تطرب القبيحة لوصفها بما ليس فيها، وترقص فرحًا لسماعها عبارات الإغواء، المعسولة، عن سحر جمال، يأبى الاقتراب من ملامحها، تتمايل بدلال وخيلاء من مفردات الغزل الرخيص فى رشاقة قوامها المترهل، فالغوانى يغرهن الثناء ويسرهن الإطراء، ويلقون بأجسادهن لمن يدفع، ولو كان عابر سبيل مدفوعا بشهوة حمقاء أو نزوة عابرة، وبعد أن يرضى غرائزه يلفظها ويلقى بها على قارعة الطريق، مذمومة، منبوذة، تتسول رضا راغبى المتعة الحرام من مرتادى الحانات وعلب الليل.
فى السياسة، أيضًا، يطرب الثائرون بأجر لمديح الإعلام المتربص بالمنطقة العربية من سوريا إلى العراق، مرورا بليبيا واليمن وليس انتهاءً بمصر، هؤلاء الذين اعتلوا المشهد الصاخب، لم يدركوا وسط زهوهم بوصفهم بما ليس فيهم، أن مصيرهم سيكون مثل مصير الغانيات، الساقطات، سيلقى بهم من صنعوهم فى سلة المهملات بعد تأدية المهام الموكلة إليهم، ستلاحقهم اللعنات ويطاردهم عار الخيانة أينما حلوا، ولنا فى التأكيد على هذا القول دلائل لم تغب عن الأذهان، وإن غابت فذلك برهان على أن الذاكرة العربية معطوبة، وستظل معطوبة، حدث هذا مع أحمد الجلبى فى العراق، عندما صنعت الولايات المتحدة الأمريكية من اللاشىء، معارضا لنظام صدام حسين، ليس لجمال طلته، إنما لكى يتم استخدامه كمعارض، فى التفاوض على مستقبل دولة نهبت ثرواتها، وأنهكت قواها الصراعات والحروب، وبعد انتهاء دوره، لفظوه فاختفى ولم يسمع أحد أين ذهب؟ وماذا يفعل؟ لكنه بات موصوما بالخزى والعار.. أيضا حدث نفس الأمر مع البرادعى الذى لم ينته من مهمته المشبوهة، صنعوه فى دهاليز أجهزة الاستخبارات وروجوا له عبر رجالهم فى وسائل الإعلام، بأنه ثائر ورمز للتغيير وأبرز دعاة الدفاع عن الحريات.. إلى بقية المصطلحات الخادعة، ولأنه اصطدم برفض المصريين له، سيلقى به صانعوه لنفس مصير الجلبى.
مثل هؤلاء يعيشون فى الأوهام بفعل المديح الزائف، يصدقون أنهم مناضلون ومعارضون حقيقيون وليسوا مرتزقة مأجورين يؤدون دورا مرسوما لإسقاط الأوطان، وأنهم مجرد أدوات يتم استخدامها لإرضاء شهوات أجهزة الاستخبارات الغربية، جميعهم احترفوا التنقل على موائد اللئام فى حانات عواصم أوروبا وغرف قصور الحكم فى قطر وتركيا، من بين هؤلاء مارقة، تحالفوا مع الإرهابيين فى سوريا لأغراض دنيئة، رقصوا للإطراء عليهم وتسميتهم بالمعارضة المسلحة، هذه الفئة ستذهب إلى حيث المكان اللائق بهم «سلة المهملات».
فأثناء متابعتى لتفاصيل المفاوضات الدائرة بين روسيا وتركيا، بشأن الأزمة السورية، كان لافتا للانتباه حجم المفارقات المثيرة للغثيان، فهى تراوحت بين اتساع مساحة القبح فى أوساط من جرى إغواؤهم بشهوة الزعامة وتراجع فى سياسات أردوغان، أبرز الداعمين للإرهاب وصناعة الفوضى، تجلى ذلك بوضوح فى مساعى تركيا لإنهاء الأزمة السورية، ليس حبا فى الشعب أو النظام الحاكم، إنما للنجاة من مصير يرى الرئيس التركى شواهده فى الأفق بعد أن ساهم بحماقة فى صناعته.
«أردوغان»، أدرك مؤخرا سوء صنيعه الذى يؤدى إلى تقسيم تركيا ذاتها، وأدرك، أيضا، أن تورطه فى دعم الإرهابيين وتدريبهم ودعمهم لإثارة الفوضى داخل سوريا والعراق وغيرهما، انقلب عليه، غاب عنه أثناء هوسه بأوهام دولة الخلافة أن الخراب سيطال بلاده، وأن السحر سينقلب على الساحر، خصوصا بعد دعم الأمريكان لدعوات الأكراد بالانفصال عن الدولة السورية، وهذا يعنى اقتطاع جزء من الأراضى التى يعيش عليها الأكراد فى تركيا وسوريا والعراق وايران.. فمثل هذه الدعوات تهيئ المناخ أمام سياسات تؤدى لزعزعة استقرار الدولة التركية لارتباطها بما يجرى من أحداث مشحونة بالتوترات فى المنطقة، وهذا كاف لأن يفتح الباب على مصراعيه لإصرار قيادات القبائل وزعماء العشائر والعرقيات والقوميات المختلفة، لإعلان انفصالهم، وبالوصول إلى هذه النقطة ربما لن نجد تركيا على الخريطة كدولة موحدة، فقط ستكون مجموعة إمارات متجاورة قائمة على أساس مذهبى وعرقى، وهذا ما جناه أردوغان من دعمه التنظيم الدولى للإخوان سعيا وراء سراب صنعته فى عقله وعقولهم أجهزة الاستخبارات العالمية، لتحقيق ما نراه الآن على أرض الواقع، وهنا يكمن إصراره على عدم مشاركة الأكراد والأحزاب الداعمة لـ«داعش» فى المفاوضات الروسية التركية.
لكن المثير للدهشة أن حماقة مدعى المعارضة فى الأقطار العربية كنز لا يفنى، فهم ما زالوا منساقين لرغبات البيت الأبيض، رغم تراجع داعمهم الأول أردوغان عن السير فى نفس الطريق، بما يؤكد حماقتهم، إن لم يكن الإطراء أصابهم بلوثة عقلية، فقد غاب عنهم أن المخابرات الأمريكية التى ألقت بشباكها لاصطيادهم، هى ذاتها التى صنعت تنظيم القاعدة، بزعم أنهم مجاهدون، بالضبط كما صنعت باعة الأوطان تحت لافتة المعارضة، صنعت «داعش»، دربت عناصره، أمدته بالأسلحة المتطورة، عندما ينتهى دوره، سيكون مصيره مثل القاعدة، التنظيم الذى صورته واشنطن، ديناصورا، يهدد استقرار العالم، وكانت النتيجة أن التنظيم الذى صنع فى كواليس الأجهزة الأمنية، هو نفسه الذى أهان شرف تلك الأجهزة، جعلها عارية، دهس الأساطير التى نسجت حول قوتها.
أؤكد فى هذا السياق كما أكدت قبل ذلك أكثر من مرة، أن وصفى هؤلاء لا يعنى بالضرورة أننى أناصر بشار الأسد أو أؤيد نظامه، إلى جانب أننى لم أضبط نفسى يوما متلبسا بالتعاطف معه أو مع غيره من الحكام العرب رغم القناعات الراسخة فى ذهنى أن ما يحدث فى سوريا وغيرها من البلدان العربية هو صناعة أمريكية أوروبية، لكننى أتعاطف مع الشعب السورى، وأشيد بكافة الجهود الرامية للحفاظ على الجيش السورى ووحدة الدولة.
المتابع بدقة للشأن السورى، قطعا سيصل إلى حقيقة مؤلمة، مفادها بأن أطرافا إقليمية لعبت دورا، يصب فى صالح المخططات الغربية المعدة سلفا، أخذت منها عنوانها الظاهرى «الإطاحة بنظام الحكم فى سوريا» بدون إدراك لجوهر المرامى الغربية، خصوصا الأمريكية، أما السبب، فيكمن فى دوافع الانتقام من بشار الأسد لتطاوله على بعض رؤوس الأنظمة الحاكمة، الجميع توقف أمام طغيان الثأر الشخصى على ما سواه من أمور قد تدفع تداعياتها المنطقة بأكملها إلى الجحيم.