى تسير باتجاه التفتيت، وفق المخططات الاستراتيجية الأمريكية الصهيونية.
حماقة حكام قطر تبلورت فى عدم فهمهم،أنهم مجرد أدوات، ويبدو أنه لن يفهموا أبدًا أن تورطهم فى صناعة الإرهاب سيعود عليهم، فهم لم يتعلموا من الدروس السابقة، ومفادها أن المخابرات الأمريكية الـ « سى آى إيه» صنعت تنظيم القاعدة، دربت عناصره، أمدته بالأسلحة المتطورة، وعندما انتهى دوره فى أفغانستان، تبرأت منه، وراحت تصوره عبر أدواتها الإعلامية، ديناصورًا، يهدد استقرار العالم، وكانت النتيجة أن الـ«بعبع»، الذى ولد وتربى فى كواليس الأجهزة الأمنية، هو نفسه الذى، ضرب تلك الأجهزة فى مقتل، أهان شرفها، جعلها عارية، دهس الأساطير التى نسجت حول قوتها، دمر رمزها الاقتصادى« برجى التجارة العالمى»، حكام دويلة قطر لم يدركوا حقائق التاريخ ومسلماته، هربوا من الواقع، واندفعوا وراء خيالاتهم صوب سراب لن يتحقق على أرض الواقع، استعانوا بداعش لتفتيت العراق، وقد تفتت بالفعل وهزيمة داعش الأخيرة لا تعنى نهاية الأزمات فى العراق، لكنها بداية لصراع قادم بين السُنة والشيعة، ناهيك عن انفصال الأكراد لإقامة دولتهم العرقية.
فى هذا السياق، علينا أن ندرك جميعًا حقيقة وجود مصالح استراتيجية وأمنية لأطراف دولية ستجعلها تستخدم كل الأساليب لاستثمار الخلافات والأزمات، للعمل على دعم التوجهات الاستراتيجية، ولنا فيما نراه أدلة دامغة، فقد استغل «أردوغان» الأزمة القطرية مع مصر والسعودية والإمارات والبحرين للاستمرار فى حماقاته بهدف تحقيق خطوة أولى فى طريق أوهامه، وما تتضمنه أجندة الأوهام من أفكار وتكتيكات، يدور مجملها فى فلك تهيئة المناخ أمام سياسات تؤدى لزعزعة استقرار الدول العربية، وهى الخريطة التى يتصور أنها إرث لأجداده العثمانيين.