السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"بهية" تتألق في نيويورك

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
النشاط المكثف الذى اتسم به جدول زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى الأسبوع الماضى إلى نيويورك والمشاركة فى الدورة الـ٧١ للجمعية العامة للأمم المتحدة، قد يدفع البعض للحكم على مقاييس نجاح هذه الزيارة من منظور لغة المشاعر والالتفاف الشعبى الحميم والكثيف من الجالية المصرية فى أمريكا، الأمر الذى أحرق آخر ما تبقى من شرايين أعصاب «عصابة البنا»، فى المقابل القياس وفق الحسابات الدقيقة لمفهوم النجاح تظهر عدة مستجدات حققت لهذه الزيارة المزيد من النتائج الإيجابية وقوة التأثير السياسى مما يجعلها الأهم بين زياراته الثلاث السابقة.
لقاء الرئيس بالمرشحين للرئاسة (ترامب- كلينتون) هو دلالة على تطور نَسَفَ نظرية عقيمة سادت طبيعة العلاقة السياسية بين مصر وأمريكا عبر العقود الماضية، قصرت التواصل بين رؤساء مصر وأمريكا السابقين على «شخص» الرئيس، وليس مع المؤسسات السياسية المؤثرة التى يتم اختيار القادم إلى منصب الرئاسة من بين أعضائها. توجه مصر لتبادل الرؤى المستقبلية مع مرشحى كلا الحزبين- الديمقراطى والجمهوري- هى اللغة الأقرب والأقوى تأثيرا فى دوائر صنع القرار السياسى الأمريكى.. بالتالى أى لقاء بين الرئيس السيسى والرئيس الحالى أوباما لم يكن يتجاوز إطار المجاملات الشكلية، ولا سُيضيف جديدا إلى مصلحة مصر على الصعيد السياسى.. إذ من المؤكد أن أوباما يحظى بأسوأ رصيد لرئيس أمريكى بين الشعب المصرى الذى يمثله الرئيس السيسى، بالإضافة إلى أن أوباما الآن يفتقد أى تأثير سياسى انتظارا لاختيار الرئيس الجديد فى شهر نوفمبر القادم، والمعروف أن أوباما لم يعد يطيق سماع اسم مصر وشعبها بعد مشاهد ثورة ٣٠ يونيو التى جسدت صدمة ما زالت أشباحها تؤرقه حتى وهو يقضى أيامه الأخيرة فى البيت الأبيض.
اختيار وفد برلمانى للمشاركة فى زيارة الرئيس خطوة موفقة بحكم عدة اعتبارات، أولا، الوفد ضم شخصيات برلمانية تمثل عدة توجهات سياسية، لديها قدرة التواصل بجدية ونشاط مع المؤسسات السياسية -على رأسها الكونجرس- ومخاطبة الدوائر التى تملك مفاتيح صنع القرار السياسى الأمريكى. ثانيا، طرح الصورة عن حقائق الأوضاع بما يدعم الدولة المصرية، ومساندة الرئيس عبر ظهير دستورى ممثلا فى الوفد البرلمانى هو الاختيار الأنسب والصيغة الأكثر قبولا فى دولة مثل أمريكا عند مخاطبة مؤسساتها السياسية. ثالثا، لقاءات الوفد البرلمانى مع أعضاء الكونجرس تمثل ترسيخا لحقيقة استكمال مصر بناء مؤسساتها الديمقراطية.
كلمة (الوداع) التى وجهها أوباما إلى المجتمع الدولى لم تخرج عن سياق خطاباته السابقة التى يغلب عليها الطابع الفلسفى أكثر من الجانب السياسى.. شعارات مجردة المعنى خاطب بها العالم تحمل الفكرة ونقيضها، بينما أشارت كلماته إلى عزوف أمريكا عن فرض «نموذجها» الديمقراطى بقوة السلاح أو التدخل العسكرى، كرر باستفاضة دعوته إلى دول العالم قبول النمط الأمريكى كنموذج حتمى للديمقراطية، انتقل بعدها إلى الإشادة بنعمة الاختلاف التى صنعت قوة أمريكا دون أن يعى أن الجملة السابقة من خطابه نسفت مفهوم الاختلاف، خصوصا مع فشل قوة «الكاوبوى» فى استيعاب مساحات هذا الاختلاف حين تدخلت تحت زعم مساندة الديمقراطية فى دول المنطقة العربية، أوباما يوجه لدول العالم مجموعة عناوين براقة، لكنها لا تتغلغل إلى جذور الواقع السياسى، الاقتصادى، الاجتماعى، التعليمى لهذه الدول. التخبط طال أيضا مناشدته منح الشباب فرص المشاركة فى صنع القرار، دون الإشارة إلى الحد الذى يضمن عدم انحدار هذه المشاركة إلى صيغة الفوضى أو المراهقة السياسية.. أهمية تسليح الشباب بالوعى السياسى بما يضمن نجاحهم فى التجربة.
من جهة أخرى، جاء خطاب الرئيس السيسى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مدعوما بكل الحقائق المؤكدة لاستعادة مصر دورها الحيوى سواء على الصعيد العربى، أو الإفريقى والدولى. رسائل هامة حول رفض مصر التدخل الأجنبى فى شئون الدول العربية، إشارات واضحة الربط فى دعوة المجتمع الدولى إلى التصدى للأطراف الإقليمية التى تسعى إلى إشعال الفتن الطائفية (إيران-تركيا) وارتباط الأمن القومى العربى، بما فيه أمن منطقة دول الخليج، بأمن مصر. خطاب حقائق اتسمت صياغته بالحسم والدقة بعيدا عن التعبيرات الإنشائية المجردة. 
لقاءات الرئيس الإعلامية اختيرت بشكل مدروس، ليس فقط على صعيد الشخصيات السياسية والمنابر الإعلامية، لكن وفق ما تم إعلانه من هذه اللقاءات، تحديدا مع المرشحة هيلارى كلينتون- حول تأكيد الرئيس مسيرة مصر الديمقراطية واحترام مؤسساتها الدستورية والتشريعية.. رسالة هامة عسى أن يعلِّم التكرار «شُطّار» أمريكا أن مصر ليست فقط الإدرى والأقدر على إيجاد حلول الخروج من أزماتها، لكنها قادرة على استعادة دور القرار العربى فى الدول التى تشهد صراعات مسلحة ودعم الحلول والأطراف المعنية جديا بإعادة الاستقرار إلى هذه الدول.