تبنى مؤسسة إعلامية عريقة مثل الأهرام -تحديدا صفحة الإذاعة والتليفزيون- مبادرة للمساهمة فى تجاوز العثرات التى تواجه الدراما المصرية خصوصا أنها تشكل أهم أركان القوة الناعمة، من شأنه إضفاء طابع مختلف على هذه الخطوة.. سعدت خلال عدة أعوام كل شهر رمضان بتلبية دعوة الكاتبة الصحفية فاطمة شعراوى التى تتولى الإشراف على الصفحة للمشاركة فى ندوات طُرِحت خلالها كل العوائق التى أدت إلى تراجع الدراما المصرية لصالح الدراما السورية والتركية.. المؤكد أن المكانة التى حققتها الأولى نتيجة تميز جمع كل عناصر العمل الدرامى، بينما الثانية فرضت نفسها بقوة عنصر الإبهار الفنى فقط، إذ تفتقد أغلب نماذج الدراما التركية إلى مقومات هذا الفن سواء رؤية مؤلف العمل، ترابط السيناريو والحوار.. الدراما التركية أيضا تجيد فن تسويق هذا الإبهار.. مثلا، خلال الأسبوع الماضى نظمت تركيا معرضا ضخما بدأ جولته من دبى ثم باقى دول الخليج لمسلسل «حريم السلطان»، رغم الانتشار الذى حققه إلا أنه وفق مقاييس مقومات الدراما لا يتجاوز تقييمه إلا كعمل ركيك قائم على أحداث مفتعلة استحضرت بعض الشخصيات من التاريخ.. مثل هذا النشاط السياحى المهم للأسف ما زال غائبا فى إطار عدم استغلال الشعبية الهائلة التى تحظى بها القوة الناعمة المصرية فى البلاد العربية..
على مدى الأعوام الماضية طُرِحت خلال ندوات صفحة الإذاعة والتليفزيون فى «الأهرام» بكل شفافية أبعاد أزمة تعثر الدراما المصرية والحلول المقترحة.. كان الاهم تجاوز هذه التوصيات إلى خطوة أكبر نحو تحريك مياه بحيرة «الإبداع» الراكدة وأن يتحول الاستفتاء الذى نظمته الصفحة منذ شهر رمضان الماضى بمشاركة أكثر من مليون مشاهد فى التصويت على أفضل الأعمال الدرامية إلى احتفالية لتكريم فنانى وصناع دراما عام ٢٠١٦.. دعوة مؤسسة عريقة مثل «الأهرام» إلى خلق أجواء التنافس بين المبدعين تشكل حافزا خاصا عند الفنان مهما بلغ رصيده الفنى والشعبى، أو الجوائز التى سبق له الحصول عليها، خصوصا أن أغلب ما يقام تحت عنوان «مهرجانات الدراما» يحمل أكثر من علامة استفهام حول مصداقية مثل هذه المناسبات.. مذاق الاختلاف بدا واضحا فى حرص العدد الضخم من أهم الأسماء فى مجال الفن على المشاركة فى الاحتفالية، ما يعكس أهمية وجدية تبنى صرح إعلامى عريق هذا الدور التنويرى.. إذ يكفى للدلالة على ارتباط كل شرائح الشارع العربى على اختلاف توجهاته بالفن المصرى، أن وزراء الإعلام العرب حتى عقود قليلة مضت، كانوا يبادرون وزير الإعلام اأاسبق صفوت الشريف بالسؤال عن مواعيد الأجزاء الجديدة من مسلسلات مثل «ليالى الحلمية»، «الشهد والدموع»، و«رأفت الهجان» وغيرها. ضمن النقاط المهمة التى كشف عنها هذا الاستفتاء، مدى التباين بين تقييم أعضاء لجنة التحكيم واختيارات المشاهدين، اللجنة حسمت نتائجها لدراما ٢٠١٦ بناء على عناصر العمل الدرامى، سواء رؤية المؤلف أو الأداء، أو ترابط السيناريو والحوار.. بينما انحاز بعض اختيارات جمهور المشاهدين إلى أعمال نالت أكبر قدر من النقد السلبى، ما يعزز وجود فجوة بين تصور النقاد لدور الدراما وتوجه الذوق العام.. إشكالية تستدعى تساؤلات مهمة.. هل فقد صناع الدراما الحاليون- رغم قدرة ومهارة البعض منهم- حلقة الوصل بين خلق الإبداع، واتفاق آراء مختلف شرائح المجتمع حوله.. كما نجح سابقا فى تحقيق المعادلة كُتاب مثل أسامة أنور عكاشة، وحيد حامد، ومحمد صفاء عامر.. أم هى تداعيات انتقال «سبوبة» السوقية والابتذال من السينما إلى شاشة التليفزيون، والمتاجرة بشعار التعبير عن الواقعية.. بينما الحقيقة أن هذه النماذج «المشوهة» عجزت عن بلوغ أدنى مراتب هذا الشرف؟! منح شركات الإنتاج التقدير المعنوى أيضا خطوة نحو تصحيح مسار الدراما.. تكريم جهات إنتاج قدمت أعمالا مثل «جراند أوتيل»، «ونوس»، «فوق مستوى الشبهات»، و«رأس الغول» يشكل حافزا لهذه الشركات أو غيرها على التمسك بهذا المستوى، خصوصا بعدما أثبت نجاح أعمال درامية عديدة عدم وجود تعارض بين القيمة الفنية والشق المادى.. غاب عن لجنة التحكيم فى تقييم البعد العربى أهم عمل درامى عربى عرض فى ٢٠١٦.. مسلسل «سمرقند» الذى استعرض جذور الصراع بين التغييب وإراقة الدماء التى تمارسها التنظيمات الإرهابية منذ نشأتها، وبين دعوة التسامح والاستنارة.. تكمن أهمية المسلسل فى الإسقاط الذى يحمله من التاريخ على أخطر تحد يواجه الحاضر العربى.. هذا الإنتاج الضخم كان يستحق التكريم والإشادة من اللجنة كأفضل دراما عربية. دعم الدور التنويرى والإبداعى يتطلب خطوات متوالية لا تتوقف إلا بعد استعادة القوة الناعمة المصرية دورها المتقدم فى مختلف مجالات الفنون، الأمر الذى يدفع إلى مطالبة باقى صفحات «الأهرام» المتخصصة -تحديدا الفن والثقافة- إلى المشاركة بدورها فى هذا الدعم كى تكتمل الحملة وتشمل مختلف مجالات الإبداع.