شاهدت على قناة الدراما البدوية مسلسل اسمه «راس غليص» ويعنى، مطلوب رأس المدعو «غليص»، بدون مبالغة العمل الدرامى يعكس الواقع الذى تعيشه المنطقة العربية على اتساع خريطتها الجغرافية.
المشاهد تحفز الخيال على رصد البلاوى والمصائب والأزمات والمؤامرات ومشاهد الخيانة التى ارتكبها «غليص» فى حق قبائل كبيرة لها ثقلها وتأثيرها، وبالرغم من أن الأحداث تدور فى سياق فنى جذاب وممتع، إلا أنها بالضبط مثل كل المصائب التى صنعت فى قصر الحكم بدويلة قطر.
«غليص» فى العمل الفنى شخص ذو جسد سمين ثرى، يحكم ويتحكم فى قبيلته، أراد أن يفرض سيطرته ونفوذه على القبائل المنتشرة حوله، سواء كانت بعيدة أو قريبة، لكن حداثة عهده بالعز، كشفت عن حجم السفه فى كل تصرفاته، كما أن عدم خبرته بأدوار الشيوخ، جعلته يفكر فى استخدام المتسولين لنشر الأكاذيب عن مقامه الرفيع، خاصة أنه يفتقد مقومات كل ما يشاع عنه، فهو لم يكن له تاريخ فى الفروسية والحروب، فقبيلته مسالمة، وعلاقاتها طيبة بكل القبائل المحيطة والبعيدة، إلا أن القبيلة لا حول لها ولا قوة.
«غليص» استعان بالجرادين «اللصوص» ومرتزقة الحروب، وراح ينشر الفتنة بين شيوخ القبائل ويحرض الجرادين على القتل وإثارة الفتنة، فكثر عدد القتلى فى كل قبيلة وتاه القتلة، فهو كان يوحى للقبائل وشيوخها أنه ورجاله معهم، رغم أنه يمد الطرفين سرا، وعندما علم الجميع أنه وراء الفتنة والحروب التى تجرى فى كل «ديرة»، أرسل لهم طالبا منهم التصالح وفى كل مرة كانت تحدث الخيانة، إلى أن صار رأسه مطلوبا للكافة، فاستعان بالمرتزقة وعندما منعوا عنه الوصول إلى بئر المياه راح يخادع، وأخيرا تركه المرتزقة والجرادون وحيدا، تخلوا عنه صار منبوذا، إلى أن تخلص منه ذويه، قبل أن تصل القبائل من كل اتجاه للحصول على رأسه، أما الجرادون فوجدوا لأنفسهم مكانا لدى المنتصرين.
هذا العمل الدرامى يشبه تماما، ما تفعله الأسرة الحاكمة فى الدويلة الصغيرة، ظنوا أن بحار الصبر العربى لن تنفذ، فاستمروا فى دسائسهم ومؤامراتهم القذرة، باللعب على كل الأوتار، فتحوا خزائنهم بلا حساب، راحوا يدعمون الإرهابيين بالمال والسلاح، وتوفير الحماية والإيواء والدعم الإعلامى المشبوه وفى نفس الوقت يشاركون فى الحرب ضدهم ويمولون مؤتمرات وندوات التنديد بالممارسات الإرهابية.
هم قاموا بتمويل شبكات تسفير الشباب التونسى إلى سوريا وضمهم إلى صفوف داعش، ومؤخرا فتحت الدوائر التونسية النار على حاكم قطر بعد الحصول على وثائق تخص تمويل مجموعات شبابية، لإسقاط نظام الحاكم السابق، ومن تونس إلى الإمارات العربية ومن مصر إلى السعودية، التآمر ودعم الإخوان لم يتوقفا.
الآن نفذت بحار الصبر العربى بل جفت مياهه تماما، ولم يعد لدى الشعوب والحكام، بقايا طاقة لتحمل أفعال دولة مارقة صار حكامها ألعوبة تتقاذفها الجماعات الإرهابية، ويلهو بها حلفاؤه من الموهومين بدولة الخلافة وأستاذية العالم، سواء الإخوان أو أردوغان، إيران أو الحوثيين فى اليمن.
لم يدرك «تميم» ومن قبله والده المشحون بالبلاهة، أن السياسة الغربية التى يحتمى بها، تدور فى فلك مصالحها دون سواها، فالغرب لا يؤمن بالصداقات أو العلاقات الشخصية ولا تعرف حكوماته شيئا عن الحب والكراهية، هم يعرفون، فقط ما هى مكاسب بلادهم من الأزمات الدولية، سياسيا واقتصاديا، الكل يعرف أن أمريكا التى انحازت بقوة للتنظيمات الإرهابية وراحت تدعمها ضد أنظمة الحكم، بزعم الدفاع عن حقوق الإنسان هى ذاتها أمريكا، التى تشاطر إدارتها توجهات الدول العربية المقاطعة لدويلة قطر، وهى التوجهات الرامية إلى تجفيف منابع تمويل الإرهاب، أى أن الرئيس الأمريكى بموقفه وتصريحاته يطلب رأس غليص، بما يعنى تجفيف منابع تمويل الإرهاب.
الدور الذى يلعبه حكام قطر لنشر الإرهاب فى العالم ومنها الفلبين حاليا، لا تخطئه العين، أصبح ساطعا كالشمس، عاريا أمام الكافة، حيث صارت بموجب هذا الدور، بعض البلدان العربية دولا فاشلة تسودها الفوضى «العراق وسوريا واليمن وليبيا».
إذا توقفنا قليلا أمام تميم، هو نموذج صارخ للفأر الذى أراد أن يصبح أسدا كى يكون ملكا على الغابة، دون أن يملك شيئا من مقومات القوة والزعامة، ظن أن القواعد العسكرية الأجنبية على أراضى دولته ستجعله قادرا على تحقيق أحلامه، فراح يستنزف ثروات بلاده وخزائنها فى دعم الإرهابيين بالسلاح والمال، وتمويل عمليات إثارة الفتنة والقلاقل فى البلدان العربية المستقرة.
حاكم الدويلة الصغيرة لم يتعلم شيئا من دروس التاريخ، راح يواصل مغامراته، على حساب شعبه المقهور ووطنه المسحوق، فلم يكتف بوجود القاعدتين الأمريكيتين «السيلية والعديد» فوافق قبل شهور قليلة على إقامة قواعد عسكرية بريطانية، تحت مزاعم واهية جرى ترويجها فى ولاياته الإعلامية المتحدة «الجزيرة وفروعها التى تحمل مسميات كثيرة» بأن القواعد لأجل حماية أمن الخليج من إيران والمد الشيعى والتنظيمات الإرهابية، وعندما قاطعته البلدان العربية، ظهر وجهه القبيح، حيث استدعى إيران والآن تقيم تركيا قاعدة عسكرية على أراضى دولته، لابتزاز الحكام والشعوب بعد أن تصور أن بيديه مفاتيح نشر الفوضى إذا غضب ومنح الاستقرار إذا رضى.
على المستوى الشخصى، لا أرى أى غرابة فى ما يفعله تميم أو أمه أو أبوه، فمثل هذه النماذج بلا مقومات لقيادة شعوب بلادهم، لكن الغرابة تكمن فى الصمت طيلة تلك السنوات بدون محاسبة أو اتخاذ موقف صارم ضد هذا المارق ووالده من قبله.