تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
"هتعمل إيه في ليلة رأس السنة" .. منذ قديم الأزل وأنا أتعرض لهذا السؤال المحرج في نفس ذات التوقيت .. لكن بكل أسف لم يطرحه علي أحد هذا العام .. وعندما قررت أن أأخذ زمام المبادرة وأطرحه أنا على من حولي إذا بي أواجه ضحكة استخفاف أدرك معناها جيداً وكأن المسئول يريد أن يقول للسائل "انت حمار يا حمار" ؟ .
ورغم محاولة الكثيرين إحراجي بإظهار امتعاضهم من طرح هذا السؤال عليهم .. إلا أنني مارست هوايتي التي أجيدها منذ 25 سنة حين قررت أن "أمسح بلاط صاحبة الجلالة" .. ورحت أجيب نيابة عنهم عن هذا السؤال حيث قررت أن أعمل زي الناس في ليلة رأس السنة بمعنى أنني سأستيقظ في الصباح الباكر بمعجزة المولى سبحانه وتعالى الذي يحيي العظام النخرة وهي رميم وأستجمع إرادتي الحديدية لاتخاذ قرار الخروج من تحت اللحاف .
بعدها سأرمي حمولي على الله واروح أشوف أكل عيشي أحسن تفوتني قنبلة أو يعديني انفجار أو حادثة قطار أو سيارة قلاب هنا أو هناك ، ولا تستعجبوا من جرأتي فهذه بكل أسف تفاصيل يدرك أهميتها جيداً كل من ينتسب لمهنة الحانوتية ، عذراً الصحافة ، وبعد أن يتعطف علي زملائي المناوبين في العمل أقوم بعد أعقاب السجاير التي دخنتها عقاباً لنفسي على ايه مش عارف بالضبط .
ثم أغادر العمل لأنتقل للمعاناة الكبرى التي تتمثل في طلبات البيت والأولاد .. وبطبيعة الحال ترتبط هذه الليلة ، رأس السنة ، بطلبات معينة مثل "اليوستفندي ابن عم البرتقان" واللب والسوداني و"الفسكافيه" .. ومن فضل الله أنها لا ترتبط بلحمة ضاني أو ديك رومي لأن أسعار هذه أو تلك قد يخرجنا عن الملة وسنعتبرها جميعاً بدعة على طريقة أخواننا السلفيين الذين يسخرون أكثر وقتهم لإطلاق شئين رئيسيين : ذقونهم والفتاوى المغيبة للعقل والمنطق والتي تحاول تشويه صورة الدين السمح لكن الله يأبى إلا أن يتم نوره .
وبعد شراء ما تيسر من البيض والخبز الحافي وعلبة تونة ، لزوم الشبرقة والفشخرة ، أعود للمنزل ملقياً عضلاتي المترهلة وجلدي المنهك على أقرب كنبة أو سرير يصادفني .. وسأترجى أسرتي الحبيبة إلى قلبي ليمنحوني جرعة من النوم في هدوء بعيداً عن اقتحام صومعتي التي أشتاق فيها للنوم كما يشتاق الورد "للبوعليق" على رأي "اللمبي" .
وعندما يرق قلب "سيدة القصر" علينا بتحضير العشاء ، الذي لا يحتاج أصلاً أكثر من 10 دقائق ، سيتولى الأبناء "الأحناء" مداهمة غرفة نومي ليصرخوا في أذني التي تحولت هي نفسها إلى "عش للغراب" ليخبروني بأن "الأكل جهز" .
وبعد التهام كل ما تقع الأيدي عليه من الطعام سآوي إلى الفراش في انتظار كوب الشاي الثقيل الذي تنوء بحمله البعير أطالب بحقي فيما تيسر من السوداني الذي أقوم بدغدغته بكسارة البندق ، عصارة الليمون كما يحلو للبعض تسميتها ، رأفة بأسناني المتهالكة محاولاً الاستحواذ لبضع دقائق على الريموت كنترول لأتنقل بين الفضائيات لئلا يفوتني خبر وقوع انفجار هنا أو هناك أو عساي أجد خبراً ساراً .. وكالعادة ستنتصر إرادة الأبناء في قنص الريموت والتحويل على قناة "سبيس تون" ..
وعند هذا الحد ستنقح علي كرامتي وأطالب بحقي في "اليوستفندي" فأنقض عليه كما ينقض الذئب على الفريسة حتى تقترب عقارب الساعة من الثانية عشر إيذاناً برحيل العام 2016 وعندها أقوم أتوضأ لأصلي ركعتين لوجه الله العلي القدير وأردد الدعاء التالي :
ـ اللهم اجعل أول عامنا الجديد بركة وأوسطه أمنا وأخره رحمة للعالمين
ـ اللهم ارض كل منا بما قسمت له أو اقسم لنا ما يرضينا
ـ اللهم ولا تحمل خلقك ما لا يطيقون انك بهم لراحم وعليهم لقادر
ـ اللهم طهر قلوب الحاكمين و"جيوبهم".. وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
بعدها أشعر بالراحة التي لا تعادلها أموال الدنيا كلها بعد ما أكون عملت زي الناس ما بيعملوا
خير الكلام
(وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)