الإثنين 30 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

الشيخ الذهبي.. رصاص التكفير يغتال المفكر الفقيه

الشيخ يواجه جماعة شكرى مصطفى بالفكر والجماعة ترد بالخطف والاغتيال

الشيخ الذهبى
الشيخ الذهبى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تلقى تحذيرًا من «الشكريين» للتوقف على مناقشة أفكار التنظيم وانتقادها ورفض.. فاجتمع «شكرى» بأتباعه وقال: «اقتلوه قضي الأمر »

الشيخ الذهبى كان هو الشخص الوحيد الذى تصدى لأفكار جماعة التكفير والهجرة، بنفس المنطق، وبنفس القواعد، وهم أدركوا ذلك، فحذروه لكنه أبى، فخطفوه واغتالوه. 
وضع شكرى مصطفى أسسًا فكرية لجماعة التكفير، كان من أهمها كتاباه «التبين»، و«الإصرار»، الذى تحدث فيهما عن كيفية الحكم على الأفراد والمجتمع.
فى كتابه «التوسمات»، كفر من لا ينضم لجماعته، حتى ولو كان هذا المسلم يؤدى كل ما عليه من طاعات ويتجنب المعاصى والآثام.
وقال بأقوال الخوارج بتكفير مرتكب المعصية، وقال إنه مساوى للشرك بالله، ولا توجد صغائر وكبائر فى الدين، وفسر قوله تعالى (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ) تفسيرًا خاطئًا، فيما قال إن أداء طاعة واحدة مفروضة تسقط بقية الطاعات الأخرى التى يؤديها المسلم، إذ لا بد أن تؤدى جميع الطاعات المفروضة مجتمعة وإلا فكأنها لم تكن، مساويًا بين الظلم والفسق والكفر، وقال إن الظالم والفاسق كافر، فكلمتا فسق وظلم مرادفتان لكلمة كفر. 
كما حرم الصلاة بالمساجد، والتعليم فى المدارس، وقال بالنص «لم نجد رسول الله يفتتح الكتاتيب والمعاهد لتعليم المسلمين الكتابة والحساب، وإنما أذن رسول الله فى التعليم بقدر الحاجة والضرورة لكتابة القرآن، وقد ثبت أن الأعلم بالله والأتقى له هو الأقل علمًا بأمور الدنيا».
وزعم أن صلاة الجمعة لا تجوز لجماعته المسلمة «فإن نودى لصلاة الجمعة من مناد غير خاضع للجماعة والجماعة غير باسطة سلطانها على هذا المسجد فلا فريضة للجمعة عندنا - حتى ولو كان المسجد الحرام».
كما حرم الالتحاق بالجيش، وأفتى بتحريم المرأة التى تدخل جماعته على زوجها لأنه كافر.
كان من أخطر الآراء التى ذكرها شكرى مصطفى، هو زعمه عدم ثبوت القرآن، حيث قال: «القرآن ليس قطعى الثبوت من الناحية النظرية المطلقة، ولكنه عمليًا فى أعلى درجات الثبوت التى تكفى لعبادة الله».
أصدر الشيخ الذهبى كتابًا مفصلًا للرد على التكفير والهجرة، كان يحمل عنوان «قبسات من هدى الإسلام»، وقد نشر عام ١٩٧٥ وقام بإعداده أعضاء المكتب الفنى لنشر الدعوة الإسلامية بوزارة الأوقاف.
أما الكتاب فقد تحدث عن معنى الإيمان فى الإسلام وقال إن أحكام الإسلام تجرى على كل من ينطق بشهادة لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وليس لنا أن نبحث فى مدى صدق شهادته، فذلك مرتبط بما استشعر بقلبه وهو أمر لا سبيل للكشف عنه أو التثبت منه، فهو من شأن الذى يعلم السر وأخفى، والمجمع عليه من أهل الإسلام أن الذى يعصم ماله ودمه بالشهادتين فهو المسلم، وأن من قال لا إله إلا الله وكان فى قلبه مثقال ذرة من خير ليس مشركًا، والكافر والمشرك سواء، بل لقد ذهب النبى، صلى الله عليه وسلم، إلى أبعد من ذلك، فقد قبل إسلام الناس الذين دخلوا فى دين الله أفواجًا من العرب المستعربين، ومن الأرقّاء دون إجراء ما يفيد التأكد من أن كل فرد منهم قد فهم معنى الشهادتين، فليس هناك اشتراط أن تكون أعمال الشخص مصدقة لشهادته حتى يحكم بإسلامه وعدم كفره، إن الشخص يعتبر مسلمًا فى ذات اللحظة التى ينطق فيها بالشهادتين، وقد كان أبوطالب، عم النبى، يحتضر على فراش الموت والرسول عليه الصلاة والسلام يلح عليه أن ينطق بالشهادتين حتى يشهد له بها عند الله.
كما قال: إنه ما دام مرتكب الكبيرة ليس كافرًا، فعلى الذين يوزعون الإيمان والكفر على الناس، أن يراجعوا أنفسهم مرات ومرات، وإلا باءوا بإثم ما رموا به غيرهم، عملًا بقول الرسول الكريم «لا يرمى رجل رجلًا بالفسق أو يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك». 
وقال كذلك، إن من أهم أسس الدعوة الإسلامية، أن يتحسس الداعى أدوار المجتمع وينصت لشكاياته ولا يضيق بها ولا ييأس من علاجها، ولذلك فإن فراره من الميدان هروب من الواجب، وتلك نقيصة لا تقبل من أصحاب الدعوات وجريمة فى حق المجتمع لا يرضى عنها الله، وإن من أسس الدعوة الإسلامية أيضًا الموعظة الحسنة، فهى لون من ألوان الحكمة ومظهر من مظاهرها.
وأصدر الذهبى كتابه «التطرف» عن العنف والإرهاب، انتقد فيه تسمية «الإرهاب الدينى» قائلًا ما نصه: «إن الدين ليس فيه إرهاب لأن رسالات السماء دعت إلى التسامح والتعاون بلا إكراه ولا سيطرة على البشر، والإسلام أعلن ذلك صراحة فى قوله تعالى (لا إكراه فى الدين) وقوله (لكم دينكم ولى دين) وقال لرسوله (لست عليهم بمسيطر). 
عندما صدر كتاب التطرف، أصدر شكرى مصطفى أوامره للأعضاء بشراء كل النسخ وحرقها، فقام الشيخ بطبعة ثانية وتوزيعها على قيادات الفكر والإعلام. بعد ذلك طلب د. الذهبى من مجموعة من كبار العلماء أن يضعوا كتيبًا يدينون فيه هذه الأفكار المتطرفة، وكتب له المقدمة وقام بتحريره بأسلوب مهذب وهادئ جدًا.
فى مؤتمر لوزارة الأوقاف هدد شاب الدكتور الذهبى، وقال له أنت دخلت معنا فى معركة، فرد الشيخ متلطفاً: ولماذا المعركة؟ ولماذا لا نتناقش الحجة بالحجة ونعلى لغة العقل؟ لكن الشاب أصر على كلامه. 
قبل اغتيال الشيخ، كتب كتاب «التفسير والمفسرون» تناول فيه مصادر الخرافات والإسرائيليات التى دخلت فى بعض كتب التفسير وضرب مثالًا بكتاب الثعلبى فى تفسير بعض آيات سورة الكهف، الذى ذكر فيه رواية بها أسماء الفتية أهل الكهف، وحوار غريب بين الكلب والفتية.
كانت رسالة الشيخ الحقيقية إعادة الفكر الإسلامى إلى الطريق السليم بعيدا عن الخرافات وكانت من أبرز مؤلفاته «تفسير ابن عربى للقرآن.. حقيقته وخطره» رافضا التفسيرات اللغوية التى تحمِّل القرآن فوق ما يطيق.
أرسلت الجماعة تحذيرًا للشيخ الذهبى بالتوقف عن مناقشة أفكار التنظيم، لكنه أبى التوقف، وواصل مؤلفاته ومقالاته، فاجتمع شكرى بأتباعه، وقال اقتلوه، لقد قضى الأمر.
عقب أن صلى الشيخ وزير الأوقاف الأسبق الفجر، يوم الأحد ٣ يوليو ١٩٧٧، وعاد لمنزله بحدائق حلوان، وهم بالعودة للنوم، دق جرس الباب، ففتح ابنه الدكتور مصطفى الباب، ليفاجأ بخمسة رجال، أحدهم بملابس الشرطة برتبة رائد، وهو من سأل عن الشيخ، فدعاهم لدخول الصالون وتركهم ليوقظ والده، فإذا بأحدهم يتبعه ليوشك على الدخول معه فمنعه، وقال له إن للبيوت حرمة، وعلى الصوت هب الشيخ من نومه، فقال له ابنه، إنهم من مباحث أمن الدولة!!.
أدرك الشيخ أنهم جماعة التكفير، وهم ليسوا لصوصًا لأنه ليس ثريًا، وليس عنده ما يجعل أحدًا يطمع به، سوى منزله، ومكتبته المليئة بالكتب، ومقبرة اشتراها قبل مقتله بشهر واحد بمقابر الإمام الشافعى، كما أنه لم يفعل ما يستثير الأمن مطلقًا، ولم يدخل فى معارك مع أحد سوى مع الفاسدين فى وزارة الأوقاف. 
لم يدعه إرهابيو التكفير والهجرة يكمل ملابسه، فشدوه بين أولاده المحيطين به، أسامة ومحمد ومصطفى وعزة وفاطمة وأسماء وسعاد، ووضعوه فى سيارة فيات ١٢٨ وركب باقى المجموعة فى سيارة مازدا تحمل رقم ٢٨٧٩٣ ملاكى القاهرة. لم تعرف الداخلية من الذى اختطف الشيخ، إلا بعد إعلان الجماعة مسئوليتها عن الحادث، حيث أصدرت بيانًا طالبت فيه، وفق الموسوعة الأمنية للأستاذ مختار نوح، بـ«الإفراج الفورى عن أعضاء الجماعة المقبوض عليهم، وكذلك المحكوم عليهم فى قضايا سابقة، ودفع مائتى ألف جنيه كفدية، واعتذار الصحافة المصرية عما نشرته من إساءات فى حق الجماعة، وكذلك نشر كتاب شكرى مصطفى «الخلافة» على حلقات بالصفحة الأولى فى الصحف اليومية، وتسليم الطفلة سمية ابنة رجب عمر، أحد أعضاء الجماعة المنشقين عليها لأمها، التى تمسكت بعضويتها فى الجماعة، ورفضت الذهاب مع زوجها». 
توسط المحامى شوكت التونى، بين الأمن والجماعة، ليمد من أجل إنذار قتل الشيخ الذهبى من الساعة ١٢ ظهرًا إلى الخامسة مساء.
وافق المهندس عثمان أحمد عثمان، صديق الشيخ الذهبى، على دفع الفدية، لكن رئيس الوزراء الأسبق ممدوح سالم رفض شروط الجماعة، وقال (دول شوية عيال، وكل شيء سينتهى على ما يرام بعد ساعة أو اتنين).
انتظر شكرى مصطفى للصباح، ليتابع الحلقة الأولى من كتابه (الخلافة) فى الصحف اليومية، ولما فوجئ بخلوها من كتابه، أصدر أمرًا فوريًا بقتل الشيخ.
ربطوا الشيخ فى السرير، ودخل عليه أحمد طارق عبدالعليم، ضابط شرطة سابق، وأطلق رصاصة فى عين الشيخ اليسرى، وهو يقول، (العين التى يسكن فيها الشيطان).
وصلت معلومات للداخلية حول إحدى الشقق فى مدينة الأندلس، بالهرم، وتم القبض على شخصين من أعضاء الجماعة ومدفع رشاش وألف طلقة، وأثناء تفتيشهم الشقة، دخل شخص ثالث ولم يكن يدرى بما يجرى، وفى يده رسالة، ولما رأى الشرطة حاول ابتلاعها، وكانت رسالة بالشفرة من أمير الجماعة، تتضمن الأمر بنقل جثمان الدكتور الذهبى من الفيلا بشارع محمد حسن، على عربة كارو، بعد إجراء عمليات الإخفاء والتمويه، وزيادة كمية النشادر منعا لتسرب أى رائحة، وبعدها تنقل داخل إحدى السيارات إلى منطقة أبوقتاتة لتلقى فى أحد المصارف، وكان نصها: «تنفيذا للدور الذى كلفتم به نرجو أن تعدو خيشا ونشادر وعربة يد لنقل البضاعة من المكان المعروف إلى ترعة الزمر». 
عثرت الشرطة على جثمان الشيخ حافيًا معصوب العينين بشال أبيض، راقدًا بجلبابه الأبيض، وغارقًا فى الدماء فوق الفراش وبجانبه نظارته الطبية، وطلقة رصاص فارغة وأخرى مستقرة فى عينه اليسرى. فى يوم ١١ عشر أغسطس تم القبض على أحمد طارق عبدالعليم فى منطقة ساقية مكى فى الجيزة بعد قرابة أربعين يوما من هروبه وتزامن القبض عليه مع إعلان المدعى العام العسكرى لقرار الاتهام بالقضية. يقول اللواء فؤاد علام، نائب رئيس جهاز أمن الدولة الأسبق: طارق عبدالعليم كان شخصًا عاديًا جدًا، بالعكس لم يكن ملتزمًا من الناحية الدينية وكانت له علاقات نسائية، يعنى سلوكياته سلوكيات شاب مندفع ومتهور، ومالوش علاقة بالناحية الدينية، كان مطلوبًا القبض على واحد فى بورسعيد والضابط ده كان موجود بيشتغل فى بورسعيد، فلما راحوا يقبضوا على الولد بتاع بورسعيد لقوا معاه طارق عبدالعليم فى البيت، فلما اتعرض الأمر بكل أسف على نائب وزير الداخلية فى هذا الوقت اللواء نبوى إسماعيل اتخذ قرارًا بمحاكمته تأديبيًا ونقله من بورسعيد إلى بنى سويف، الولد أصيب بحالة من الحقد الشديد مرة واحدة على الدولة، وفكر إزاى ينتقم وعثر على جماعة التكفير والهجرة، وهم أخذوه فى السكة الغلط وكلفوه بعملية اغتيال الشيخ الذهبى وقام فعلا بتنفيذها». بعد حادث اختطاف وقتل الشيخ الذهبى، قام أحمد طارق عبدالعليم أثناء هروبه بتنفيذ عدد من التفجيرات والشراك الخداعية أدت إلى وقوع إصابات بين رجال الأمن، حينما حاولوا الوصول إلى بعض مقار الجماعة، واعتبر بعض المحللين أن لأحمد طارق عبدالعليم اليد الطولى فى أعمال العنف التى قامت بها الجماعة منذ انضمامه إليها.
بتاريخ ٣٠/١١/١٩٧٧ أصدرت المحكمة العسكرية العليا حكمها بإعدام شكرى أحمد مصطفى، ونائب رئيس الجماعة ماهر عبدالعزيز بكرى، ومحمد عبدالمقصود السيد غازى، وأحمد طارق عبدالعليم «ضابط الشرطة»، كما أصدرت أحكامًا على باقى المتهمين من أعضاء التنظيم تتراوح بين الأشغال الشاقة المؤبدة والسجن. وفى غرفة الإعدام، وقبل تنفيذه بدقائق، قال شكرى، قولوا لأتباعى أن يراجعوا ما هم عليه.