أرادت حكومة شريف إسماعيل أن تستعبدنا بمقدسات المنطق العقيم، عبر تصريحات تفتقر إلى الحس السياسى، وقرارات تهدم فى نفوسنا بواعث الأمل، ظنت أنها تستطيع الاستحواذ على مشاعر البسطاء، التى ملأها الخوف من السياسات الفاشلة، فدخلت بحماقة مستنقع الكراهية. فبدلا من سعى أعضائها نحو امتلاك جرأة الشفافية، والقدرة على الاعتراف بالحقائق المعلومة، لكل ذى عينين، ومفادها بأن الإصلاح الاقتصادى ضرورة ملحة تبيح المحظورات، لإنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادى والخراب الاجتماعى، راحوا يخدعون الرأى العام بمبررات ساذجة فى توقيت خاطئ، لستر خطاياهم وعجزهم عن تلبية الطموحات الشعبية، وفشل الأجهزة الرقابية فى التصدى لغول الفساد، الذى التهم الجميع بين فكيه، أضافت حكومة الخيبة القوية لسجلها، مصائب جديدة، لو تعى دلالاتها السياسية، لكانت محاكمتها فريضة وطنية، هى تحدثت عن أن قراراتها الاقتصادية بزيادة الأسعار تهدف إلى رفع العبء عن كاهل محدودى الدخل وتحسين أوضاع الفقراء، باعتبار أن ضريبة القيمة المضافة وزيادة أسعار المحروقات، حسب تصريحات الوزراء، تستهدف إلغاء الدعم عن الأغنياء، إلا أن الواقع على الأرض يؤكد جملة من الحقائق، لا يمكن لأحد إنكارها، هذه القرارات دهست معدومى الدخل، بل ذهبت بهم إلى الجحيم، الأخطر أنها فتحت مساحة واسعة للجدل حول تعريف مفهوم محدود الدخل.. من هو؟ وما معايير وضعه فى تلك الخانة؟.. الواقع يقول إنه دخل إجباريا تحت خط الفقر.
نعم.. هناك ضرورة للإصلاح الاقتصادى، والمسئولية الوطنية تفرض علينا جميعا تحمل تجرع مراراته.. لكن هناك ضرورة أيضا لمراعاة البعد الاجتماعى، وابتكار الحلول لحماية الطبقات الفقيرة والمتوسطة التى انهارت، الحكومة لم تراع ذلك كله، ولم تدرك حجم التداعيات الناتجة عن قراراتها، فقط، تفرغت منذ توليها المسئولية للجباية، ضرائب ورسوم وخلافه، رفع فى الأسعار دون رقابة، فأصبح المواطن يدفع الضرائب للدولة ويدفع الإتاوة للتجار عن كل سلعة، هذه الحكومة لم تتحدث إطلاقا عن إصلاح الاقتصاد بتشغيل المصانع المتوقفة وفتح آفاق للتشغيل أو تبتكر حلولا من شأنها الحفاظ على الأوضاع الاجتماعية.
قرارات حكومة الخيبة القوية كاشفة عن فشلها فى كل الملفات، أما لجوؤها لأساليب الحمقى من مؤيديها على طول الخط، لتخويف الرأى العام، من مصير دول مثل سوريا والعراق وليبيا، فهدفه إذعان المجتمع على الرضا بالارتفاع الجنونى فى أسعار السلع الأساسية والخدمات الضرورية، بما يؤكد أنها وجدت ضالتها فى تعليق فشلها على شماعة الأوضاع الإقليمية، خصوصا إذا علمنا أن جوقة الحمقى لديهم مصطلحات جاهزة لتأييد كل القرارات العشوائية، من عينة «كله يهون علشان بنحب مصر»، و«نبص حوالينا نشوف سوريا وليبيا والعراق» وهنا أتساءل.. ما علاقة انتقاد السياسات بحب مصر وما يجرى فى بعض البلدان؟
هذا المنطق به جور على الحقائق الدامغة، لأن مروجيه يشككون ضمنيا، بلا وعى فى الثوابت الوطنية، والقناعات التى لا تهتز، بأن مصر لن تسقط، ولن تصبح مثل دول أخرى فى الإقليم، خصوصا أن لدينا جيشا وطنيا، عقيدته الدفاع عن الأرض والعرض، فضلا عن أن بلدنا، لن يكون مصيره مثل دول أخرى، رغم أن تشريد الشعوب العربية من أوطانهم مؤلم لنا، فالجيش هو الحارس الأمين على هذا البلد، أرضه، وشعبه، وثرواته، ولولا يقظته وتضحياته، لانتصرت منذ سنوات مخططات سقوط الدولة، فجيشنا لا يمثل فرقا مذهبية، ولا ينتمى أفراده إلى طوائف متناحرة، كما لا يوجد فى صفوفه من ينتصر لقبائل وعشائر على حساب الدولة، هو جيش وطنى خالص، يمتلك سلطة عاطفية لدى الشعب المصرى بتنوع شرائحه الاجتماعية، هذا الشعب ربما يختلف على كل شىء، يختلف على الحكومة، يختلف على أنظمة الحكم المتعاقبة، لكنه يتفق دائما عبر كل العصور، على الالتفاف حول قواته المسلحة باعتبارها حصن الأمان لهذا البلد.
كنا نظن، وبالطبع ليست كل الظنون من الآثام، أن البرلمان سينتفض أمام القرارات غير المسئولة والجور على الغالبية المطحونة تحت عجلات الارتفاع الجنونى فى الأسعار، هؤلاء صاروا بفعل غياب الرقابة فريسة لمافيا التربح وتحقيق الثروات غير المشروعة، التاجر الكبير يتحكم فى الأسعار والتاجر الصغير يلحق بقطار الجشع.. السلعة الواحدة تباع بأربعة أسعار حسب الهوى.. سائقو الميكروباص يرفعون تعريفة الأجرة من تلقاء أنفسهم لإجبار المواطن على الرضوخ فى غيبة الرقابة، سائق التاكسى يتلاعب بالعداد لمضاعفة الأجرة أو إلغاء العداد تماما.. المثير أن البرلمان لم ينتفض على غياب الرقابة، بل راح بعض أعضائه يصرخون ويصنعون ضجيجا عنتريا، لا عائد منه، لذا خرجت التساؤلات بصورة تلقائية.. هل يستطيع مجلس النواب سحب الثقة من الحكومة؟.. أم أن صلاحياته الدستورية مجرد حبر على ورق؟.. وما سر عدم شعور نواب البرلمان بمعاناة الناس؟.. هل يعيشون فى كوكب آخر غير الذى نعيش فيه؟.. أم أن هناك مراكز قوى تقف عائقا أمام المطالب الشعبية، الرامية لإقالة تلك الحكومة الفشلة، ومحاكمة أعضائها سياسيا وقضائيا.
واقع الحال يؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن تلك الحكومة باتت عبئا ثقيلا على الشعب والنظام فى آن واحد، كما أن الإبقاء عليها سيؤدى إلى تآكل شعبية نظام الحكم بما يدفع لكراهيته فى أوساط الغالبية المطحونة، جراء عدم الشفافية وعدم القدرة على الابتكار، والأهم من هذا وذاك افتقارها إلى الكياسة فى التصريحات السياسية، وتعليق الخطايا على شماعة، دأب على ترديدها الحمقى ممن لا يدركون جوهر ما يرمون إليه، لتبرئة الوزراء من مسئوليتهم عن القرارات الكارثية التى أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن من ترد فى كل المناحى.
المبررات الرامية لإثارة المخاوف من السقوط، أو التعرض لمصير بلدان سقطت فى هوة التمزق والاقتتال الداخلى، جريمة، هدفها التنصل من القرارات العشوائية التى دهست الشرائح الفقيرة ومعدومة الدخل، فهذه القرارات جعلت الغالبية تضيق من التعايش القهرى مع حكومة، تشبه «الجمر»، وهج تصريحاتها يعمى أبصارنا، ونار قراراتها تحرق أجسادنا، فمنذ مجيئها لم تنتج لنا سوى أزمات تخترق نفوسنا ليل نهار بخناجر حادة.
إن السخط على البرلمان لا يقل عن السخط على الحكومة، بل تزايد، جراء ضجيج وصخب بعض النواب المهووسين بالظهور الإعلامى، ممن سقطوا طوعا فى مستنقع فقدان البصر والبصيرة، أغمضوا أعينهم عن الواقع، وصاروا مطبلاتية للحكومة، يمارسون طقوس الإفتاء فى كل شىء، لا يشعرون بمعاناة البشر، بعضهم أصبح ملكيًا، أكثر من الملك ذاته، تراهم يولولون مثل ندابات المآتم، فى وصلات ردح ضد الحكومة، يفضحون عجزها ليلًا على شاشات الفضائيات، تماشيا مع موجة الغضب الشعبى، ويطلبون ودها نهارًا فى ردهات البرلمان، بل بلغت الفجاجة مداها المحرض على الغثيان، عندما خرج أحد النواب عن المألوف، وراح يستعرض مهاراته فى النفاق، ادعى بهتانا أن المواطن يستطيع تناول وجبة الإفطار بجنيه واحد.. ترى، هل يعيش هذا النائب على كوكبنا، يشعر بأوجاع ناخبيه، لا أعتقد، خصوصا إذا علمنا أنه يمثل دائرة انتخابية معظم سكانها يعيشون تحت خط الفقر!
إن التاريخ لن يغفر لأحد منا خطيئة الصمت على التعايش القهرى مع حكومة مترهلة، كسيحة، أدمنت الفشل على كل المستويات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هى فشلت فشلا ذريعا فى ترجمة طموحات القيادة السياسية بتحويل الأفكار إلى برامج، والخطط إلى مشروعات تنموية تراعى البعد الاجتماعى بالتوازى مع تفعيل سياسات الإصلاح الاقتصادى.