كشفت نتيجة الانتخابات الرئاسية فى الولايات المتحدة سقوطا مدويا للإعلام الأمريكى الذى دائما يصف نفسه بالحر، وأنه محايد ويعمل من أجل المصلحة العامة، من منطلق التزامه بالموضوعية، وكل القيم المهنية التى تحكم الأداء الإعلامى، حيث أكدت وسائل الإعلام انحيازا متعمدا للسيدة هيلارى كلينتون طوال الحملة الانتخابية، ما يعكس وجود مصالح ما بين الديمقراطيين والمؤسسات الإعلامية التى هاجمت دونالد ترامب طوال الحملة الانتخابية، وبات هذا واضحا فى مواقف كبرى الصحف الأمريكية مثل «يو إس إيه توداى» و«نيويورك تايمز» و«فورين بوليسى» وغيرها، وفى الوقت نفسه فشل الإعلام فى التعاطى أو فهم إرادة المجتمع الأمريكى.
ومما لاشك فيه أن ترامب انتهز هذه السقطة الإعلامية فى واحدة من أعرق ديمقراطيات العالم، أو هكذا يقال، وحاول اللعب على فكرة التغيير من منطلق أن منافسته هى امتداد لفشل الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما فى ضمان الاستقرار والأمان للمواطن الأمريكى، فضلا عن الفشل المتمثل فى السياسة الخارجية، وكانت هيلارى كلينتون رئيسة للدبلوماسية الأمريكية، التي حدث خلال عهدها تغير نحو عدم الاستقرار السياسى فى العديد من دول العالم، لا سيما منطقة الشرق الأوسط تحت ما سمى بالربيع العربى، وما زلنا حتى اليوم نرى استمرار الصراع فى العراق وسوريا واليمن وليبيا فى إطار مخطط إعادة رسم الخريطة السياسية للعالم العربى!!
ونلاحظ أن دونالد ترامب أثبت بوضوح أن الإعلام الأمريكى قد أكد أنه أبعد ما يكون عن الحياد، ثم لا بد أن نتحدث عن دور جماعات الضغط، وفى مقدمتها اللوبى الصهيونى الذى يسيطر بلا شك على إمبراطوريات الإعلام الأمريكية من صحف وإذاعة وتليفزيون، فالعلاقة بين الإدارة الديمقراطية متمثلة فى أوباما أثبتت وقوفا وتحيزا تاما لإسرائيل، فضلا عن العلاقة الوثيقة بين هيلارى كلينتون منذ أن كانت سيدة أمريكا الأولى واللوبى الصهيونى، وبالطبع إسرائيل!!
والغريب أن الإعلام الأمريكى لم يدرس أولويات ترامب من خلال برنامجه الانتخابى، وركز على عيوب ترامب الشخصية، وتم التأكيد أنه يمينى متطرف، ويميل للعنصرية، ويحتاج ثباتا انفعاليا فى كثير من المواقف، وفى نفس اللحظة أهمل الإعلام الأمريكى التغاضى عن عيوب كلينتون، وسجل الفضائح التى لحقت بها مثل فضيحة بريدها الإلكترونى، وما قيل إنها تلقت رشاوى لدعم حملتها الانتخابية من جهات خارجية مثل قطر!!
ولم يهتم الإعلام الأمريكى بالمواطن، وهو ما ركز عليه ترامب، بعبارة أخرى راهن ترامب على الأصوات التى لم تحسم موقفها فى اللحظات الأخيرة، الأمر الذى جاء لصالحه بعد ثقة مطلقة من قبل المعسكر الانتخابى الآخر فى فوز هيلارى، وبالتالى هذا يؤكد الشكوك فى نتائج استطلاعات الرأى التى أجريت فى الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية!!
إذن الإعلام الأمريكى أهمل ما يمكن تسميته أمريكا العميقة، وهى التى حسمت المعركة الانتخابية لصالح ترامب، بينما فشلت النخبة السياسية بكل ما تملكه من آليات إعلامية فى جعل الناخب الأمريكى يصوت لصالح كلينتون!!