يمر العالم اليوم بتحولات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة ومتسارعة امتلك فيها الإنسان ناصية الفضاء والأرض والبحار وتجمع لديه إمكانيات لم يسمع عنها من قبل ووضع يديه على وسائل الرعب النووى والدمار الكيماوى والبيولوجى وأنواع أخرى فتاكة لا داعى لذكرها.. وبدا أن حجم القوة العسكرية من منظور حسابات القوة الشاملة لأى دولة لم يعد هو الفيصل فى تحديد أسلوب التعامل مع قضايا السياسة الخارجية المتشابكة وإن كان هو أحد أدوات الردع.. فدولة مثل كوريا الشمالية على قدر صغر حجم سكانها ومساحتها وقلة مواردها الاقتصادية إلا إنها قادرة أن تبعث الفزع والخوف فى قلوب الأمريكيين والأوروبيين.. لأن كوريا الشمالية لديها السلاح النووى وفى مقدورها أن تطلق صواريخها النووية لتدمر النصف الغربى للولايات المتحدة.. لذلك فالولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى تعملان لكوريا الشمالية ألف حساب لأن لديها أحد الأسلحة التى تجعل لها مكانا مقدرا فى المجتمع الدولى.
وليس السلاح النووى هو السلاح الوحيد الذى يحمى أى دولة من الاعتداء وقهر وبطش واستغلال الدول الباغية المستغلة فى النظام الدولى وإنما هناك العديد من الوسائل التى يمكن أن تكون فتاكة ورادعة أمام الدول العظمى.
وفى هذا الإطار فلا بد من الاعتراف بأن المال العربى والبترول العربى والموقع الاستراتيجى العربى تعتبر سلاحا استراتيجيا رادعا فى يد العرب لم يستفد منه العرب كما ينبغى أن يكون كإحدى الأدوات البديلة للقوة النووية تلوح بها فى وجه الولايات المتحدة والغرب.. فالدول العربية تواجه مرحلة حرجة للغاية سواء النفطية أم غير النفطية وأن المستقبل يخبئ مفاجآت بالغة الخطورة بعد ثورات الخراب العربى «يناير ٢٠١١» وانتشار الفوضى والدمار والإرهاب والحروب على امتداد الوطن العربى غيرت مفاهيم كثيرة ولم يكن النفط العربى والطاقة فى معزل عنها.. إن المسئولية الآن تقع على عاتق الدول النفطية وبمفهوم متفتح ومستقيم وجرىء.. وليعلم قادة العرب أن أى كارثة تحل بأى اقتصاد فى أى دولة عربية غنية أو فقيرة هى كارثة ستلحق آثارها بكل الدول العربية.. إن أجراس الخطر تقرع فى مناطق كثيرة فى الوطن العربى فى اليمن والعراق وليبيا وسوريا وتجر معها بقية الدول العربية الغنية نفطيا وماليا أو القوية عسكريا وحضاريا ولذلك فلا بد من استقامة القصد والبعد عن ألاعيب السياسة الفجة وتقوية الهوية العربية والإرادة العربية المشتركة لإنقاذ النظام العربى من انهيار متوقع فى ظل المناخ السائد فى الخليج.. فالولايات المتحدة لا يهمها من كل هذا سوى أن تضع يدها على منابع النفط والثروة العربية والموقع الاستراتيجى العام فى الوطن العربى.
هنا أجد نفسى فى حيرة من موقف روسيا الدولة الصديقة السلبى من قضية السياحة المصرية وعدم استئناف رحلات السياحة والطيران الروسى إلى مصر حتى الآن.. وأيضا موقف إيطاليا الشاذ الذى ليس له تفسير ولا منطق حتى إذا بررنا الموقف الإيطالى وربطناه بقضية الانتخابات الإيطالية فلن نجد لذلك تبريرا معقولا.. والسؤال الهام الذى يطرح نفسه هو ما دخل الدولة المصرية بشخص إيطالى مات فى مصر إثر حادثة تحدث كل يوم فى دول كثيرة من العالم؟ وما هو هذا الـ«ريجينى» الذى تقف إيطاليا من أجله ولا تقعد حتى الآن فلتستمر إيطاليا واقفة إلى أن تظهر الحقائق ووقتها ستندم، حيث لا ينفع الندم على كل تصرفاتها الشاذة العدائية التى اتخذتها ضد مصر الدولة الصديقة التى تحارب الإرهاب لتمنعه من الوصول إلى المدن الإيطالية وأيضا تمنع الهجرة غير الشرعية من الوصول إلى الشاطئ الآخر من البحر المتوسط لتحمى قلب إيطاليا من اعتداءات هذه الهجرة.
المهم الدول العربية مدعوة لمزيد من التقارب والتفاهم والتعاون والتنسيق فيما بينها لبناء قاعدة عريضة ومتينة وعميقة من التكامل الإنتاجى والاستهلاكى العربى.. والقطاع الخاص فى الوطن العربى مطالب بالتضحية بالأرباح الآنية من الاستثمارات الداخلية فى الوقت الراهن مقابل تحقيق أرباح عالية فى المستقبل.. والقطاع التموينى والاستثمارى مطالب بتسهيل انسياب الاستثمارات بين الدول العربية المؤهلة لاستقبال مثل هذه الاستثمارات واجتذاب الأموال للعالم العربى من مصادر أجنبية.
وتأسيسا على ذلك فإننى أتساءل أين القوة العربية المشتركة التى وافق عليها القادة العرب قبل ذلك واتخذوا خطوات تنفيذية جادة فى هذا المقام.. وفجأة تبدلت القوة ليحل محلها إنشاء قوة التحالف الإسلامى بقيادة المملكة السعودية؟ يا ترى ما هى الدولة التى تقف ضد تكوين هذه القوة العربية المشتركة؟ وما مصلحتها فى ذلك؟ الشعوب العربية تعرف كل تفاصيل هذه القضية.. ثم أين استراتيجية الدفاع العربى المشترك؟ لقد خبت واختفت ولا أحد يعرف السبب.. أين التكامل الاقتصادى العربى؟ أين الصناعات الحربية العربية ومصر لديها أكبر صناعة عسكرية فى الشرق الأوسط ولا ينقصها إلا المال المتاح لدى بعض الدول العربية.. وهذا المال العربى موجود فى البنوك الأمريكية والغربية «١.٥ تريليون دولار» ومصر فى حاجة إلى جزء ضئيل جدا من هذه الأموال العربية الموجودة بالخارج عند أعداء العرب.. أيها العرب لا ترموا أنفسكم فى أحضان أعدائكم أحضان الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا.
إن النظام العربى فى حاجة إلى قائد قوى يقود السفينة العربية وسط هذه العواصف والأعاصير العاتية والشديدة التى تواجه الوطن العربى لتعصف به وتقضى عليه.. رحم الله جمال عبدالناصر قاد دربا لم يمهد بعد.. والشعوب العربية تنتظر من القادة العرب العمل على وضع تصور عربى لوعاء عربى حضارى يتناسب مع مقتضيات الوضع المتأزم فى الوطن العربى وأيضا يحدد الهدف القومى العام، فما زال هذا الهدف فى حاجة إلى بلورة.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو إن الشعوب العربية تنتظر أن تجد لديكم الإجابة عن الأسئلة الآتية:
- كيف يمكن إصلاح اختلال التوازن الاستراتيجى خصوصا فى إطار التفوق الإسرائيلى والقدرة النووية الإسرائيلية وتصميم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى على إسقاط المنطقة العربية وإعادة تقسيم دولها؟
- كيف يمكن إصلاح اختلال التوازن الاقتصادى داخل العائلة العربية خاصة فى إطار ندرة الموارد العربية وعدم تكامل القدرات؟
- كيف يمكن أن نعيد التوازن بين قضية الاستقلال السياسى والاستقلال الاقتصادى والاجتماعى فى الوطن العربى؟
- كيف يمكن تجميع القدرة العسكرية العربية والتوصل إلى مبدأ عسكرى عربي؟
- كيف يمكن تطوير وتنمية الصناعات الحربية العربية والتخلص على قدر المستطاع من التبعية للدول الغربية المصنعة للسلاح؟
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو لعلكم تتفقون على أنه لا بد من وجود آليات فاعلة وقوية من أجل احتواء الخلافات العربية وحل النزاعات بالطرق السلمية.. إن الوحدة العربية ليست مجرد حلم جميل أو كابوس مخيف إنما هى المخرج الوحيد من المآزق العديدة التى تترقب خطواتنا المقبلة والتحديات والمشاكل الحادة التى تواجهنا.. الولايات المتحدة ودول الغرب تكره العرب وتحقد عليهم وتريد أن تُسقط الوطن العربى وتدمر النظام العربى وتقضى على الإسلام الذى تعتبره العدو الرئيسى والوحيد الآن بعد أن أسقط الشيوعية وقضى عليها.. فإذا لم نسرع الخطى ونفهم حقائق الأمور ونفهم أعداءنا فإننا سنواجه مصاعب وأزمات لا يعرف إلا الله عز وجل مداها وآثارها.. إن إرادتنا يجب أن تسود فإن لم تسد فإن إرادة الآخرين هى التى ستسود.. طالما غابت عن الأمة العربية الصراحة والمكاشفة والمحبة والاستقامة والتضامن العربى وحينذاك لن يلوم العرب سوى أنفسهم ولن ينفع المال ولا البترول ولا صداقة ومحبة أمريكا وبريطانيا وتركيا.