بالجبة الأزهرية، والعمامة البيضاء المعروفة، جلس الشيخ نزيه مقرئ منطقة شبرا أكبر وأعرق الأحياء القاهرية، فى سرداق عزاء، للوهلة الأولى تعتقد أنه عزاء أحد أقاربه أو أصدقائه المسلمين، إلا أنه بعد تدقيق النظرات خلف الشيخ تجد الصليب وصورة السيدة مريم على فراشة السرادق، لكن الحقيقة أن تواجده كان لتقديم واجب العزاء فى وفاة أخي صديقه.
بهذه المشاهد ترى أكبر ملاحم اللحمة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد لن تراها إلا عبر أم الدنيا كرد عاجل وفوري منهم تجاه الحادث الأليم الذي أغضب مسلمي ومسيحيي مصر، والذي وقع الأحد الماضي راح ضحيتها عشرات من القتلى والجرحى من المسيحيين.
لم تكن هذه الجلسة للمرة الأولي لكن اعتاد صاحب الزي الأزهري، على تقديم واجب العزاء لأصدقائه وأقاربه من الأقباط في شبرا ولكن المفاجأة هى طلب صديقه القبطي المقرب شقيق المتوفى قراءة القرآن الكريم بصوته العذب.
يروي نزيه في حديثه لـ"البوابة نيوز": "أول ما دخلت العزاء قعدت في أوله نظرا لحالة الزحام الشديد الذي كان يعاني من السرداق، وفجأة طلب مني صديقي المسيحي اسمه الخواجة، رفضت في البداية واندهشت من الطلب، لأن الموضوع ده ما حصلش قبل كدة في شبرا، أو فى أى حتة فى مصر أو في العالم كله".
ولكن صديقه الخواجة زاد إصراره في الإلحاح على قراءته للقرآن الكريم داخل العزاء، رافعًا شعار الوحدة الوطنية مضيفا: "بعدما طلب مني سكت وبدأت في تناول الشاي وظللت ساكتا، ولكنه لم يهدأ وأخذ الميكرفون وقال للناس: أنا باطلب من الشيخ نزيه إنه يقرأ آيات من القرآن الكريم".
وتابع: "لحظات مرت عليه كالجبال وبعدها جاء خمسة أفراد وحملوني إلى الكرسي لأبدأ في القراءة، وسحب الميكرفون تاني عشان نوِّري الدنيا كلها إن مصر فيها وحدة وطنية، وإننا بنحب بعض، ومافيش فرق بين مسلم ومسيحي في شبرا".
لم يخطر ببال صاحب الـ39 عاما، أن يتعرض لهذا الموقف، حيث قال: "أنا اتفاجئت بطريقة بشعة ولم أتوقع أن يحدثي مع هذا ولكن، استسلمت للأمر الواقع وبدأت في ترتيل أربع آيات من سورة مريم من الآية رقم 26 من سورة مريم، (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ، قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا)، حتى الآية رقم 36، من نفس السورة، والتي تقول، (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ)، واستمرت التلاوة لمدة 10 دقائق فقط".
وردود فعل الحاضرين لم أتوقعها يومًا، وواصل: "وفجأة لحظت الكاميرات تتجه نحوي وهذا زادني إحراجًا وحملًا لم أحمله من قبل، ولكن لمحت الفرح والانبساط في وجوه المعزين من المسلمين والأقباط، وفي هذه الأثناء كانت الفرحة تغمرني بأني قرأت القرآن داخل عزاء للمصلين".
ووجه الشيخ، رسالة للعالم أجمع ولأهل مصر خاصة، مشددًا على أن منفذ العملية إنسان جاهل بدينه ودنياه، ونزع الله من قلبه الرحمة، مقدمًا العزاء لكل الأخوة الأقباط والمصريين جميعًا، مؤكدًا أن الحادث مأساة كبرى لكل مصري غيور على بلده"، وأنهى كلامه بـ"يحيا الهلال مع الصليب" رغم الحاقدين.