طلبت من حفيدتى أن ترسم لوحة عن مصر فرسمت دون توجيه النيل وفى خلفيته الهرم وبرج القاهرة ومبنى ماسبيرو، وتأملت اللوحة، ورسخ فى يقينى أن مبنى ماسبيرو أصبح جزءا من وجدان هذه الأمة، والدليل أنه مكرس فى الإطار المرجعى للنشئ، إذن كيف يفكر البعض فى هدم ماسبيرو؟ ثم تعجبت من الهجمة الشرسة على ماسبيرو بسبب تكرار أخطائه التى هى فى الحقيقة أمر طبيعى ومتوقع ولا يجب أن نفاجأ بها فى ظل مناخ الفوضى الذى يسود المشهد الإعلامى، ولا تعفى منه القنوات الخاصة التى يقود البعض منها هذه الهجمة، وكم من أخطاء جسيمة تحدث فى هذه القنوات وكأنها لم تكن!!.
وحتى تنجلى الحقيقة لا بد أن نقرر أن ماسبيرو ليس هو المبنى فقط القابع على نيل القاهرة الخالد، ولكن المقصود بماسبيرو إعلام الدولة، وألا تتفقون معى أن مصر منذ ٢٠١١ تتعرض لمؤامرة تستهدف جعلها مثل سوريا وليبيا واليمن؟ ولكن ثورة الشعب فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ صوبت الأوضاع وأنقذت البلاد، ورغم ذلك لم يتراجع المتآمرون عن تآمرهم، واستمرت خيوط المؤامرة تدار من الخارج وينفذها البعض فى الداخل بغرض إسقاط الدولة المصرية ومحاولة جرنا إلى مستنقع العنف.
ويبدو أنه قد تفتق ذهنهم بأن تحقيق هدفهم يبدأ عن طريق الإعلام، لا سيما إعلام الدولة حتى تترك الساحة خالية لمن يتلاعبون بعقل وفكر المتلقى ويكرسون نظاما غريبا عن ميراثنا الحضارى وتراثنا الثقافى، وعندئذ يختلط الحابل بالنابل، وتصبح البيئة مهيأة للإجهاز على وعى الأمة الأمر الذى ينعكس على الشارع المصرى، وعليه نجد الطريق ممهدا لتنفيذ بقية الخطة المعدة سلفا بزرع الفتنة وإفساد منظومة التعليم وتفشى الفساد والضغط الاقتصادى على الدولة، وفى الوقت نفسه ممارسة التحريض من خلال قنوات بث اليأس ومواقع التواصل الاجتماعى.
لكن الحمد لله أننا نعى كل ذلك، وعليه أقول للرئيس عبد الفتاح السيسى مرة أخرى وثالثة: تبنّ يا سيادة الرئيس إعلام الدولة وادعم ماسبيرو واتحاد الإذاعة والتليفزيون، وعفوا - لا تضعه فى كفة واحدة مع بقية نوافذ الإعلام، لأن إعلام الدولة له دور مختلف طلبته أكثر من مرة، منه ومن غيره، وهو الإعلام الموضوعى المتوازن الذى يعظم من الإيجابيات، ويبحث فى أسباب السلبيات.
ثم أقول كيف نطلب من ماسبيرو أن يطور نفسه وهو مكبل بقوانين عفا عليها الزمن؟ هل تعلمون أن القانون رقم ١٣ لسنة ١٩٧٩ لا يزال المنظم لعمل إعلام الدولة؟ إنه قانون منذ أن كان الإرسال أبيض وأسود، ولا يوجد على الساحة الإعلامية غير التليفزيون العربى لو تذكرون.
من هنا يحتاج ماسبيرو لثورة تشريعية تخرجه من ترهله الإدارى وبيروقراطيته العقيمة القاتلة للإبداع، وأقول أكثر من هذا إصلاح ماسبيرو يجب أن يسبقه تطهيره من الخلايا النائمة والقيادات التى كانت مرتبطة بالجماعات الإرهابية والظلامية، نفاقا أو اقتناعا، وأعتقد أنهم معروفون بالاسم لدى الأجهزة الأمنية المسئولة عن ماسبيرو، فكيف نبقى على قيادة كانت فى يوم من الأيام ممن وقفوا على منصة رابعة أو تحتها لكسب ود الإخوان؟
إذن التطهير مطلوب، يعقبه وضع نظام إدارى رشيد يعتمد على الكيف ولا يعتمد على الكم، ويتيح فى الوقت نفسه إعادة توظيف طاقات العاملين بقنوات وقطاعات اتحاد الإذاعة والتليفزيون بشكل يراعى حقوق العاملين، ويربط الأجر بالإنتاج الحقيقى، كيف نطالب ماسبيرو بأن يطور نفسه وهو غارق فى ديون حكومية لبنك الاستثمار القومى تصل إلى نحو ٢٣ مليار جنيه وتعود لسنوات سابقة منذ إنشاء ماسبيرو سنة ١٩٦٠؟ وفى الإجمال تعتبر هذه الديون مقابل خدمات إعلامية مؤداة للوزارات ومؤسسات الدولة تحملها عنها ماسبيرو، وهنا يأتى دور الحكومة ومجلس النواب، إما أن يتم إسقاط هذه الديون بالكامل وإما تتحمل الوزارات والمؤسسات نصيبها منها.
ولا بد من الفصل بين مستحقات العاملين أو ما يسمى باللائحة ومستلزمات الإنتاج وتكاليف التجديد والإحلال فى قطاعات الاتحاد، ونعطى رئيس القطاع سلطات تمكنه من تحفيز الطاقات الإبداعية وعقاب المهمل والمقصر فى عمله، ولا بد من مواجهة حاسمة لمشكلة الطيور المهاجرة التى اجتذبتها القنوات الخاصة، وهى من كل الوظائف الإعلامية، وهناك أيضا من يجمع بين الحسنيين العمل فى ماسبيرو والعمل فى القنوات الخاصة فى الوظائف الإعلامية التى تعمل خلف الكاميرا، وبالتالى لا رقيب عليها.
ومن وجهة نظرى، يجب إلغاء القرار الوزارى الصادر فى ٢٥ /٧ / ٢٠١١ الخاص بوقف التعيينات الجديدة فى قطاعات الإذاعة والتليفزيون، وإتاحة الفرصة لشباب الخريجين للعمل فى ماسبيرو بشرط أن يتم ذلك عن طريق المسابقات العامة التى تنشر فى الصحف لكل الشباب، واتخاذ آليات القضاء على الواسطة والمحسوبية وتحفيز الطيور المهاجرة من النجوم على العودة لبيتها الأصلى، وإعطاء الفرصة لاستبدالهم بغيرهم من الأجيال الجديدة.
وعلى مستوى المشهد الإعلامى العام أتساءل لماذا التأخير فى إصدار التشريعات الجديدة المنظمة للصحافة والإعلام حتى يمكن تشكيل المجلس الأعلى للصحافة والإعلام والهيئات الوطنية المنبثقة عنها ومنها الهيئة الوطنية للبث المرئى والمسموع؟ وأتساءل لماذا كل هذا التأخير فى إنشاء نقابة الإعلاميين؟ ومعلوماتى أن قانونها والنظام الأساسى لها موجودان فى أدراج مجلس الوزراء منذ حكومة المهندس إبراهيم محلب، وهناك موافقة عليها، وفى اعتقادى أن تجميد وزارة الإعلام وعدم وجود منصب وزير الإعلام قد ساهم فى ضبابية الصورة، وكان يجب الحرص على وجود وزير إعلام فى المرحلة الانتقالية تكون مهمته الأساسية التسريع فى إصدار التشريعات الإعلامية وضمان تنفيذ الخطوات المنظمة للإعلام المترتبة عليها، وبعد ذلك يمكن إلغاء وزارة الإعلام.
هذه هى الصورة الكاملة للمشهد الإعلامى المصرى من وجهة نظرى المتواضعة، ولهذا لا يجب الانجرار فى سكة هدم ماسبيرو، لأن هذا ليس من مصلحة الدولة، وفى الوقت نفسه لا تجب معالجة أخطاء ماسبيرو بسطحية، ولا بد أن تكون هناك رؤية شاملة للإصلاح نراعى فيها كيفية الحفاظ على ماسبيرو تاريخا وإبداعا وتطويرا.
..... اللهم بلغت اللهم فاشهد!!