ماذا تعنى زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى واشنطن ؟.. هل تمثل بداية لعلاقات متينة قائمة على الندية؟.. أم إنها لفتح الملفات المسكوت عنها؟.. تلك التساؤلات، لم تفاجئنى على المستوى الشخصى، ولم يكن حضورها مباغتا لى، لكننى توقفت أمامها باعتبارها الشغل الشاغل لكثيرين مثلى، ممن وضعوا الزيارة فى بؤرة اهتماماتهم وهى تستحق، ليس فقط لأنها خطوة إيجابية لكسر الجمود فى العلاقات بين البلدين، إنما للثقة فى قدرة القيادة السياسية على تحديد ملامح خريطة العلاقات والمصالح بين مصر الدولة الرئيسية المهمة فى محيطها الإقليمى، وأمريكا الدولة الأكثر تأثيرا فى توجيه السياسة العالمية.
الاهتمام بالتساؤلات يشير إلى أن الهدف من طرحها لم يكن بغرض البحث عن إجابات افتراضية تفتح باب التوقعات والتكهنات حول قضايا جوهرية مرتبطة بأبعاد الأمن القومى، إنما لقراءة التصورات المختلفة حول دلالات الزيارة من حيث توقيتها، وتزامنها مع ارتباك الأوضاع الإقليمية، سياسيا وأمنيا واقتصاديا، كما أنها تأتى فى أعقاب مؤتمر القمة العربية الذى عقد فى الأردن، وشاركت فيه الولايات المتحدة الأمريكية كمراقب، وهو المؤتمر الذى أكدت فيه اللقاءات الثنائية للرئيس السيسى مع القادة البارزين فى المنطقة على أهمية الدور القيادى والطليعى الذى تلعبه مصر فى الحفاظ على استقرار المنطقة وإنقاذها من الإرهاب ومخططات التقسيم، وهى المخططات التى دبرت فى دهاليز دوائر صناعة القرار الأمريكى، وتقوم بالإنفاق على تكلفتها أنظمة حكم هشة على حساب خزائن وثروات شعوبها، وهذا هو قدر الشعوب التى ابتليت بحكام سفهاء مثل الصبى الموتور تميم، كما أكدت تلك اللقاءات أن مصر تحارب الإرهاب نيابة عن العالم كله.
فى السياق المرتبط سواء بمؤتمر القمة العربية أو زيارة الرئيس إلى البيت الأبيض، بدعوة رسمية واهتمام شخصى من ترامب الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية، نجد أن وسائل الإعلام تعاملت معهما بسطحية لا ترقى لمستوى الحدثين المهمين، فالفضائيات استدرجت للردح على طريقة كيد النسا وأفردت الساعات فى سرد المشاهد الهامشية للرد على القنوات الإخوانية، أما المطبوعات الورقية، فحدث ولا حرج، التفاهة كانت أكثر من الصحافة، كان التركيز على أن الرئيس ترك القاعة أثناء كلمة تميم، مما أصاب الكثيرين بـ«القرف» من هذه السطحية والبلادة، فمن الطبيعى بل والطبيعى جدا أن يتجاهل الكبار وجود السفهاء والتافهون، فالإعلام غرق فى هذه السطحية، ولم يقم بتغطية النجاحات التى تحققت على المستوى الاستراتيجى، كما أن الحديث عن زيارة واشنطن حشرت فيه أمور أكثر تفاهة، مضمونها يدور فى محاولات الجماعة المارقة، إفشال الزيارة، وهذا يرسخ فى أزهان البعض أنهم قوة لها تأثير دولى وقدرة على إرباك الزيارة بالمخالفة للواقع، فهؤلاء خرجوا من المشهد السياسى ولن يعودوا.
وبعيدا عن سطحية الإعلام، الزيارة من وجهة نظرى، تدشن لمفاهيم جديدة تتجاوز حدود المردود الاقتصادى، وإن كان مهما وملحا فى تلك الظروف، إلا أن المفهوم الذى أعنيه هو استرداد قيمة مصر ودورها الاستراتيجى، خاصة أن الدولة المصرية تجاوزت مرحلة اختبار قدرتها على تحديد مصيرها، ومن هذه النقطة فى ظنى تأتى أهمية التحرك المصرى صوب واشنطن لإقامة علاقات قوية معها باعتبارها أحد أقطاب العالم.
من الأمور المثيرة للاستغراب أيضا اختزال زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى أبعادها الاقتصادية المتمثلة فى التشجيع على جذب الاستثمارات، وإغفال ما هو أكثر أهمية فالزيارة تعكس جملة من الحقائق مفادها أن العالم يتشكل من جديد، ولم يكن غريبا على الدولة المصرية أن تلعب دورا تتبوأ من خلاله مكانة لائقة بها فى المشهد الدولى، كما أنها تشير بوضوح إلى أن مساحة التلاقى والتنافر بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، تحكمها المصالح الاستراتيجية دون سواها، ولم يغب عن صانع القرار المصرى وأعنى الرئيس السيسى، الدور الذى لعبته واشنطن مع ذيولها «قطر وتركيا وإسرائيل» لتقسيم المنطقة العربية، ومحاولة إغراقها فى دوامات الحروب المذهبية والعرقية بدعوى الثورات ضد أنظمة الحكم، أما الهدف الحقيقى فهو نشر الفوضى وإثارة القلاقل لإسقاط الدول.
هناك بعض القضايا التى خرجت من دهاليز صناعة الشائعات، حول ما يتعلق بالقصة الوهمية للوطن البديل على الأراضى المصرية، ووجدت أرضا خصبة لتنامى وتيرتها فى الإعلام الموجه، بهدف التشكيك فى القيادة السياسية والمؤسسات الصلبة للدولة المصرية، رغم علم الجميع بأن هذه الأمور لا يمكن بحال من الأحوال أن تقبل القيادة السياسية مجرد تفكير أى مسئول دولى فيها، مهما عظم شأنه وقوته.
أما الحديث عن الموقف المصرى بالنسبة للدولة السورية، فهذا الموقف تحكمه أبعاد استراتيجية ودواع أمنية أخرى، ربما تختلف عن بقية البلدان العربية. الهدف المصرى هو الإبقاء على الدولة السورية وتماسك الجيش ضمانا لعدم تفكيكه على غرار ما جرى فى العراق، فالحفاظ على وحدة الجيش السورى يمثل أحد أهم الأركان الأساسية للأمن القومى العربى، باعتبار أن سوريا طرف أصيل ورئيسى فى معادلة الصراع العربى الإسرائيلى، كما أن الاتصالات المصرية مع الإدارة الأمريكية الجديدة نجحت فى إغلاق ملفات كانت مفتوحة للجدل، أبرزها اتفاق واشنطن مع رؤية مصر فى كل مايتعلق بإنهاء المأساة الإنسانية فى سوريا بعيدا عن الحديث حول النظام هناك، أما الملف الآخر فهو المطروح للنقاش فى الكونجرس الأمريكى ويتعلق بتوجهات الإدارة الأمريكية باعتبار الجماعة المارقة، جماعة إرهابية وهذا يتسق تماما مع الموقف المصرى من الإرهابيين، لذا فإن الزيارة تكتسب أهمية خاصة جديرة بطرح التساؤلات حولها.