الضرائب فى مصر كلمة سيئة السمعة، وضيف غير مرغوب فيه، ومصدر قلق و«عكننة» على الغلابة ومحدودى الدخل، وكلما جاءت كلمة ضريبة على لسان أى مسئول بسرعة يتحسس هؤلاء الغلابة جيوبهم ويتوجسون خيفة، ويتوقعون شرا مستطيرا.. فالسمعة سيئة وتجارب المصريين مع الضرائب لا تبشر بخير أبدا عليهم، وما يحدث مع الضرائب يحدث عند الحديث عن علاوة أو أى زيادة طفيفة فى المرتبات حتى إن كانت الزيادة لا تكفى لشراء زجاجة زيت رديء لقلى البطاطس والباذنجان لدرجة أن الكثيرين يقولون «بلاها علاوة، وبلاها زيادة».. جابت لنا زيادة فى أسعار كل شيء حتى الفجل والجرجير!
حالة خاص تنفرد بها السوق فى مصر، ويتميز بها تجارنا -ربنا يكرمهم- الذين لا يتركون علاوة أو زيادة أو ضريبة إلا وتركبهم الروح الشريرة تجاه محدودى الدخل الذين يعيشون على حد الكفاف ويكملون عشاءهم نوما هربا من الجوع والحرمان.
إذا صدر تصريح أو خبر عن زيادة ما سن التجار أسنانهم وشحذوا أسلحتهم وجهزوا مبرراتهم للانقضاض على هذه الزيادة فتتحول بقدرة قادر إلى جيوبهم، ومين يقدر يتكلم أو يعترض؟! كل شيء ميسر لهم.. غياب رقابة.. وانعدام ضمير.. وحاجة مستهلك للبقاء حيا ولو كانت حياته ضنكا.
وإذا قررت الحكومة ضريبة تحت زعم خطة للإصلاح الضريبى لمعالجة تشوهات قانون قائم.. فالحال مع الغلابة هو الحال بل أسوأ بكثير.. فالضريبة التى يجب أن يدفعها التاجر والمستورد والصانع والتى لن تؤثر فى دخله غير القليل جدا من هامش أرباحه الطائلة التى تصل فى أحيان كثيرة إلى أكثر من ٥٠٪.. لن يدفعها غير المستهلك.. طبعا «الغاوى ينقط بطاقيته».. المستهلك هو الحلقة الأضعف، وهو الذى يدفع ثمن كل تكلفة، وهو المسئول عن «خيبة» أى حكومة تفشل فى مواجهة محتكرى السلع، وأباطرة استيراد كل شيء حتى الثوم والآيس كريم ولحوم القطط والكلاب.. المستهلك هو «الحيطة» المايلة، وهو الذى يجب عليه الصبر والاحتمال ومساندة الدولة فى أزمتها!
ضريبة القيمة المضافة -التى لا يفهمها أحد- وصلت البرلمان وهى فى مرحلة النقاش والبحث.. لم يأخذ مجلس النواب قرارا بشأنها حتى الآن سواء فى اللجنة المختصة أو الجلسة العامة.. وبمجرد الإعلان عنها سرت النار فى الهشيم، وامتلأت الميديا بالأخبار والشائعات عن زيادة حدثت فى الأسعار، وعن سلع تختفى لتعطيش السوق تمهيدا لرفع أسعارها وخرجت الأصوات تتحدث عن زيادة فى السيارات والسجائر وبعض السلع المعمرة، وخرج مسئولون فى الحكومة ووزارة المالية ينفون أى زيادة على ٩٠٪ من السلع فى الوقت الذى يتحدث فيه الناس عن زيادة فى كل السلع قبل إقرار الضريبة أو معرفة لائحتها التنفيذية.. قالوا للمسئول «احلف.. قال جالك الفرج».. لن يصدق المستهلك أو المواطن أنه لن يتحمل فاتورة هذه الضريبة، ولن يصدق الغلابة أنهم لن يتأثروا فى حاجاتهم الضرورية.. فسجل الثقة بينهم وبين الحكومة.. حدث ولا حرج..!
الحكومة تعمل العملة.. وترمى الكرة فى ملعب المستهلك الضعيف الغلبان وتطلب منه تسجيل هدف فى مرمى التجار، والمستهلك لا حول له ولا قوة، وإذا استنجد بأجهزة الرقابة.. «موت يا..» معاك ربنا!
إذا كانت الحكومة جادة فى الانحياز للغلابة الذين يدفعون الثمن والذين يشكلون الظهير لها.. عليها أن تكون جادة فى الرقابة، وسريعة فى التدخل لحماية الناس من الجشع والنصب الذى يحدث لهم، وعليها أن تقدم للقانون والعدالة الناجزة كل من يلعب فى هذه المنطقة لأنها أخطر على الوطن من الإرهاب.. على الحكومة أن تنتبه قبل أن تنفد طاقة الاحتمال عند الغلابة.. ملح هذا الوطن وقوته الحقيقية، وعليها أن تتحمل مسئولية المواجهة بدلا من المستهلك.. الحلقة الضعيفة القابلة للكسر.