السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

كفوا أيديكم عن أصواتنا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
متى يُدرِك عُشاق السعى المحموم وراء الشهرة، تحديدا بعض من وصلوا إلى مكانة فى السلطة التشريعية - البرلمان- أن لها اعتباراتها السياسية 
والفكرية والثقافية، أن الرأى العام أصابه الملل، بل الغضب، من المسلسل «الهابط» الذى يتخذونه وسيلة لجذب الاهتمام الإعلامى نحوهم عن طريق النهش فى جسد ومكتسبات المرأة. بعدما تحققت لهؤلاء السادة متعة تردد أسمائهم على الفضائيات والصحف نتيجة آراء وصل بعضها إلى درجة الشذوذ.. والادهى أنها صادرة عن شخصيات لا تستوعب قيمة انتمائها إلى صرح دستورى شامخ مثل البرلمان.
لا مجال لتوقف التصريحات «العنترية» لبعض النواب بداية بكشوف العذرية، الختان، فرض الملابس المحتشمة على طالبات الجامعة، خدش الحياء، إفساد الذوق العام.. بل لم يسلم من التجريح قمم الأدب والإبداع. حالة انفصال تامة يعيش فيها أصحاب هذه التصريحات عن واقع دورهم كرجال سياسة وتشريع قوانين مدنية تتسق مع التوجه العام لدعوة الرئيس السيسى عن ضرورة تجديد الخطاب الدينى والتى حظت بردود أفعال إيجابية من العالم حتى الناظرين إلى مصر بعدسات «التربص». بعيدا عن خلط الأدوار الذى صور لبعض النواب امتلاك حق توظيف الدين فى الممارسة السياسية أو إقرار القوانين التشريعية، رغم حقيقة تقاطع المسارات بين دهاليز السياسة وقداسة الدين دون أى مجال التقاء بينهما، لم يتعلموا أبسط الدروس من تجربة غضب الشارع ورفضه سرقة الوطن عبر المتاجرة بالدين رغم مرور ما يزيد على ثلاثة أعوام فقط على الثورة التى أنقذت مصر من التحول إلى «جماعة» بدلا من وطن.
اللجنة الدينية فى البرلمان تركت كل أولويات تجديد الخطاب الدينى والعمل على طرح آليات جادة تواجه تطور عالم الفضاء المفتوح فى نشر الدعوات الإرهابية، أو حلول تتبنى استيعاب شباب العائدين من براثن التنظيمات الإرهابية من سوريا وليبيا.. أزاحت كل هذه البنود الأساسية فى عملها إلى إثارة حالة جدل حول تصريح لفضيلة الشيخ على جمعة بجواز سماع الموسيقى والغناء بصوت المرأة! الذى ما زال يعتبره بعض أعضاء اللجنة الدينية «عورة» إلا إذا اقتضت الضرورة مثل عملها كمدرسة أو أخصائية اجتماعية أو فى نطاق الأغانى الوطنية فقط !. مع حالة التناقض الغريب هذه ليس بعيدا أن تطالعنا آراء تُحرِّم صوت المرأة الذى انطلق، متجاوزا فى ارتفاعه وأعداده صوت الرجل، خلال كل الأحداث الوطنية التى استدعت الحشد الشعبى أو المشاركة الإيجابية فى العملية السياسية.. ولا سمعوا عن أشهر تعبير وصفت به ابنة «طماى الزهايرة» - أم كلثوم- التى نجحت فى توحيد العالم العربى من المحيط إلى الخليج، وهو ما عجز عنه أعظم القادة والزعماء، أو دورها فى تعبئة الشارع العربى أثناء حملة المجهود الحربى.. نموذج واحد يكفى للدلالة عن قدرة وصوت المرأة.
الأغرب أنه فى مواكبة هذه القضايا المحسومة تاريخيا، سعدت بتلبية دعوة من مركز عدالة ومساندة لدعم المرأة للمشاركة فى مائدة مستديرة حول (وضع المرأة فى بلاد ثورات الربيع العربي) حال المرأة العربية بعد ستة أعوام على التغييرات السياسية التى طالت عدة بلاد وحجم المعاناة والتحديات التى واجهت المرأة. الندوة استضافت مجموعة من الإعلاميات وناشطات المنظمات المدنية والنسوية، كما لاقت دعوة د. هالة عثمان المحامية بالنقض ورئيس مجلس إدارة المركز إلى تهيئة الرأى العام إلى قبول أحقية المرأة فى تولى منصب رئاسة الوزراء، بعد كل إنجازاتها السياسية والوطنية، صدى إيجابى لدى الحضور. الناشطة الليبية أحلام بن طابون أكدت أن إقبال المرأة على المشاركة فى ثلاثة انتخابات جرت بعد سقوط حكم القذافى، كلها أقصت الجماعات الدينية، رغم ذلك نجحت هذه الجماعات فى التغلغل إلى المشهد السياسى والأمنى بدعم وتمويل دول خارجية.
تحديات المرأة العراقية بدأت منذ الحرب مع إيران.. حين تحملت بمفردها إعالة ومسئولية الأسرة فى غياب الزوج والوالد.. تتوالى بعدها صور المعاناة والانتهاكات لتبلغ ذروة الوحشية فى العودة إلى جاهلية عصر الجوارى.. حيث عُرِضت المرأة الآزيدية سلعة بين يدى عصابات داعش. المعلومات التى سمعتها من الفتاة الآزيدية نادية مراد خلال زيارتها للقاهرة بعدما طلبت من منبر الأمم المتحدة لقاء الرئيس السيسى، تجاوزت بشاعتها جميع صور العنف والقتل والنزوح إلى مخيمات.. كلها ضرائب قاسية دفعتها المرأة العراقية منذ الغزو الأمريكى. تاريخ الممارسة السياسية للمرأة فى العراق بدأ مبكرا منذ أواخر الأربعينيات.. مخزون حافل من المشاركة الجادة والواعية التى صقلتها قوة الأحزاب المدنية والسياسية آنذاك- على رأسها الحزب الشيوعي- دور يدعم عراقا مدنيا موحدا بكل طوائفه. فى المقابل لم ترتق هذه المشاركة بعد ٢٠٠٣ إلى مستوى التاريخ المعاصر، إذ رغم أن نسبة تمثيل المرأة فى البرلمان العراقى حاليا ضمن أعلى النسب بين البرلمانات، فإن دورها أصبح يدور داخل أفق ضيق من الولاءات الحزبية والطائفية على حساب الصالح الوطنى العام، رغم أن دروس التاريخ اتفقت على ضرورة الفصل بين الدين والدولة عند بناء أى عملية سياسية سواء فى العراق أو غيرها من الدول.