يعم الولايات المتحدة الأمريكية فى الآونة الأخيرة حالة من الغضب والسخط والتمرد الشعبى ضد إدارة الرئيس أوباما وسياسته الداخلية والخارجية، التى تعتبر امتدادا لإدارة مجرم الحرب الرئيس الأمريكى السابق بوش الابن، وربما يكون أسوأ منه، كما تندلع من وقت لآخر أعمال الشغب والمظاهرات فى العديد من الولايات الأمريكية ضد الدولة يقوم بها السود الأمريكيون تعبيرًا عن رفضهم للمعاملة غير الإنسانية وانتهاك حقوقهم الإنسانية المشروعة فى الحياة والأمن والمساواة، فكثيرًا منهم لا يجد فرصة عمل مناسبة ولا مأوى ولا رعاية صحية مطلوبة أسوة بغيرهم من البيض. فالسود فى الولايات المتحدة كغيرهم من المهاجرين الذين وفدوا إلى الأراضى الأمريكية وحصلوا على الجنسية الأمريكية من دول وأجناس وأعراق وأطياف مختلفة يشعرون بالقهر والظلم والغربة. والغريب أن الولايات المتحدة مصممة على أن تقنع العالم كذبًا أنها راعية للحريات وحقوق الإنسان فى العالم، فى الوقت الذى تمارس فيه أبشع صور انتهاك حقوق الإنسان، وأولها حق الحياة الذى قامت به فى كل من العراق وليبيا وسوريا والصومال وأفغانستان هو انتهاك لحق الحياة والبقاء بأى مقياس قانونى أو أخلاقى أو إنسانى وفقا لمبادئ الأمم المتحدة والقانون الدولى.
والذى يدعو إلى الاشمئزاز أن السفارة الأمريكية فى القاهرة أصدرت بيانًا تحذيريًا لرعاياها بعدم التواجد فى أى أماكن للتجمعات يوم ٩ أكتوبر، هذا البيان السافر الذى أصدرته السفارة الأمريكية ولحقت بها مجموعة الدول الاستعمارية المعروفة، قد صدر فى ظل أوضاع أمنية جيدة تشهدها الساحة المصرية، مما يعنى أن هذا البيان السافر يعبر عن الموقف المريب والعدائى ضد مصر، وكان وراء إصداره تحقيق عدة أهداف: الأول: إرباك القيادة السياسية المصرية يوم تنظيم احتفال مصر بمرور ١٥٠ عامًا على بداية الحياه النيابية فيها (١٨٦٦). الثانى: التأثير السلبى على حركة السياحة التى بدأت تتعافى. الثالث: إظهار مصر بأنها ما زالت غير آمنة لتخويف المستثمرين الأجانب من المجيء إلى مصر. الرابع: محاصرة مصر اقتصاديا وزيادة الضغط على رقبتها حتى تستسلم، وهو الأمر الذى لم ولن يحدث لأن مصر الشامخة أقدم دولة وأول حكومة لا يمكن أن تتأثر بمثل هذه الأفعال المتخلفة. وأن استمرار بعض الدول التابعة للولايات المتحدة يعنى أن النظام الدولى بات «أرملة» خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتى، وإن كان هناك قوى دولية جديدة بازغة تتواجد على الساحة الدولية وهى كفيلة بتحقيق التوازن فى النظام الدولى (الصين وروسيا وكوريا الشمالية)، والذى حدث أن مصر احتفلت بمرور ١٥٠ عامًا على بداية الحياة النيابية فى مصر، وشاركها الاحتفال رؤساء برلمانات ووفود رفيعة المستوى الذين أشادوا بقيمة وقامة واحترام مصر وجمال وروعة مدينة شرم الشيخ مدينة السلام. ولم يحدث أى حدث ولو بسيط يعكر صفو المواطنين على امتداد الأراضى المصرية. فى الوقت الذى اندلعت فيه العديد من أعمال الشغب والعنف فى بعض الولايات الأمريكية، وكانت هذه صفعة على (قفا) السفير الأمريكى والبريطانى وبعض السفراء الذين اتبعوا بيان السفارة الأمريكية.
إن ما يجرى داخل الولايات المتحدة من أعمال شغب وفوضى ومظاهرات إنما هو رد فعل طبيعى للمواطن الأمريكى الذى أفاق من الوهم الكبير والحلم الخادع الذى استمرت الإدارات الأمريكية المتعاقبة فى ترسخيه بعقول وضمائر الأمريكيين بأنهم يعيشون فى جنة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ويتمتعون بالحياة الراغدة الآمنة.
وجاء أوباما ليقيم للشعب الأمريكى وليمة كبرى لا طعام فيها سوى الغش، فتمرد عليه الشعب الأمريكى وازدادت البلاد فقرًا طوال فترة حكمه التى ستنتهى فى غضون عدة أسابيع قادمة. وارتفع حجم الديون الأمريكية إلى نحو ٢٢ تريليون دولار، كما ارتفع معدل البطالة إلى نحو ١٥٪ من قوة العمل الأمريكية، كما حققت معدلات الجريمة زيادة كبيرة تصل نحو ١٠٪ مما كانت عليه قبل أن يدخل أوباما البيت الأبيض، وتمر الولايات المتحدة الآن بظروف صعبة وأزمة اقتصادية خانقة تكاد تتشابه مع الأوضاع التى مر بها الاتحاد السوفيتى قبل سقوطه وهزيمة الشيوعية. ولو أن الوضع السوفيتى كان أفضل من الوضع الأمريكى الآن، فالدول النامية والاشتراكية كانت تحيط الاتحاد السوفيتى بالمحبة والقبول والمساندة. وتأسيسًا على ذلك فإن الولايات المتحدة ستسقط لا محال على المدى المتوسط (٥ – ٧) سنوات.
والآن وقد أوشكت وليمة أوباما على الانتهاء، ولا بد من دفع الفاتورة، لقد عادت «فراخ الطير» إلى مأواها وأصبح المواطن الأمريكى فى حاجة ماسة إلى ثورة اجتماعية اقتصادية وليس فى حاجة إلى أن يسمع شيئًا عما يجرى فى الوطن العربى أو خارج الوطن العربى من صراعات وحروب وإرهاب. إلى جانب أن المواطن الأمريكى يشعر بأن عبادة الروح الفردية قد دمرت كل إحساس بالتضامن الإنسانى. لقد جرى تعليم الناس على أن يشقوا طريقهم قدمًا دون أى اعتبار لأى مبادئ، حتى لو أدى ذلك إلى إلقاء جيرانهم وحلفائهم وأصدقائهم فى الهاوية. والواقع ليس ثمة فائدة ترتجى فى مناقشة الوقائع والأرقام التى يمكن أن تثبت صدق هذا التشاؤم الحاد، فالمهم فى السياسة هو ما يعتقد الناس أنه صحيح، لا ما هو صحيح فعلًا وقولًا.
لقد خرب أوباما الاقتصاد الأمريكى وعبأ الرأى العام فى معظم دول العالم وخاصة الدول العربية ضد الولايات المتحدة، فلا يكاد يوجد شعب من الشعوب إلا ونجده يكره أمريكا ويريد أن تختفى من على وجه البسيطة، فأوباما هو الذى زرع الأرهاب فى المنطقة العربية وبالتحديد تنظيم داعش وقبله تنظيم القاعدة، ومده وما زال بالسلاح والتدريب والأموال من قوت الشعب الأمريكى، وأوباما هو الذى أنفق المليارات على إشعال النار والفتن والثورات فى المنطقة العربية بهدف إسقاطها وتقسيم دولها. نفس الأسلوب العقيم الذى عفا عليه الزمن.. وأوباما هو الذى بدد المليارات ولا يزال من دم الشعب الأمريكى لغزو ليبيا وتدمير مؤسساتها وقدراتها العسكرية، وهو أيضا الذى يقود التحالف بحجة محاربة داعش والجماعات الإرهابية، وحقيقة الأمر أن الولايات المتحدة تسعى لإسقاط نظام بشار الأسد، وأن الغارات الجوية التى كانت تدعى الولايات المتحدة بأنها موجهة ضد الجماعات الإرهابية كانت تضرب الجيش السورى الوطنى والشعب السورى الأعزل، بل أكثر من ذلك كانت الطائرات الأمريكية ترمى السلاح للجماعات الإرهابية لتستمر النار مشتعلة. وحسب استطلاعات الرأى يشكل المتشائمون أغلبية فلا أقل من ٧٥٪ من الأمريكيين على سبيل المثال يعتقدون أن الولايات المتحدة تسير على الضرب الخطأ. ولأول مرة منذ الركود الكبير فى العشرينيات من القرن الماضى ترى أغلبية من أفراد الطبقة الوسطى الأمريكية أن أولادهم يعيشون عيشة سيئة للغاية وغير آمنة بالمرة. إن الارتداد إلى هذا التشاؤم يرجع بالطبع إلى الإدارة الأمريكية الفاشلة بقيادة أوباما الذى تسبب فى تعميق الأزمة الاقتصادية وتدهور أحوال البلاد. إن التدهور الاقتصادى الراهن للولايات المتحدة محسوس عمليًا فى كل منزل فى أرجاء البلاد فلم تترك الأزمة أحدًا.
أوحت أحداث الشغب الأخيرة بأن الحلم الأمريكى ينزوى تحت وطأة التناقضات الاجتماعية، لدرجة أن الأمريكيين رفضوا الاحتفال بميلاد توماس جيفرسون أبو الحلم الأمريكى. ولكن الأمور تبلغ مبلغًا من السوء بحيث إن جيفرسون نفسه الذى توقره أجيال من الأمريكيين باعتباره المبتكر الأصلى لحقوق الإنسان وحرمة الفرد لم يعد يثير حماسة الأمريكيين، والأدهى من ذلك أنهم بدأوا يقرأون عن جيفرسون، الأب الروحى لحقوق الإنسان الذى كان هو نفسه مالكًا للرقيق، وأنه استورد الرقيق من إفريقيا ليؤجرهم كقوة عمل رخيصة، والروح الفردية التى بشر بها لا تناسب إلا الموسرين والأقوياء والمتمكنين أما الضعفاء والفقراء والمعوزون فقد نبذوا على جانب الطريق.
ألم أقل لكم إن أمريكا هى بلد الوهم والإرهاب والتناقضات؟