أطلق د. عباس شومان، وكيل الأزهر، ود. الهلالى الشربينى، وزير التربية والتعليم، المرحلة الخامسة من مبادرة «الأزهر يجمعنا» بعنوان: «باسم أديان السماء.. لا للعنف لا للدماء»، وذلك من مدرسة زين العابدين المشتركة للتدريب المزدوج. وقال د. شومان إن هذه المبادرة تستهدف تكوين جيل جديد يبنى ويعمر لينعم بخيرات بلده، وتحصين هؤلاء الشباب من فكر الجماعات المتطرفة التى تستهدف الشباب وتغرر بهم وتبث فى عقولهم مفاهيم مغلوطة من أجل تجنيدهم للبغى والإفساد فى الأرض وقتل الأبرياء من أجل مصالح خاصة بتلك الجماعات التى لا علاقة لها بالإنسانية ولا الأديان السماوية..!!
عنوان المبادرة جميل، وعنوان المرحلة الخامسة أجمل، لكن ذلك فى تقديرى لن يحل مشكلة التطرف الفكرى والإرهاب الذى يقتل الناس، والمؤكد أن مجرد التصريحات والمؤتمرات والكلام أمام الشاشات لن يبنى جيلًا جديدًا قادرًا على التصدى لهذا الفكر المتطرف ونحن بعد كل مؤتمر وكل مبادرة نعود أدراجنا ونسير على قديمه حتى تطل علينا جريمة بشعة تأخذ بلباب العقول وشغاف القلوب بعد أن تسيل دماء الأبرياء فى الشوارع وأمام المساجد وداخل الكنائس!
وأعتقد جازمًا أن تحصين الشباب الغر الذى نخاف عليه الآن لن نتمكن منه طالما منابع الفكر المتطرف قائمة، وطالما كتب التطرف على الأرصفة وداخل كبرى المكتبات، وطالما صوت التطرف والتشدد يشنف الآذان فى الشاشات وعبر مكبرات صوت المساجد والزوايا المنتشرة فى كل مكان فى بلدنا المحروسة، وطالما خطاب الكراهية يسرى مسرى الدم فى عروق بعض مشايخ ودعاة هذا الزمن الرديء، وطالما حالة النكران من مؤسساتنا الدينية (مسلمة ومسيحية) وعدم الاعتراف بوجود فكر متطرف، ووجود أشخاص متطرفين يتصدرون مشهد الخطاب الدينى، وطالما نلتفت عن مصادر التجنيد التى تتم تحت أعيننا، و«نطنش» عن ملاحقة مصادر التمويل التى تخرق عيوننا فى جمعيات شرعية على كل شكل ولون تتمتع بحماية قانونية وتفرض هالة دينية حولها تمنع الاقتراب منها، وطالما شيوخ ورؤوس الفتنة ينبحون على المارة فى كل مكان، وطالما تكتفى مؤسساتنا الدينية بالقول إن هذه الجماعات لا علاقة لها بالإنسانية ولا الأديان!
الإرهاب والتطرف يجتاحان العالم، وتجنيد الشباب يتم على قدم وساق بفتاوى ونصوص من كتب قديمة ما زالت تُدَرس فى جامعاتنا وكلياتنا، ونحن محلك سر فى قضية تجديد الخطاب الدينى وتصحيحه، رغم الاعتراف بخطورة التطرف الفكرى والتشدد الدينى، واستخدام عباءة الدين فى كل ما يجرى من قتل سواء القتل كان للمسلم أو المسيحى أو من لا دين له.. فالقاتل بعد القتل يكبر ويهلل «الله أكبر»، وما كان له أن يقول ذلك إلا بتفاسير خطأ وآراء خطأ كان لها زمانها الذى انتهى ومكانها الذى تغير!
إذا كنا جادين فى حماية الجيل الصغير الذى يتحسس طريقه ويتعرف على منهجه فليكن برؤية علمية وعقل مفتوح لا يعرف للتابوهات سبيلا، ولا للعقل الرجعى طريقا.. على الأقل فى المناهج التى يتعلمون منها لأننا إذا تركنا الحال كما هو عليه فنحن بصدد مشاريع أجيال متطرفة ومنحرفة التفكير ومشوشة الفكر! شومان حذر الشباب - بعد أن طمأنهم أن الأزهر يواجه كل الأفكار المتطرفة بقوة ويتصدى لها - من الاستماع للذين يعملون على تشويه صورة المناهج التى تدرس للطلاب بالمعاهد والمدارس والجامعات ويحاولون إقناع الناس بأنها سبب فى الإرهاب الذى تعانى منه مجتمعاتنا.. مشددًا على أن المناهج فى مصر خرجت علماء وعباقرة وتتسم بالوسطية. وكيل الأزهر شغل نفسه بالدفاع عن المناهج بدلا من الاستماع إلى من يقولون إن مناهج الأزهر تحتاج تنقية ومراجعة، واهتم بإقناع الناس بأن هذه المناهج خرّجت علماء وعباقرة يتسمون بالوسطية.. يا دكتور هذا كان فى وقت يختلف عن وقتنا الذى أصبح فيه التطرف صناعة تستعين بما فى الكتب من أدوات وبما للفتاوى من تأثير، وأخيرًا هل استطاع هؤلاء العلماء تحصين العقول من التطرف بما تعلموه من وسطية؟
القضية أكبر من مؤتمرات وكلام وشعارات، وأخطر من السكوت عليها، والتأخر فى عملية التصحيح والتجديد سيحولها إلى كرة لهب تحرق كل شيء فى وقت لن ينفع فيه الندم!