السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

حوارات

"بهجوري" في حواره لـ"البوابة نيوز": رسمت كاريكاتيرًا لـ"السيسي" ولم يغضب.. و أحب المرأة الذكية ولا أنسى حبيبتي الباريسية الأولى.. ومصر لا تحتاج "ثورة ثالثة" وسقوط "الإخوان" أعاد لنا الروح

قال إن ريشة الفنان أقوى من السلطة

 جورج بهجورى
جورج بهجورى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى باريس استعاد روحه المفقودة، لكنه لم يفقد مصريته الأصيلة، رسم عبدالناصر كاريكاتيرًا، وسخر من السادات، وصودرت أعماله فى «ثلاثينية مبارك».
حكايته لا تنتهى.. أحب أم كلثوم، لكنه رآها خالية من مقاييس الأنوثة، وصادق نجيب محفوظ، واختلف مع صلاح جاهين، ولعب الكرة مع ناجى العلى.
كل هذه الخبرات صنعت «جورج بهجورى»، الرسام المبدع، والنحات المبدع، وأيضًا الممثل السينمائى الذى وقف أمام الكاميرا فى السينما الفرنسية. يقول: اهتماماتى الفنية لا تقتصر على الرسم التشكيلى والكاريكاتير فحسب، بل إننى صممت العرائس ونقشت على السيراميك وكتبت الروايات والسيناريو. قد يقول البعض إننى متعدد المواهب، وهذا التصنيف لا يهمنى بالدرجة، فالفن إجمالا متصل ببعضه بعضًا، وكلما كان الإنسان ذا خيال كان ممكنًا أن يبدع فى مختلف المجالات.
■ لماذا تجاهلت الحديث عن تجربتك كممثل؟
- لا أعتبر نفسى صاحب تجربة فى التمثيل، الأمر جاء بمحض الصدفة ولم ينجح، لذلك لا أميل إلى الحديث عنه.
حدث أننى قلت فى دردشة إننى أود التمثيل فى فيلم فرنسى، ففوجئت بمخرج العمل يطلب منى الاستعداد لدور شخص عربى يعيش فى فرنسا ولا يتقن الفرنسية بطلاقة، ورغم أن الجمهور استقبل الدور بترحيب، إلا أننى أصنف نفسى باعتبارى ممثلا فاشلا.
■ الطفولة هى المرحلة التى تنصهر فيها شخصية الفنان.. فماذا عن بدايتك؟
- عشت طفولة قلقة، فى مسقط رأسى مدينة بهجورة، وانتقلت منها إلى الأقصر ثم المنوفية، وهذا التنقل الدائم جعلنى قلقا نوعًا ما، لكن هذا القلق من جهة ثانية يجعل النفس الفنية مؤهلة للإبداع.
تقديرى أن التجارب الصعبة هى التى تصنع المبدع الأصيل.
رحيل أمى عن الدنيا وأنا فى الثالثة من العمر، وشعورى بالغربة واليتم، وحياتى وسط إخوتى الأكبر سنًا، من دون تواصل مع عائلتى، كلها عوامل جعلتنى طفلا حزينا ميالا إلى الصمت والتأمل، وهذا التأمل يؤدى إلى تخزين التجارب والتفكير فيها ومنحها مدلولات معنوية، تصنع فى النهاية الشخصية الفنية.
كما أن التنقل من بلد إلى آخر فى الإقليم المصرى ساهم فى فتح مداركى مبكرًا، فمصر بيئة ثقافية ثرية، وكل محافظة لها موسيقاها وفنونها وآدابها، وهذا بالطبع يؤثر إيجابيا فى إثراء التجربة.
ثم جاءت «الهجرة الأكبر» إلى فرنسا قبل ثلاثين عامًا، حيث أعيد تشكيل الوعى كليًا، غير أننى رغم المهجر الطويل لم أقطع جذورى الثقافية بمصر، والأكثر من ذلك أننى ما زلت متمسكا بلهجة الجنوب حيث ولدت ونشأت.
الذين يهجرون تراثهم الثقافى يعانون من فقد الهوية، وهناك فنانون سافروا إلى أوروبا فحاولوا محاكاة الأنماط الفنية الشائعة فإذا بهم يصبحون بلا شخصية.
■ لكنك تأثرت بفرنسا ثقافيا دون شك؟
- فى باريس اكتشفت مفهوم الحرية بشكل عميق، وبالتحديد حرية المرأة.
المرأة الفرنسية أعظم منجز حضارى فى القارة الأوروبية، ورغم جذورى الصعيدية قررت أن أكتشف هذا «الكنز الحضارى».
فى البداية كانت خطتى أن تكون رحلتى مؤقتة، لذلك عملت مراسلا لمجلة «روز اليوسف»، لكنى مع الوقت شعرت بالرغبة فى البقاء فى بلاد «التنوير»، ثم تعرفت على فتاة فرنسية سلبتنى عقلى فعلا، كانت آية فى الحسن والذكاء.
■ كثيرون يكرهون المرأة الذكية؟
- دعينى أكمل.. أحببت تلك الفتاة، أعجبنى تحررها، صادفت ثقافتها هوى فى نفسى فأنا بطبعى متمرد على القيود، ورغم أن الأقدار حرمتنى الزواج منها، إلا أننى لم أنسها.. طيفها لا يزال حاضرًا فى وجدانى رغم زواجى من أخرى.
أما بالنسبة للذين يكرهون المرأة الذكية فهم الرجال الأغبياء، كونها تظهر لهم ضعفهم وتفاهتهم.
الفنان الحقيقى لا يستطيع أن يبدع بعيدًا عن المرأة، هى صانعة الحضارة حقًا، وتاريخ الفنون والآداب مرهون بها دائمًا.
إن النحات أو الرسام لا يستطيع أن يخرج بعمل مبهر من دون التمعن فى تفاصيل جسم المرأة، الاتساق بين التفاصيل يصنع حالة جمالية شيقة، المعنى هنا ليس حسيًا، والمؤسف أن المجتمع يرتد للخلف من ناحية نظرته إلى الأنوثة.
■ هل كنت ترى أم كلثوم «امرأة جميلة» حتى تقيم معرضا خاصا بها؟
- أم كلثوم كانت جميلة العقل، الذكاء الذى تمتعت به يطغى على مظهرها الخارجى، لم تكن حسناء بمقاييس الجمال، ولم تتمتع بجسم مثالى على شاكلة التماثيل الفرعونية والإغريقية مثلا، لكنها جسدت صورة مصر فى إبائها وعزتها.
كنت أطارد «الست» وأتودد إليها باستمرار، وفى مرة أرادت أم كلثوم أن تتعرف علىَّ، وكانت تلك اللحظة نقطة تحول فى حياتى لتحقيقى جزءا من أحلامى بالتقرب لكوكب الشرق، وكان آخر لقاء جمعنا بفندق شيراتون وحضره كمال الطويل، الذى كان يلحن لها أغنية جديدة، لكنها لم تخرج إلى النور لرحيلها.
■ دائما ما أثارت رسوماتك مشكلات مع السلطة.. فهل تعتبر نفسك فنانًا ثوريًا؟
- كانت رسوماتى حاضرة دائمًا فى مواجهة الأزمات والأوضاع المثارة بالشارع المصرى، لم أكن أرسم لأرضى الحاكم.
الأمر له علاقة بطبيعتى المتمردة التى تحدثت عنها، لذلك لم أكن من المرضى عنهم فى السلطة، لكننى كنت منحازًا إلى الشارع.
■ هناك حديث بأن مصر «حبلى بالثورة».. فكيف تقيم الأمر؟
- الأوضاع التى يمر بها الشارع المصرى لا تحتاج إلى ثورة ثالثة، لأننا استطعنا من خلال ثورة ٣٠ يونيو أن نتخلص من أكبر أزمة كانت تعانى منها مصر كانت ستؤدى بها إلى الدمار والانهيار.
جماعة الإخوان كان يجب أن تسقط، إنها فصيل ظلامى إرهابى، وما نعانيه الآن هو مخلفات الفساد التى يجب أن نمحوها بالعمل والإصرار على النجاح.
■ هل ترى أن الفن التشكيلى قادر على صناعة الوعى المرغوب فى الشارع المصري؟
- هناك غياب لدور الدولة فى توعية المجتمع بأهمية الفن التشكيلى، ونظام مبارك اعتاد على تصدير صورة تافهة عن الفن والفنانين التشكيليين، هذا بالإضافة إلى تدنى منظومة التعليم وغياب الوعى الثقافى، وسوء الحالة الاقتصادية، التى تشغل الناس عن الانتباه لأهمية الفن التشكيلى.. أعتقد أن الأمر ليس سهلا.
■ ربطتك صداقة بالراحل ناجى العلى.. فهل تحدثنا عنه؟
- كان من أعظم الشخصيات التى قابلتها بحياتى، وكان أول لقاء بدمشق من خلال ملتقى جمع أهم فنانى العالم العربى، وكان العلى هو قائد تلك الكتيبة التى كان يبث فيهم دائماً أنهم قوة يخافها الحكام، ويزرع بداخلهم روح التمسك بحرية فنهم وإبداعهم، وكان ذا رأى وطنى واع، ويتمتع بشعبية جماهيرية كبيرة بدت واضحة فى استقبال الجمهور له، وكان دائم التذمر من الأوضاع التى يمر بها وطنه فلسطين، ويتمتع ببساطة يصحبها عنف.
ناجى العلى كان طاقة ثورية متجددة، لذلك لم يكن غريبًا أن يغتالوه، إنه فنان ثائر، رسوماته تحرك الغضب العربى من الاحتلال والأنظمة الفاسدة معًا، والحقيقة أن رسامى الكاريكاتير هم أكثر الفنانين عرضة للتصفية الجسدية فى العالم، فالحاكم الديكتاتور لا يخاف شيئًا بقدر خوفه من ريشة الفنان.
■ ماذا عن صداقتك لنجيب محفوظ؟
- أحببت الراحل لبساطته وتواضعه، كان يمكن لأى شخص التحدث معه بسهولة، وكان يصغى للجميع باهتمام رغم كونه رمزًا أدبيًا عالميا كبيرا، تواضعه ترك أثرا طيبا فى نفس كل من اقترب منه، هذا بالإضافة إلى أنه كان حاضر البديهة يطلق النكتة فى ثوان، لكن نكاته كانت شديدة العمق.
محفوظ نموذج الإنسان المصرى الحكيم، مبدع ومشرق ومتواضع وساخر.
بداية علاقتى وإياه حينما جمعنا لقاء بمنزل توفيق صالح، حيث اعتاد محفوظ الذهاب له أسبوعيا لتناول العدس والعيش المحمص، وعندما دخلت عليه فوجئت به يقف ويعانقنى ويتحدث عن رسوماتى.
هكذا أذاب الجليد منذ اللحظة الأولى، وتولدت صداقة قوية لم تنته إلا برحيله.
■ كيف تابعت تصريحات النائب أبوالمعاطى مصطفى بضرورة محاكمة الأديب الراحل بتهمة خدش الحياء؟
- أقول له: «عيب عليك».. هذا يكفى لا أريد التحدث عن هذه الأشياء التافهة والجاهلة.
■ لك خلاف شهير مع الراحل صلاح جاهين.. فما أسبابه؟
- الشاعر الكبير صلاح جاهين، وهو بالطبع كبير، اقتبس بعض أفكاره الأدبية من كتاب «ألف نكتة» الذى يحتوى على رسومات لفنانى العالم، وعمل على تمصيرها، وعند مواجهته بتلك الواقعة تهمنى بعدم فهمه.
هذا ما حدث لكن الأمر لم يكن خلافًا أو صدامًا بالمعنى المتعارف عليه.. لكنى ما زلت عند رأيى.
■ ألا تشعر بالمرارة لأن الدولة لم تكرمك؟
- أشعر بالاستياء، لكن هذا طبيعى فأنا لم أتقرب إلى السلطة فى أى مرحلة، ويكفينى أننى انحزت دائمًا للبسطاء من أبناء الشعب.
كما أننى حظيت بتكريم الكثير من دول العالم.
■ لكن وطنك أولى بتكريمك؟
- لا تعليق.. هذا موضوع ليس بيدى، غير أننى واقعيا لا أنتظر التكريم مكتفيا بحب الناس وصدقى مع نفسى.
■ سخرت فى رسوماتك من الرئيس الراحل أنور السادات.. فهل ترسم الرئيس السيسى الآن؟
- أحب رسم وجه الرئيس السيسى، ورسمت له بورتريه فى معرضى الأخير، وجعلته شخصية المعرض،
وحاولت توصيله له غير أننى لم أستطع. كما رسمته كاريكاتيرًا وانتظرت تعليقه لكنه لم يفعل، هذا يرجع إلى أنه لم يغضب على الأرجح، وهذا هو المطلوب، فليس ممكنًا أن يغضب المسئول حتى لو كان بدرجة رئيس جمهورية من حرية التعبير.