أيام قليلة ويهل علينا مناسبة يُجلها العالم الإسلامي أجمع، المولد النبوي الشريف، تلك المناسبة التي ولد فيها أشرف خلق الله، ومعلم البشرية، وناقلها من الظلمات إلى النور.. محمد بن عبدالله بن عبد المطلب، تلك المناسبة التي –من المفترض- أن تكون عظة وعبرة لكل أهل الأرض، نتخذ من سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم نبراسًا لنا، ومواقفه وأحاديثه مرشدًا لنا في دنيانا، املًا في حال أفضل، وقوام في النية والعمل على حد سواء، ولكن ومع تطور الزمن استن المسلمون سنة "حلاوة المولد" بدون أي سند، ولكن مع تراكم السنوات أصبحت شيء أساسي في تلك المناسبة، لدرجة حتى أكبر من مراجعة سيرة النبي، أو الاقتصاء بصفاته وسما أحاديثه التي أفادت العالم أجمع.
في البداية ومن شارع طلعت حرب، تتحدث مها ماجد من أمام أحد المحلات الكبرى
التي تبيع حلاوة المولد حيث تقول: "كنت أعلم أن كل حاجة غليت، خاصة الحلويات
لأن السكر غلي، وبالتالي لابد من زيادة أسار الحلويات، لكن لا يمكن بأي
حال من الأحوال أن تصل الأسعار إلى درجة أن تكون سعر العلبة يساوي مرتب
ابني، أنا مرتب ابني 850 جنيها، وهنا العلبة تقريبًا بنفس القيمة، هل هذا
يمس العقل في أي شيء، هل هناك أي منطق في أن يكون مرتبي ثمن علبة حلاوة،
نحن نقتل الشباب ألف مرة والله بهذه الأسعار، لأنه ببساطة ابني يعبر من هنا
ويرى من يستطيع شراء العلبة وهو لا يقدر على شراء قميص جديد إلا في
التخفيضات.
ويقول هيثم أبو كامل، 28 سنة، أنا كنت أعلم أن الدنيا بتغلى،
ولكنني لا أعلم أن الدنيا اتجننت، فما يحدث جنان حقيقي ورسمي، فكيف يكون
مرتبي لا يكفي شراء علبتين حلاوة، ثمن مجموعة من القطع لا يمكن لمرتبي أن
ينافسهم، أنا أقسم بالله أصابني اليأس من الوهلة الأولى، وشعرت أنني ليس من
حقي الانبساط كغيري من الناس، ولكن هذا قدرنا والحمد لله.
وعلى الجانب
الآخر.. يقول فهد السيد، الطالب بالجامعة الأمريكية، أن ما يحدث أمر طبيعي
في ظل عدم رقابة الأسواق، او على الأقل اصدار قوانين تحدد مكسب التجار
بنسبة ما، ففي بعض البلدان يحدد القانون نسبة هامش للربح لا تتعدى 35%،
ولكن بهذه الأسعار والغلاء الفاحش لا أعتقد أن هامش الربح يقل عن 50%، وهو
ما يقع على كاهل المواطن بمزيد من البؤس قبل الغلاء، وهو ما يهدم المجتمع
برمته، فزيادة الفجوة بين الحاجة والاستطاعة يولد في جوف الناس العجز
والكراهية وهو ما لا يساعد في بناء أي وطن.
وفي السياق نفسه، تقول سمية
سامي، طالبة بجامعة القاهرة، أن حلاوة المولد أصبحت ضمن قائمة طويلة عريضة
بعنوان "لمن استطاع إليه سبيلًا" فملابس الشتاء والصيف بالمناسبة كانت على
رأس القائمة، أسعار العقارات والأثاث والأكل السليم الغير مسرطن وأشياء
أخرى كثيرة، لكن الفكرة أن الكل تحت شعار "لا للرقابة"، وهذا هو السبب
الرئيسي وراء كل الزيادة الغاشمة التي تزيد حتى عن سرعة اجتهاد المواطن
بعشرات الأضاف، والحل هنا الرقابة على التجار، والحد من شراسة رغبتهم في
المكسب.
ومن السيدة زينب.. حيث بياعين الحلاوة الذين يفترشون الميدان
سنويًا، ومن بين زحام المارة اللا المشترين.. تجد أم هالة التي تضرب كف على
كف بعد سؤالها أحد مفترشي الرصيف أن سعر علبة مشكل كيلو الحلاوة لتقول: كيف
يمكن أن أشتري علبة حلاوة من على الرصيف بـ 350 جنيها، هو المعاش فيه كام
350 علشان أصرف منهم على الحلاوة، لازم الوزير المسئول يعرف أحوالنا وظروفنا
عشان نعرف نعيش، لأن ببساطة السلع في مصر كلها للفرجة فقط وليس الحلاوة
فحسب.
ويقول هنداوي حسان، أحد الباحثين عن سعر أفضل – على حد قوله-
ليقول: أنا أبحث عن سعر أفضل، لا يهمني الجودة أو حتى مدى ضر المنتج على
الصحة، فكل شيء شبه بعضه، المهم هو علبة حلاوة نفرح بيها العيال، وربنا يسهل
وأقدر ألاقي علبة لا تتخطى 150 جنيها، وحتى ولو معمولة من تراب، فالولاد في
البيت معتادين على الحلاوة كل عام، ومش ممكن أحرمهم من اللحمة والفراخ
والمصيف وكمان الحلاوة.. ربنا يرحمنا برحمته.