من غير لف ودوران وكلام منمق ومزوق، وحتى لا نضيع الوقت والجهد فيما لا طائل من ورائه غير الخلاف وتبادل الاتهامات.. هل ضلت رسالة الرئيس السيسى بشأن تجديد الخطاب الدينى أو الفكر الدينى طريقها؟.. هل المسئولون فى الأزهر والأوقاف جادون فى السعى نحو تصحيح وتجديد الخطاب الدينى؟.. لماذا تأخر التحرك وتأخرت الاستجابة ما يقرب من ثلاث سنوات؟.
الحقيقة وبصراحة مطلقة أن رسالة الرئيس ضلت الطريق، وأنها وصلت إلى غير أهلها وإن كانوا أصحاب الاختصاص كما يزعمون، والحقيقة أيضا أن المسئولين الرسميين (الموظفين) فى الأزهر والأوقاف وكل المجامع الإسلامية وهيئات الكبار غير جادين أو مهتمين بالقضية، ولا بمجرد تمرير الفكرة على عقولهم وقلوبهم!، والدليل هو كل هذا التأخير فى بلورة مشروع جاد يحقق فكرة التجديد المطلوب، ويحقق فكرة التصحيح الضرورى رغم كل ما يحدث عندنا وحولنا بسبب التطرف والغلو ممن يتصدرون مشهد الخطاب الدينى والدعوة، ويعتلى جزء كبير منهم المنابر جهارا نهارا يشوهون الدين ويطمسون عقول الصغار والكبار بأفكار متطرفة وبقضايا لم يعد لها فى زماننا مكان، والنتيجة معروفة لا تحتاج إلى توضيح أو بيان.
فقد اهتم الموظفون فى الأزهر والأوقاف بالشكل (مؤتمرات، وتوصيات، وندوات)، وتركوا المضمون (رسالة الإسلام الوسطية، وكيفية تهيئة العقل والفكر لقبول صحيح الدين، وتنقية التراث مما فيه من اختلاق مدسوس عليه، والتركيز على القضايا المهمة المتفق عليها والابتعاد قدر الممكن عن المختلف عليه والذى لا يفيدنا فى هذا الزمان)، ومما زاد الأمر تعقيدا هو الخلاف الحادث على الشكل.. توحيد خطبة الجمعة.. ثم الخطبة المكتوبة.. ولا ندرى ما تخفيه عبقرية الموظفين فى الأيام القادمة بشأن تصحيح الخطاب الدينى!.
الخطبة المكتوبة تحولت إلى فتنة، «وكأننا ناقصين فتن»، والفتنة ضربت مشايخنا ودعاتنا.. قال الكبار من أئمة المساجد وخطبائها: كيف لنا أن نقرأ من ورقة بعد هذا العمر وهذه الخبرة؟، وما الفرق بين أصحاب الخبرة والعلم وبين المبتدئين الذين لا يجيدون قول جملة منضبطة نحويا؟، وكيف يمارس الخطيب إبداعه ويفقد حالة التواصل الإنسانى مع مستمعيه ومريديه؟، وكيف يؤثر فيهم إذا كان يقرأ من ورقة مكتوبة جملا وعبارات صماء لا روح فيها؟.. وإذا كان الأمر كذلك ما المانع أن نسجلها ونذيعها على المصلين وينتهى الأمر؟.. وكثير من الآراء والتعليقات لا يتسع المجال لها!.
فتنة الخطبة المكتوبة شطرت المسئولين عن تجديد وتصحيح الخطاب الدينى إلى معسكرين.. الأزهر وهيئة كبار العلماء رفضوا الخطبة المكتوبة، ووزير الأوقاف وأشياعه يؤيدون الفكرة ويسعون إلى تحقيقها سعيا وراء رضاء الوزير فهو المسئول عنهم إداريا وماليا!.
الفتنة أخذت القضية المهمة من الشارع الواسع الكبير إلى الحوارى والأزقة، وإمعانا فى (التوهان) زاد الإصرار من كل جانب على رأيه وتمسك به بدلا من الحوار والاستماع فى هدوء للآراء المختلفة حول هذه القضية الهامشية التى لا علاقة لها بتجديد الخطاب الدينى.
الفتنة أوضحت بما لا يدع مجالا للشك أن الرسالة ضلت الطريق وذهبت لغير ذوى الأمر، وإلا بم نفسر أو كيف نقرأ ويقرأ المجتمع كله ما قاله بيان القطاع الدينى بوزارة الأوقاف عقب اجتماع قيادات القطاع الدينى وشباب العلماء من حملة الدكتوراه وغيرهم بديوان عام الوزارة فى حديث لوزير الأوقاف «يسرنا أن نبايعكم على الوقوف خلفكم صفًا واحدًا لتحقيق الهدف المنشود مهما كلفنا ذلك الأمر، فكلنا من خلفك جنود ومن ورائك حماة لهدفك والله لنا ومعكم معين وناصر ،وملتزمون طواعية وحبًا وكرامة بالخطبة الموحدة المكتوبة».. كما جاء بالبيان أيضا «منذ أن توليتم زمام القيادة بوزارة الأوقاف والعهد بكم ألا تأخذكم فى الله لومة لائم فى سبيل نصرة دين الله وإزالة ما علق بالإسلام من غبار جراء أفعال وأقوال تلك الشرذمة الضالة، وفى سبيل ذلك رأينا الجهد الذى تقومون به سيادتكم لنصرة الحق ورفع راية الدين الإسلامى عالية».
هل يمكن التعويل على من يقولون بهذا الخطاب أن يتحملوا مسئولية تصحيح الخطاب الدينى؟، وهل يمكن الوثوق بمن ينظرون للوزير هذه النظرة فى قدرتهم على النجاح؟.. أسئلة مشروعة يطرحها الناس وهم يتابعون (الخناقة) بين الأزهر وعلمائه وبين وزير الأوقاف ودعاته.
ويبدو أن المعركة ليست لوجه الله ولا خدمة للدعوة أو لدور المساجد ورسالتها، ولكنها تعبير عن صراع مكتوم لا غالب فيه ولا مغلوب، لأن الجميع سيخرجون منها مجروحين ومشوهين، وربما صاروا أصغر مما دخلوا فيها!.
الدعوة لتصحيح الخطاب الدينى ذهبت أدراج الرياح مع العاصفة التى اجتاحت مسئولى مؤسساتنا الدينية والدعوية، وبقى لنا إطفاء فتنة الخطبة المكتوبة، والله المستعان.