قبل أسابيع انتشرت على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة قيام عدد من المدارس الخاصة والدولية بزيادة المصروفات الدراسية بطريقة جنونية، وصلت في بعضها إلى حوالي 50 بالمائة بدون إبداء أي أسباب مقنعة، ونحن هنا نتحدث عن المصاريف الرسمية، مصروفات لا علاقة لها بزي مدرسي أو كتب أو قوائم الطلبات الطويلة أو الحفلات والأنشطة المختلفة تضاف هذه المصروفات إلى قائمة طويلة من الأنشطة المفتعلة داخل المدارس الخاصة والتي هدفها الوحيد هو ابتزاز واستغلال أهالى الطلاب، واستنزافهم فى مزيد من المصروفات.
لم يحدد عدد من المدارس الأخرى قيمة المصروفات السنوية واكتفت بمطالبة أولياء الأمور بسداد ما أطلقوا عليه "مبالغ من تحت حساب القسط الأول من المصروفات الدراسية"، ووصل الأمر إلى تهديد بعض تلك المدارس بإلغاء الشهادات الأجنبية وتغيير نظام الدراسة أو الشهادة المعمول بها في المدرسة وإغلاق المدارس في حالة عدم موافقة أولياء الأمور كتابيا على قبول تلك الزيادات وكأنها قانون ملزم لأولياء الأمور لا يمكن مناقشته.
جاءت تلك الإجراءات من جانب إدارات المدارس المختلفة في تجاهل تام لعدم قانونية فرض مثل هذه المصروفات رغم رفض وزير التربية والتعليم لمثل تلك الزيادات والتنبيهات الصادرة من إدارة التعليم الخاص بالوزارة.
تجاهلت هذه المدارس حقيقة أن معظم طلاب المدارس الخاصة والدولية ينتمون إلى الطبقة المتوسطة، وأن أهاليهم يتعاملون مع قضية التعليم باعتبارها الاستثمار الأهم فى حياة الأسرة، والتى تضع مدخراتها كلها رهنا لاستكمال ما بدأته قبل موجات الغلاء بإلحاق أبناءهم بأفضل نظام تعليمى ممكن حتى لو أتى ذلك على حساب بقية متطلبات الأسرة.
تأتي هذه القضية في ظل تجنب عدد من الأهالى مناقشتها ربما خوفا على مستقبل أولادهم أو الحرج منها أو بسبب ضعف الأداة التشريعية التى تفتقر إلى آليات رقابية واضحة على هذه الأنشطة والمصروفات الخفية أو المدارس التى تطمح لأى طريقة لزيادة المصروفات بشكل غير مباشر.
صحيح أن السيد وزير التربية والتعليم رفض هذه الزيادة، إلا أنى أشك فى أن المدارس ستلتزم بهذا القرار، وفى تقديرى ستجد كل مدرسة منفردة بنودا جديدة تعوّض بها هامش الربح الذى تطمح فى الوصول إليه دون قيد أو شرط، وتطرح هذه القضية الدور الذى يمكن أن تمارسه المجالس الطلابية ومجالس الآباء إذا ما قررت الوزارة تفعيل هذه الآلية للرقابة على المدارس، وفتح خط مباشر لتلقى الشكاوى والبحث فيها والتعامل معها بجدية، والإصرار على إلزام المدارس بحد معين من المصروفات بكل أشكالها، ودمج كل هذه البنود تحت مصروفات المدرسة، وبذلك تقطع الطريق أمام كافة محاولات التحايل على إدارات بعض المدارس.
ويتبقى أن تعمل الوزارة على نشر ثقافة المشاركة ورفع الوعى لدى الأهالى والطلاب، وتوعية أولياء الأمور بضرورة رفع شكواهم إلى أماكنها المختصة، ودعم المشاركة الإيجابية فى الرقابة على المدارس لضمان التزامها بمعايير الجودة وبالحد الأقصى لزيادة المصروفات، والأهم من ذلك كله التزام المدرسة بالدور التربوى والحفاظ على النشاط التعليمى ليصبح هادفا لتنمية مهارات الطلاب والإرتقاء به، بدلا من أن يكون النشاط المدرسى مجرد نشاط استثمارى يهدف للربح ولا يقدم أى قيمة للطلاب بل يساعد في إتلاف قيم تربوية نتمنى أن عودتها من جديد لنشأة جيل واعٍ قادر على التمييز والإدراك.