الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

البيئة الاقتصادية الفاسدة.. والمشكلة الاقتصادية الطاحنة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شغلت كثيرا طوال الأسابيع السابقة بقضية المشكلة الاقتصادية الطاحنة فى بلادنا بسياساتها المتضاربة ودروبها المتعارضة ومصيرها المجهول.. وشغلت أكثر وأكثر بحقيقة الفشل الذى صادفته أغلب تجارب التنمية الاقتصادية فى البلدان التى أرادوا أن يتملقوا طموحها المشروع فسموها بلدانا نامية.. وهى فى الأغلب تكرس التخلف والتبعية بشكل مستحدث.. ولقد تبينت أنه فيما وراء هذه النهاية الأليمة تكمن حقيقة بالغة الخطر وهى محاولة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية إغراق الفكر الاقتصادى بصورة مذهلة بأكداس من المؤلفات النظرية ثم بآليات ومؤسسات دولية كصندوق النقد الدولى والبنك الدولى ويسيطر عليهما الولايات المتحدة والغرب، تعالج التنمية الاقتصادية فى الدول النامية بالضرورة بمفهوم رأسمالى مبتكر، قد يكون مفهوما متقدما عما كان لكنه فى أغلب الأحوال مفهوم غير واقعى قد لا يتوافق مع ظروف هذه الدول، وقد يكشف عن جهد فكرى ممتاز ولكنه يحاكم التخلف من أرضية غربية.
لقد بحثت بصفة خاصة بالتطور الذى يحدث فى القوة الإنتاجية وهى جوهر التنمية الاقتصادية لأى بلد، وهو تطور كانت له دائما انعكاساته الضرورية على البنيان الاجتماعى والسياسى ومن ثم على أسلوب توزيع الثروة والدخول فى المجتمعات.. وللدقة فقد كان لأسلوب توزيع الثروة والدخول ولتطوير علاقات الإنتاج الاجتماعية هى الأخرى تأثير كبير على درجة تطور القوة المنتجة وإنما ظل العامل الحاسم فى هذه العملية كلها هو ما يحدث بالفعل فى تطور الإنتاج أى العمل ثم العمل ثم العمل.. فالمجتمع هو نتاج الفعل أو العمل المتبادل من قبل الأفراد.. هذا يعنى ببساطة أنه بدون عمل لا يوجد مجتمع. إن المشكلة الأولية إنما تكمن إذن هاهنا فى عملية نمو القوة الإنتاجية فى المجتمع.. أى أن جوهر النمو فى كل المجتمعات التى عرفتها الإنسانية حتى الآن إنما يكمن فى إمكانية زيادة العمل البشرى وانعكاس هذه الزيادة بالتالى على أسلوب توزيع واستخدام الناتج القومى أو الاجتماعى.. فالنمو الاقتصادى يتحقق بفضل القيام بتوليفات جديدة لعوامل الإنتاج يكون من شأنها زيادة إنتاجية العمل ومن ثم تزيد كمية المنتجات الموضوعة تحت تصرف المجتمع فتنخفض أسعار هذه المنتجات بصورة موازية لزيادة إنتاجية العمل مع ما يستتبعه ذلك من تغيرات فى التوزيع فيما بين أفراد المجتمع. 
وهنا أجد نفسى فى حالة من الغضب والغليان بالنسبة للألف مصنع التى تم إغلاقها وأطفأت أنوارها وسرح عمالها وأصبح مئات الآلاف من الأسر لا دخل لها وذلك بعد ثورات الخراب العربى يناير ٢٠١١.. أين وزراء الصناعة وقطاع الأعمال العام والمالية ومحافظ البنك المركزى وأيضا رؤساء مجالس إدارات البنوك المصرية.. لماذا لم يتحركوا جميعا ويجتمعون مع أصحاب المصانع المغلقة ليجدوا لهم الحلول لتبدأ هذه المصانع فى الإنتاج وتضاء أنوارها ويعود عمالها إلى أعمالهم ويزداد الإنتاج وبالتالى التصدير والذى يعنى زيادة الدخل القومى من النقد الأجنبى.. البنوك لديها أموال وودائع كبيرة حبيسة ومعطلة فى خزائنها وهى فى مسيس الحاجة إلى استثمارها، وأصحاب المصانع ورجال الأعمال المصريون الشرفاء يعشقون العمل لأنه إكسير الحياة بالنسبة لهم، والمسئولون فى الدولة يعرفون أن هذا أهم مسئولياتهم ورسالاتهم.. ما هذا الوضع الشاذ المنحرف.. كيف لنا أن نبتلع ألسنتنا ونسكت عن هذه الجريمة التى تستحق منا المطالبة بتحويل مرتكبيها إلى محكمة الجنايات.. إن هذا الوضع المتردى مرده البيئة الاقتصادية الفاسدة.. فالمؤسسات الاقتصادية لا تعمل بالكفاءة اللازمة لمواجهة الكارثة الاقتصادية والظروف شديدة الصعوبة التى تواجه المجتمع المصرى.. والسياسات الاقتصادية المالية والنقدية متخلفة وتقليدية عفا عليها الزمن ولا تنسجم أو تتناسب مع فلسفة النظام الاقتصادى العالمى.. أما القيادات فمعظمها قيادات لا يتوفر لديها القدرة والمقدرة والكفاءة والرغبة فى العمل الخلاق.. ومما زاد الوضع الاقتصادى صعوبة فى الإصلاح أن هذه العناصر الأساسية التى تشكل البيئة الاقتصادية منصهرة فى بوتقة الفساد.. وهكذا فإن هذا الوضع الخطير لا يحتاج إلى برنامج إصلاح اقتصادى إنما يحتاج إلى برنامج جراحة اقتصادية يتم من خلالها قطع دابر عناصر الفساد والانحراف وعدم المبالاة والبطء الشديد الذى تتمتع به معظم القيادات الاقتصادية.
وقد جاءت تصريحات المهندس شريف إسماعيل فى مجلس الوزراء بالنسبة لقضية الفساد متسقة مع فكرة المقال وأهدافه.. فقد شدد على أن الدولة لن تسمح بتمرير أى ممارسات للفساد من الجيل الحالى للأجيال القادمة.. وأنها ستواجه تلك الممارسات بصورة حاسمة ورادعة.. مشيرا إلى أن ذلك يتطلب تشديد العقوبات وتطبيق العدالة الناجزة، واتباع مبادئ الشفافية فى كل التعاملات الحكومية وعلى رأسها مسابقات التعيين بالدولة وميكنة الخدمات الحكومية.. التى أعتقد أنها ستحد بدرجة كبيرة من عمليات الفساد وانتشار الرشوة التى اعتاد أن يقدمها المواطن للموظف للحصول على حقه فى أى خدمة حكومية يحتاج إليها.
إن إعادة هيكلة الاقتصاد يجب أن تتم بأسرع ما يمكن لتقليل العجز فى الموازنة العامة للدولة وخفض المديونية.. وهناك قضية هامة وهى قضية التهرب الضريبى لا يجب أن نغض البصر عنها فهناك شريحة كبيرة لم تصل إليها يد الدولة تقدر بنحو ٢٥٪ من إجمالى الفئات المطلوب التحصيل الضريبى منها.. ولذلك يجب على الدولة سرعة اتخاذ الإجراءات الحاسمة والجادة والأمينة لعلاج هذا الوضع السيئ، وأيضا العمل على إصدار قانون القيمة المضافة الذى يتضمن دخول فئات جديدة لم تكن ضمن مجتمع دافعى الضرائب وهذه الضريبة ستوفر نحو ٣١ مليار جنيه بالإضافة إلى ١٧ مليارا من قانون الخدمة المدنية.
إن القيادة السياسية تحرص دائما على عدم المساس بمحدودى الدخل أو معدومى الدخل أو الفئات الأولى بالرعاية بالنسبة لأى قوانين أو قرارات اقتصادية تتعلق برفع أسعار بعض السلع والخدمات وعلى سبيل المثال فقد أعفت الدولة الشرائح الثلاث الأولى الخاصة بمحدودى الدخل من أى زيادات فى أسعار الكهرباء.. ولا بأس من هذا الإجراء ولكن هذه الشريحة من شرائح المجتمع الأولى بالرعاية عليها واجبات لا بد من أن تقوم بها.. فلا ينبغى أن يكون أعلى نسبة فى الإنجاب تأتى من هذه الشريحة.. فحين تسأل أحدا من محدودى الدخل عندك أولاد؟ تأتى الإجابة نعم، ثم يأتى السؤال المنطقى الثانى كم عدد أولادك؟ تأتى الإجابة المستفزة للغاية ٩ أفراد وأحيانا ١٠ أو أكثر أو أقل قليلا.. هذا الوضع لا يستقيم مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة لأن بقية فئات المجتمع تتحمل أعباء هذه الإعفاءات التى يتمتعون بها بالنسبة لأى زيادة تتخذها الدولة لأسعار السلع والخدمات.. الدولة لا تتحمل هذه الأعباء.. كما تتحمل بقية فئات المجتمع أعباء الصرف على هذه الأعداد الكبيرة فيما يتعلق بالتعليم والصحة والإسكان والأمن وغيرها من الخدمات.. فالعشوائيات التى وجدت كانت صناعة فئة محدودى الدخل التى هاجرت هجرة غير شرعية من الريف إلى الحضر وتجمعت فى هذه المناطق العشوائية.. وبهذا العمل غير القانونى تركت الزراعة التى كانت مصدر دخلها وهى أصل المجتمع المصرى.. فقد عاش الفلاح منذ القدم يغمر الأرض بعرقه ويغمر النيل الأرض بفيضه.. فحين تترك هذه الفئة موطنها الأصلى وهو الريف يؤثر ذلك سلبا على الإنتاجية الزراعية كما يؤدى إلى ارتفاع أجر العامل الزراعى الذى أصبح سلعة نادرة ووصل أجر العامل الزراعى إلى نحو ١٠٠ جنيه فى اليوم... ما أدى إلى ارتفاع تكلفة المحاصيل الزراعية وبالتالى ارتفاع أسعار بيعها للمستهلك.. ثم إن هذه الهجرة غير الشرعية التى تتركز فى عواصم المحافظات تشتغل بأعمال غير منتجة ولا يحتاج إليها المجتمع، وتتسبب فى نشر الزحام والكثافة السكانية والأمراض الصحية والاجتماعية الخطيرة.. ولذلك فإننى أطالب هؤلاء المواطنين بأن يتحملوا مسئولياتهم قبل المجتمع الذى يرعاهم وأن يفكروا فى العودة مرة ثانية إلى الريف والعمل بقطاع الزراعة.. إن رعاية هذه الفئة التى تمثل ثلث حجم المجتمع المصرى لا يعنى أن تتمادى وتمد رجليها فى وجه المجتمع.. بل عليها أن تحد من الإنجاب الجنونى وأن ترعى مصالح المجتمع.