فى زيارة ميسى لمصر، تحدثنا عن السياحة العلاجية، وعن كنز سياحى لم نلتفت إليه منذ زمن، رغم أن مصر -والحمد لله- بها من مقاصد هذه السياحة ما لا تتوفر فى أى دولة أخرى بهذا العدد وهذا التنوع، ونشطت الأقلام للحديث عن هذا الشأن، وتحدث مسئولون فى هذا البلد عن أهمية هذه السياحة، وعن ضرورة الاهتمام بها والترويج لها. كان الهدف من زيارة ميسى هو إطلاق حملة دولية، وتدشين إعلان يجوب العالم بأن مصر تحولت إلى مقصد عالمى لمعالجة مرضى فيروس سى، وأن مصر تمتلك مقومات هذا التحدى.. فبعد أن كانت الدولة الأولى فى العالم فى عدد المرضى وانتشار هذا المرض، أصبحت الأولى فى العالم بسبب تجربتها الرائدة فى علاج هذا المرض بدواء وأطباء مصريين، وبأسعار لا تقارن بأسعار علاج هذا المرض فى الخارج، بالإضافة للإقامة الفندقية فى أرقى الأماكن السياحية، ومن المؤكد أن هذا هدف يستحق العمل من أجله، ونحن نعانى من تقلص وتراجع أعداد السائحين للشواطئ والأماكن الأثرية، حيث يفوق عدد مرضى (فيروس سى) فى العالم ١٥٠ مليونًا، حسب الإحصاءات العالمية، وهؤلاء المرضى يهمهم البحث عن علاج فعال وآمن ورخيص، وهم بالقطع لن يسمحوا للسياسة بأن تكون حائلًا بينهم وبين الشفاء.
لماذا كل هذه المقدمة، والقارئ العزيز يعرف كل ما جاء بها؟ والإجابة ببساطة أننى كتبت فى مقال سابق عن الاستثمار، وقلت: لا تكفى القوانين لجذب الاستثمار، ولكن من المهم أن تكون لدينا بيئة حاضنة ومناخ جاذب يتيح للاستثمار أن ينمو ويعالج قضايا التشغيل والإنتاج المتوقف، وغير ذلك من مشاكلنا الاقتصادية.
كذلك نحتاج وبشدة، ونحن نتحدث عن السياحة العلاجية، أن تتوفر بيئة حاضنة ومناخ يساعد على نجاح هذه السياحة، ولا يكفى مؤتمرات فى قاعات مكيفة، ولا تصريحات عن استعدادات هى غير موجودة على أرض الواقع.. السياحة العلاجية تحتاج تغييرًا فى العقول، وتحتاج تغييرًا فى السلوك، وتحتاج أمانة ومصداقية ورحمة، وتحتاج نظرة أخلاقية للمريض السائح أو السائح المريض. أكتب ذلك بعد متابعتى حلقة تامر أمين، على الحياة اليوم، الثلاثاء الماضى، حيث عرض تامر أمين موقفًا لصديق له من دولة الإمارات فى زيارة حاليًا بمصر، وكان هذا الصديق قرر أن يزور أحد أطباء القلب الكبار، وذهب إليه فى عيادته وقرر دفع «فيزيتة» الكشف، فقالت له ممرضة العيادة ٥٠٠ جنيه قيمة الكشف، فدفع لها المبلغ، وأثناء الحوار -ربما بسبب الاسم أو اللهجة- سألته الممرضة هل أنت مصرى؟ فقال لها، لا لست مصريًا، فطلبت تعديل قيمة الكشف إلى ألفين من الجنيهات، فتعجب الرجل وبعد مناقشات وحوارات واستفسارات، اضطر تحت ضغط وإذعان أن يسدد لها قيمة الكشف، وباقى التفاصيل مخجلة، لكنه قال فى النهاية هذه آخر مرة أزور طبيبًا مصريًا وربما لن أعود! قلت لنفسى، ربما هذه حالة خاصة.. لكن زادت دهشتى عندما أجرى الدكتور طارق كامل، لا أعرفه، عضو مجلس نقابة الأطباء، ورئيس لجنة آداب المهنة بالنقابة، بناء على طلب البرنامج، وتصورت أن الدكتور طارق سيقول للمذيع إنه سيبحث الحالة، أو ربما يفسر أن ما حدث خطأ من الممرضة.. لكن الصدمة أنه قال للمذيع: هذا شيء طبيعى، وهناك فرق بين المريض المصرى والمريض الأجنبى، وأن المريض الأجنبى غنى وقادر ومعاه فلوس ويقدر يدفع، وهذا حق للطبيب فى عيادته!
تامر حاول أن يساعد الدكتور طارق، ويبرر معه هذا الأمر، لكنه فشل، وانتهت المداخلة، وبالقطع سمعها الصديق المريض وسمعها كل من يشاهد الحلقة فى الخارج..
السؤال.. هل المريض (مهما كانت جنسيته) سلعة تخضع للعرض والطلب والتصنيف؟ هل تصلح هذه الثقافة فى إنجاح السياحة العلاجية التى نتحدث عنها؟ هل مهنة الطب تجيز لصاحبها أن يمارس الابتزاز هكذا دون خجل؟ هل هذا التصرف، المخجل فى تقديرى، يشجع على تحسين سمعة السياحة العلاجية التى سيستفيد منها الطبيب قبل أى مستفيد آخر؟ هل آداب مهنة الطب تجيز للطبيب أن يجبر المريض على دفع ما يريد، وإلا يبحث عن طبيب آخر، وإذا كان عاجبه؟
زيارة ميسى، والترويج للسياحة العلاجية، ودفع السياحة بشكل عام لن تنجح ما دام المناخ فيه هذه العقول، وما دامت مهنة الرحمة تحولت عند البعض إلى......!