أخيرا بدأت الحكومة فى التحرك وفق ما يفرضه السوق، ووجهت حملاتها الدعائية للمواطنين فى صيغة قريبة لقلب المواطن، وملائمة لكل مستويات الاجتماعية، والتعليمية، والاقتصادية، إذ قام عدد من الجهات الحكومية بعمل حملات إعلامية لتوعية المواطنين وشرح الإجراءات الاقتصادية الهامة لهم مثل ضريبة القيمة المضافة، وحق المواطن فى المعرفة، وحملة الرقابة الإدارية للتوعية ضد أنواع الفساد، وقامت بعض هذه الحملات بالاستعانة بنجوم محبوبين، ومشاهد كوميدية، ولم تتجاهل الدعاية السلبية التى تتعرض لها الدولة والحكومة كلها.
الحقيقة أن مثل هذا الإجراء تأخر كثيرا، وكانت الجهات الحكومية قد استسلمت لفكرة نشرات الدعائية التى تنشر فى قنوات ماسبيرو والصحف القومية، دون أى محاولة للتفكير الخلاق فى كيفية استغلال هذه المساحات، أو حتى مجرد الأخذ فى الاعتبار أن قطاع كبير من المواطنين – للأسف الشديد - قد هجر قنوات ماسبيرو فعليا لأسباب يطول شرحها، ناهيك عن أن هذه الوسائل التقليدية قد تجاوزها الزمن ولم تعد رسائلها تصل إلى المستهدفين.
والواقع يؤكد أننا فى عصر تنفق فيه الحكومات والشركات العالمية ميزانيات ضخمة حتى تسوق لنفسها وتتواصل مع مستهدفيها ( فى هذه الحالة المواطن المصرى )، عبر كل القنوات التقليدية وغير التقليدية، وتؤسس فيه شركات للتسويق عبر وسائل السوشيال ميديا.
لذا أعتقد أن سلسلة الإعلانات التى تعرض على قنوات الفضائيات خطوة على الطريق الصحيح، تمهد لاستعادة ثقة المواطن البسيط وتضييق الهوة بينه وبين الجهات الحكومية، وتسعى لتنشيطه وإشراكه فى اتخاذ القرارات الهامة، ومساعدته على جمع المعرفة الأساسية حول كل إجراء جديد تتخذه الحكومة.
نعم، يحتاج المواطنون البسطاء الذين يتحملون هموم وطنهم في ثبات إلى المعرفة، والاطلاع على كافة التفاصيل الإيجابية والسلبية قبل إطلاق الأحكام، نحتاج جميعا أن نعي جيدا أن جمهورية مصر العربية تتغيير وتتقدم وتحقق المستحيل في ظل قيادة سياسية وطنية مخلصة لله.
ومن ثم فإنه يجب على الحكومة أن تراعى فى كل خطواتها حقوق المواطنين فى إتاحة المعلومات والمناقشة لكافة قراراتها، إعمالا لمبادئ الشفافية وإشراك المواطنين فى اتخاذ القرارات الهامة.
أرجو أن تكتمل هذه الخطوة بمزيد من السعى لترسخ قيم الديمقراطية التى من شأنها حماية المجتمع من المضللين والأفاكين، وأن تساهم الهيئات الحكومية فى تبسيط وتقديم المعلومات للمواطنين من كل الشرائح الاجتماعية، خصوصا وأن الدولة المصرية تتعرض إلى واحدة من أكبر حملات التشويه والتشنيع التى عرفها تاريخ الإعلام المرئى والمسموع، حملات تقودها دول وقنوات خصصت كل جهودها فى الحرب الإعلامية والنفسية ضد الدولة المصرية والمصريين، وأنفقت ميزانيات مهولة لهذا الغرض، وبالتراكم صارت هناك فرق من المصريين يحملون جبالا من المعلومات الخاطئة والمضللة التى دأبت هذه القنوات على نشرها وترسيخها باعتبارها الحقيقة، حتى إنك وبكل أسف فى كل نقاش سياسى أو اقتصادى أو حتى رياضي يدور فى الأماكن العامة تشعر وأنك مطالب بإعادة ضبط التعريفات والمصطلحات والمعلومات قبل أن يتحول النقاش إلى كارثة، بسبب غياب المعلومة الصحيحة، إذ سرعان ما يلجأ كل طرف من المتجادلين إلى هرمه المعرفى الخاص، بناءً على مصادر معلوماته أغلبها غير صحيح، فالكل مؤيد ومعارض بكل أسف تعوزه المعرفة.