السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الجانب المضيء في صعود ترامب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فرحة عارمة فى الأوساط المصرية، توجس على المستوى العربى الرسمى، حذر أوروبى، تطلع روسى صينى للتعاون، صدمة فى قطر وتركيا، المخاوف تسيطر على الإخوان من إدراجهم فى قائمة التنظيمات الإرهابية.. كلها عناوين طازجة، اختصرت ردود الفعل الإقليمية والدولية على المستويين الرسمي والنخبوى، حول نتائج الانتخابات الأمريكية التى أسفرت عن فوز المرشح الجمهورى «دونالد ترامب»، على منافسته «هيلارى كلينتون»، مرشحة الحزب الديمقراطي، فى واحدة من أهم المفاجآت، فى ظل الاكتساح الإعلامى غير المسبوق لكلينتون، حتى قبيل إعلان النتائج بدقائق.
بعيدا عن الهرتلات و«الهرى الفيسبوكى»، كان لافتا للنظر حجم السطحية فى ردود الفعل، وحصرها فى زاوية رؤية ضيقة لا تتجاوز حدود الشماتة، على طريقة مشجعى كرة القدم، نكاية فى الجماعة المارقة، كما علق البعض آمالا على قاطن البيت الأبيض الجديد.
هنا، لا بد من الإشارة إلى بعض الحقائق الغائبة عن أذهان الشامتين فى هزيمة «هيلارى كلينتون»، والمهللين لنجاح «ترامب»، مفاد ما أود الإشارة إليه، يدور فى فلك التفرقة بين المرشح ترامب والرئيس ترامب، فالمرشح يطلق العنان لرؤيته، كما أنه لا يدخر جهدا فى توجيه ضرباته المميتة لخصومه، بهدف كسب الناخبين، أما الرئيس فهو مسئول منضبط تخضع كلماته وتصريحاته للتحليل والتفسير، باعتبارها ترجمة لسياسة الدولة وتوجهاتها، المرشح يقول ما يريد، تماشيا مع مبدأ برجماتى، «اللى تكسب به العب به»، أما الرئيس فلا تحكم توجهاته الأهواء الشخصية والمطامح الذاتية، كما أن تصرفاته محكومة بمصالح الدولة العليا وأمنها الاستراتيجى، هو لا يخضع للابتزاز، لكنه يستطيع المواءمة بين الضرورات والأوضاع الطارئة.
الولايات المتحدة دولة مؤسسات ورؤيتها فى القضايا الخارجية لا تتغير حسب توجهات قاطن البيت الأبيض، أيا كان اسمه.. أوباما، بوش، كلينتون، فهناك دوائر مؤسسية ومراكز بحثية هى وحدها التى تحدد الإطار العام لتوجهات أكبر دولة فى العالم، أما رؤية الرئيس، فتكمن فى قدرته على التكتيك لتنفيذ استراتيجية الدولة، مثلما حدث مع أوباما وقبله جورج دبليو بوش، وسوف يحدث مع أى رئيس قادم.
المثير للدهشة أن التعامل مع الانتخابات الأمريكية جاء ترجمة لمشاهد الاتهامات المتبادلة بين ترامب وكلينتون أثناء السباق، وتوعد ترامب بتقديم منافسته للمحاكمة، جراء تورطها فى تعريض المصالح الأمريكية للخطر.
رغم أن الاتهامات حملت قدرا من الوقاحة غير المسبوقة فى تاريخ الانتخابات الأمريكية، لما تضمنته من انتهاكات الطرفين للمسالك الشخصية، وإن كان هذا مقبولا فى تلك المجتمعات، إلا أنها فى ذات الوقت كشفت لنا جانبا مضيئا، يتعلق بما جرى فى مصر والمنطقة العربية خلال سنوات حكم أوباما، هذا الجانب يفضح الدور الذى لعبته «هيلارى» فى إيصال جماعة الإخوان لحكم مصر، ومشاركتها فى صناعة التنظيمات الإرهابية وتدريبها ودعمها بالسلاح المتطور على نفقة الخزائن المتضخمة فى قطر لنشر الفوضى فى عدد من البلدان العربية، مثل مصر وسوريا واليمن وليبيا، تحت لافتة خادعة براقة اسمها ثورات الربيع العربى.
يبدو من الوهلة الأولى أن دوائر نافذة لعبت دورا مهما فى الانحياز لكلينتون، كما لم يعد خافيا على المتابعين أن جماعة الإخوان وقطر تعلقتا بآمال فوزها فى الانتخابات الرئاسية، لممارسة دورها الضاغط على الدولة المصرية لإشراك الإخوان فى الحكم ، فضلا عن أن الإعلام الأمريكى المتصل بمؤسسات المال ودول الخليج الغنية، لعب دورا أساسيا فى إخفاء شعبية دونالد ترامب، وعمل على تشويه صورته، وإظهاره كرجل مجنون سيورط الولايات المتحدة الأمريكية فى أزمات دولية، لتمكين هيلارى كلينتون من الفوز على حسابه، صنعوا لها حالة تأييد غير حقيقية، استخدموا فيها كل أنواع التأثير، بداية من استطلاعات الرأى، ووصولا للسوشيال ميديا، وجعلوا العالم يعتقد أن الرجل مجنون ولا يمكن له الفوز. 
الرجل أدرك حجم التشويه، فكشف ما لديه من معلومات، كانت بمثابة نصال حادة مزقت منافسته على المسرح السياسي، وتوعد باستخدامها ضد جماعة الإخوان ومناصريها من الحكومات المشبوهة، من هنا جاء التعامل السطحى والتهليل له دون النظر للمؤسسات الدستورية فى أمريكا، كما استطاع النفاذ إلى أوساط المهمشين وقاطنى الريف، فهو يشبههم، صريح إلى حد الوقاحة، كسب تعاطفهم، لأنه وعد بالتخلص من النخبة الفاسدة فاقدة القدرة على حل المشاكل، قدم لهم نفسه المعادل العكسى لأوباما المخادع، السياسى اللامع خريج هارفرد، نجم المسرح القادر على مخاطبة المثقفين والتأثير عليهم، بينما الكواليس مليئة بالألعاب القذرة، بدا أنه شخصية مناسبة لتضميد جراح فترة بوش الابن، الذى طبق نظرية الفوضى الخلاقة ودمر الشرق الأوسط بالكامل، رغم ضعفه البين أمام الصين وروسيا، بعد أن أوصل الصراع لدرجة يمكن من خلالها وصول العالم مرة أخرى إلى لحظة التدمير النووى المتبادل، بسبب الخلاف حول سوريا، ودعمه لداعش، وادعاءاته المتكررة بأنه ضد هذا التنظيم. 
ترامب فضح أوباما، كاشفا أن سياساته جعلت الولايات المتحدة تحرق خلال فترة حكمه أوراق اللعبة فى الشرق الأوسط، حرق أيضا شخصيات أعدتهم واشنطن، وأغلبهم من النشطاء وقيادات جماعة الإخوان الذين شعروا بعد فوز ترامب بهزيمة نفسية لم تكن متوقعة، بل بفقدان الأمل فى تلقى التمويلات والتمتع بالحماية التى طالما وفرتها لهم إدارة أوباما. 
هؤلاء جميعا دعموا هيلارى كلينتون للرئاسة، وعلى رأسهم جماعة الإخوان، الأمر الذى جعله يتوعد بوضعهم على قوائم الإرهاب الدولى، فأربكوا صفوفه وراحوا يستخدمون المواقع الإلكترونية للترويج بأنه مجنون، المدهش أن كثيرين ساروا خلف تلك الادعاءات، دون توقف أمام ظاهرته التى تنفى ذلك من قبيل العقلانية، فكيف يستطيع رجل مجنون تحقيق الثروات الهائلة باعتباره من مشاهير رجال البيزنس فى أمريكا، وكيف يستطيع الوصول للبيت الأبيض؟ 
أما المخاوف العربية بعد فوز ترامب، فهى نتاج طبيعى للموقف من سوريا، خاصة الجانب المتعلق بتمويل بعض الحكومات للإرهاب، فالمخاوف تكمن فى فضح تلك الأنظمة التى دعمت الإخوان وصنعت داعش.