قبل أسابيع قليلة،
وبالتزامن مع انفجار أزمة قطر بعد تحديها الصارخ لوحدة الصف العربي، كانت جمهورية
مصر العربية تشارك فى إحدى جلسات الإحاطة حول التقرير الخامس للسكرتير العام للأمم
المتحدة حول داعش، التى عقدت فى إطار جلسات مجلس الأمن لمناقشة القضية.
كشفت جمهورية مصر العربية فى بيانها، الذى ألقته خلال الجلسة عن
واقعة، تمثل تمويلا مباشرا لإحدى التنظيمات الإرهابية التابعة لداعش.
وحسب نص البيان المصرى :
تواترت أنباء فى وسائل الإعلام أن دولة قطر قد قامت بسداد حوالى
مليار دولار لتنظيم إرهابى، يعمل فى العراق للإفراج عن عدد من أفراد الأسرة
الأميرية المختطفين والمحتجزين لدى هذا التنظيم الإرهابى، عندما كانوا فى رحلة صيد.
هذا الانتهاك لقرارات مجلس الأمن -إن ثبتت صحته- له انعكاساته
على جهود مكافحة الإرهاب، حيث يعتبر دعماً مباشراً للإرهاب.
نتطلع للتعرف على تقييم السكرتارية لتداعيات حصول داعش (أو
تنظيم مرتبط به) على مبلغ بهذه الضخامة فى هذا التوقيت، الذى تتواصل فيه جهود
تحرير الموصل.
كيف يمكن لمجلس الأمن مواجهة مثل هذا الانتهاك الصارخ لقراراته،
نحن ندعو مجلس الأمن للتصديق على إجراء تحقيق فى هذه الواقعة، ونتطلع لتضمين نتائج
هذا التحقيق فى التقرير السادس للسكرتير العام حول داعش ".
قررت جمهورية مصر العربية أن تضع التحديات الحقيقية، التى تعيق
العالم -وليس دول المنطقة فقط- عن القضاء على التنظيمات الإرهابية أمام الدول
الأعضاء بمنتهى الوضوح والشفافية ليعلم القاصى والدانى بعد أن فاض الكيل من ازدواجية
المعايير والرؤى.
ولا شك أن أهم العوائق التى تعيق الحرب ضد الإرهاب هى حرية
الحركة الممنوحة للمقاتلين الأجانب، الذين يتنقلون من وإلى العراق وسوريا تحديدًا،
وكيف يمكن أن دول صاحبة الحدود المشتركة معهما، تواجه مشكلة فى عدم قدرتها على
توقيف واحتجاز المشتبه فيهم بأنهم مقاتلون ضمن صفوف التنظيمات الإرهابية.
أسئلة كثيرة طرحتها جمهورية مصر العربية بهذه الجلسة الساخنة؛
إذ كيف يتمتع هؤلاء الإرهابيون بحرية الحركة والتنقل بين سوريا والعراق، ومنها إلى
بلادهم الأصلية ثم العودة مرة أخرى، وما الطرق التى يسلكونها ليمروا بأمان بين
حدود هذه الدول، بل إن السؤال الأخطر هو كيف يعتمد تنظيم داعش فى تمويله الأساسى
على بيع البترول الخام الذى يتم استخراجه من الأراضى التى يسيطر عليها، ومن يحصل
عليه منهم، ومن يشتريه، وكيف يتم نقله للمشتري، وكيف يحصل التنظيم الإرهابى على
أمواله مقابل هذه الكميات من البترول؟
ولعل الإجابات على هذه الأسئلة هى التى تخبرنا كيف تخترق بعض
الدول التى تدّعى مقاومة الإرهاب كافة جهود الحصار الدولى على تنظيمات الإرهاب.
ويتمشى هذا المسار مع حالة الجدل السائد فى دول القارة الأوروبية
حول كيفية مواجهة الإرهاب والحفاظ على حقوق الإنسان والحريات العامة، ومنها حرية
والتنقل والاتصال واستخدام الإنترنت، كيف تستطيع دول العالم، التى اكتوت بنار
الإرهاب أن تحاصر الاستخدام السيئ للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى بهدف ممارسة
الإرهاب، وكيف سيتم رصد استخدام الإرهابيين لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وما محاولات
هذه الدول ليفقد الإرهابيون أداة حيوية مثل الإنترنت للتواصل فيما بينهم، والترويج
لأفكارهم وتجنيد عناصر جديدة لتنظيماتهم.
أعتقد أن التوقف أمام الإجابات على هذه الأسئلة وحدها قادر على
وضع المجتمع الدولى أمام نفسه بمنتهى الوضوح، ومن ثم يمكن أن تكون بمثابة بداية
طريق الحرب الحقيقية على الإرهاب، حتى لا تذهب كافة الجهود الدولية هباءً.