الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أمة في خطر.. والقرارات العربية متضاربة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لعل من نافلة القول التأكيد على أن الأمة العربية تملك ميزة أساسية واحدة، وتواجه خطرا أساسيا واحدا، أما الميزة فهى الموقع الإستراتيجى الفريد، وحجم وروابط سكانه وتجانسهم (حوالى ٣٥٠ مليون نسمة)، وما حبت به الصدفة الطبيعية النادرة بعض أجزائه بأكثر من نصف الاحتياطى المحقق من النفط فى نهاية السبعينيات.. وأما الخطر وهو خطر خارجى ترتب على الميزة وأثر فيها، فلم يغب أبدا عن إمبراطوريات ذلك العالم وعن المتصارعين الجدد فى النظام الدولى على السيطرة العالمية الآن أن يكون الوطن العربى محط أطماعهم فى الهيمنة على العالم. إذ يقدم نفطا وفيرا ومالا كثيرا وسوقا واسعة متجانسة وموقعا استراتيجيا فريدا وقوة عسكرية متطورة.
وكان المفروض أن هذه الميزة تعطى العرب إمكانات تستطيع أن تحقق أحلامهم فى الحرية والوحدة واجتياز مرحلة المصير التنموى، ليصبحوا قوة عظمى يعمل لها الغرب ألف حساب. وذلك إذا ما خلصت النوايا وتوحدت الإرادة، لأن هذه الميزة كانت كفيلة بأن تفرض نفسها على التاريخ، ولم يكن أمام الوطن العربى إذا كان قويا إلا أن يتحمل مسئولية موقعه، وأما إذا كان ضعيفا، فلم يكن أمامه إلا أن يكون جزءا من نظام أجنبى يسيطر على الأجزاء الضعيفة منه، لأنه إذا لم يكن الوطن العربى يملك القدرة والرغبة والإرادة على استعمال موقعه، فإن غيره سوف يستعمل هذا الموقع. ببساطة لا يمكن أن يظل خاليا، لأن التاريخ أيضا لا يقبل الفراغ. تماما كما هو محفور فى عقل وفكر ووجدان الغرب المستغل. وإلى جانب هذه الميزة الفريدة للوطن العربى، فقد حبت القدرة الإلهية هذا الوطن بزعامات من طراز فريد كانت كفيلة بمواجهة هذا العبث والفوضى السائدة فى النظام الدولى الذى انعكس على النظام العربى. هذه الزعامات أمثال جمال عبد الناصر والشيخ زايد آل نهيان وجلالة الملك عبدالله بن عبد العزيز، رحمهم الله جميعا، وأسكنهم فسيح جناته، جزاء ما قدموه لوطنهم العربى. فقد كانوا جميعا نماذج مشرفة وشخصيات عملاقة تتمتع بالقوة والشجاعة والطهارة والاستقامة، وتؤمن بالحرية والوحدة وتتحمل مسئولية الأمن القومى العربى.
وكان الغرب يعمل لهؤلاء القادة الشوامخ ألف حساب عند اتخاذ أى قرار يتعلق بالوطن العربى وأمنه ومصالحه القومية. وقد عوض الله عز وجل عن هؤلاء العمالقة الذين رحلوا عن دنيانا فى أمان نماذج لقيادات عربية أخرى أمثال الشيخ خليفة بن زايد والشيخ محمد بن راشد والرئيس عبد الفتاح السيسى. الذين يواجهون حربا شرسة من الخارج ومن الداخل أيضا... إن الأمة العربية فى خطر والقرارات العربية متضاربة والشعب العربى غاضب وينتظر. وعلى الرغم من الحديث المتزايد عن عناصر القوة الاقتصادية والقدرات التكنولوجية التى سوف تحل تدريجيا محل القوة والقدرات العسكرية فى صياغة مقومات القوة والنفوذ السياسى فى عالم الغد، إلا أننى أرى أن عناصر القوة الاقتصادية والمالية تظل فى حاجة ماسة للقوة العسكرية العربية وليست القواعد العسكرية الأجنبية. التى توهم دول الخليج أنها تضمن لهم توفير الحماية لحقول النفط مصدر القوة والطاقة للصناعات الحديثة. وأيضا حماية الأنظمة الملكية من أى تهديد أو تمرد شعبى ضدها. وهذا الكلام عار تماما من الحقيقة. فالولايات المتحدة والغرب ضد بعض الأنظمة العربية ولا يريدون استمرارها بحكم فلسفة وعقيدة الغرب، بل إيمانها بضرورة تداول السلطة وتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. فهذه الدول الاستعمارية لا يهمها إلا أن تسيطر على النفط العربى وتأمين خطوط الملاحة والتجارة... نعم قد تتغير الأوزان الخاصة بكل عنصر من عناصر القوة فى عالم الغد، ولكنها ستظل عناصر مترابطة ومتكاملة.
بيد أن الجديد فى الأمر أنه سوف يتم إخضاع الشعوب والسيطرة على مقدراتها من خلال الإعلام الموجه وأيديولوجية مجتمع الاستهلاك الحديث. وضرب مقومات الثقافة الوطنية واختراق العقل وتخريب الوجدان، من خلال النظامين التعليمى والإعلامى. وبالتالى فإن معركة السيطرة على مقدرات الشعوب لم تعد تبدأ بالاقتصاد كما يتخيل الكثيرون، بل غدت تركز على العقول والوجدان. فإذا تمت إعادة صياغة الفكر وتخريب الوجدان والنجاح فى معركة الكلمة والمعتقد بمعنى الحرب النفسية المتمثلة فى حروب الجيلين الرابع والخامس، جاءت كل المكاسب الاقتصادية والسياسية على طبق من فضة دون جهد ودون إطلاق طلقة مدفع واحدة.
إن الطبيعة العارضة لسياسة التضامن العربى، تبدو واضحة فى مواقف بعينها، تصل فيها الأخطار المحيطة بالعالم العربى إلى درجة من الكثافة، بحيث يتبلور معه إحساس عربى عام بضرورة الاتفاق، وهذه هى خبرة ودروس الزمن والتاريخ. ففى حرب ١٩٧٣ كان ثمة اتفاق عربى قوى. ومرة ثانية لم تكن تنتهى المعارك الحربية حتى تراجع العرب عن تضامنهم الذى أخذ صورة تأييد الدول المحاربة وهى مصر وسوريا، وبدأت مظاهر الاختلاف تبرز على السطح العربى، وهذه المرة كان الاختلاف حول كيفية الاستثمار السياسى لنتائج المعارك الحربية، وهو الخلاف الذى وصل بالمصريين والسوريين إلى حد القطيعة فى أواخر ١٩٧٤ و١٩٧٥ وهما اللذان قاما من قبل بإدارة المعارك الحربية عن تنسيق واتفاق كاملين، ومع نجاح الوساطة السعودية أمكن مرة أخرى الحديث عن جدوى سياسة التضامن العربى كأسلوب أمثل لمواجهة إسرائيل، أو على الأقل عند إدارة حوار تفاوضى غير مباشر معهما. غير أن هذا الوضع لم يستمر طويلا أيضا. فعندما تبنت مصر بعد عام ١٩٧٧ استراتيجية جديدة فى إدارة الصراع السلمى مع إسرائيل أدى إلى أن تأخذ بسياسة التضامن إلى طريق مختلف، فلم يعد يرى التضامن موجها إلى الصراع مع إسرائيل بقدر ما هو موجه إلى التصور المصرى فى الحل السلمى، ولكن دون تحديد التصور البديل فى إدارة الصراع مع إسرائيل تحديدا.
ومرجع هذا هو أن النظم العربية التى رفضت الأسلوب المصرى فى إدارة الصراع قد خسرت نفسها فى موقف رد الفعل واستيعاب النتائج دون الاتجاه إلى صياغة حركة عربية جماعية تعبر فى أحد أبعادها عن رؤية مختلفة عن الرؤية المصرية، ومرورا بكل الأزمات العربية الكثيرة والعميقة والموجعة، وأيضا المبادرات والأطروحات التى قدمت لمواجهاتها اعتمادا على خبرة العلاقات العربية فيما بعد ١٩٦٧، يمكن تحديد التضامن العربى بأنه تلك السياسة التى تصل معها النظم العربية إلى حالة من الإجماع والتوافق على اتخاذ موقف معين، هذا فى جانب التعريف، أما فى جانب الدلالات فهناك أربع دلالات هى: 
١ - إن سياسة التضامن العربى هى سياسة عارضة قد ارتبطت بعدد محدد من المواقف ذات الطبيعة الخاصة التى تجسد خطوات على المنطقة العربية. 
٢- إنها تشكل دائما أسلوب رد الفعل لاحتواء آثار حدث معين ولم تصل بعد إلى أن تكون سمة رئيسية فى العلاقات العربية العربية. 
٣ -إنها سياسة براجماتية ينقصها الهدف المحدد. 
٤ - إنها سياسة لم تؤد إلى منع الخلاف أو الانقسام أو التضارب فيما بين النظم العربية. 
ومع الأخذ فى الاعتبار هذه الدلالات الأربعة يمكن تحديد أزمة سياسة التضامن العربى فى المرحلة الراهنة الخطيرة والفارقة فى ثلاث نقاط:
- غياب الهدف الواحد.
- عدم توافر إرادة عربية جماعية ملزمة.
- غياب الحد الأدنى للاتفاق بين النظم العربية.
ولما كانت النظم العربية تختلف من حيث البناء الداخلى والتوجه الخارجى خصوصا فى هذه المرحلة بدرجات مختلفة، فإن سياسة التضامن العربى الآن ليس أمامها مفر إلا من مواجهة أزمة التضامن العربى فى القضايا الثلاث المجتمعة.
وأعتقد أن هذا التصور يجب أن يكون المهمة العاجلة والوحيدة أمام الحكام العرب حتى تمكننا مواجهة التحديات الكبيرة والخطيرة التى تنتظرنا. خاصة أن النظام الدولى يحاول بكل قوة إسقاط المنطقة وإعادة تقسيمها... حقا إنها أمة فى خطر والنظام العربى متضارب والشعب العربى يتأمل ويستغرب ويحذر ويتحمل وينتظر.... فماذا أنتم فاعلون يا قادة العرب؟!