الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

العالم المضطرب والانتحار الذاتي للنظام الدولي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان الخطأ الكبير الذى وقع فيه الرئيس أنور السادات رحمة الله عليه هو ما أعلنه منذ اليوم الأول من توليه حكم مصر أن ٩٩٪ من أوراق اللعبة السياسية وحل المشاكل الدولية فى يد الولايات المتحدة الأمريكية، وارتمى فى أحضانها، وسلم نفسه ونظامه إليها. ويوما بعد يوم تغلغلت الرأسمالية فى أحشاء مصر وغدا الارتباط الأمريكى قيدا حديديا رهيبا فى صنع واتخاذ القرار المصرى. والخطأ الثانى الذى ارتكبه الرئيس السادات هو إطلاق سراح قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين من السجون المصرية واستخدامهم فى مواجهة التيار الناصرى واليسارى، الذى بدا قويًا ومؤثرًا فى الشارع السياسى المصرى، ومهددًا لنظام الحكم الساداتى. وأخذت جماعة الشر تكبر وتتوسع وتتغلغل داخل النسيج المصرى وداخل مؤسسات الدولة المختلفة. وكعادة جماعة الإخوان الشريرة عضت اليد التى أحسنت إليها وأخرجتها من السجون بل كسرت رقبتها برصاصة غادرة اخترقت عنق الرئيس السادات، ولقى حتفه فى الحال.
ولو ميخائيل جورباتشوف الرئيس الأسبق للاتحاد السوفيتى، قرأ التاريخ واستفاد من عبره ودروسه وتجاربه، لكان قد نجا بنفسه وبلده من الهلاك والضياع والانهيار الذى حدث لها. ولكنه للأسف فعل ما فعله الرئيس السادات، ولكن بصورة أكثر انحرافًا وتطرفًا وجهلًا، صدق وعود الدول الغربية بالنسبة لوقوفها معه ومساعدته لإنقاذ الاتحاد السوفيتى من الضياع وحل مشكلاته الاقتصادية الحادة، وارتمى جورباتشوف فى أحضان الرئيس الأمريكى بوش الأب، وسلم نفسه ونظامه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبات الارتباط السوفيتى الأمريكى الشاذ قيدًا حديديًا رهيبًا، فى صنع واتخاذ القرار السوفيتى وبالتحديد القرارات الاقتصادية والعسكرية، فقد تدهورت الأوضاع الاقتصادية، وتوقفت عجلة الإنتاج فى مواقع العمل والإنتاج، وتراجعت برامج التسليح، باختصار اهتز النظام السوفيتى من جذوره وانكمش الدور السوفيتى الدولى والإقليمى، وضاعت المكانة والهيمنة السياسية التى استمر يتمتع بها فى النظام الدولى منذ الخمسينيات من القرن الماضى، وعجز الاقتصاد السوفيتى عن خدمة أعباء الدور العالمى، بسبب الإنفاق العسكرى الهائل على سباق التسلح مع الرأسماليات الغربية، وكف عن تلبية حاجات المظهر الخارجى والدعائى للدولة الكبرى، كالمنافسة فى الفضاء وتقديم المساندة السياسية والمساعدات المادية والاقتصادية للدول الصديقة والحليفة. وأصبح الموقف السوفيتى صعبا وأصبح الاقتصاد فى أزمة حادة تحتاج إلى معجزة لمواجهتها. ووعدت الولايات المتحدة جورباتشوف بتقديم مساعدة مالية ضخمة، قرابة ١٠٠ مليار دولار للخروج من هذا الوضع الاقتصادى الصعب، وإنقاذ الدولة السوفيتية من الضياع، ولكن هذا كله مرهون بالاستجابة إلي مطالب الدول الصناعية الكبرى بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، بالتطبيق الحرفى لاقتصاد قوى السوق، وذلك من خلال اللقاءات والمؤتمرات التى اتفقت فيها الدول الصناعية الكبرى على هذه النقطة الأساسية.
وفى سبيل حصول جورباتشوف على تلك المساعدات المالية الضخمة بدأ يتنازل عن عقيدة النظام، ثم تنازل عن الاقتصاد الماركسى المخطط والموجه، ثم عن حزب النظام، وهكذا نفذ جورباتشوف توجيهات الولايات المتحدة والدول الغربية للاتجاه إلى الرأسمالية، ولكن هذه الدول ضحكت عليه، ولم يحصل على أى مساعدة. كل ذلك أدى إلى انقلاب الشيوعيين الراديكاليين عليه. وكانت المؤسسة العسكرية ممثلة بقوة فى لجنة الدولة التى قادت انقلاب أغسطس ١٩٩١ وانقلبت عليه الجمهوريات.
واكتشف جورباتشوف بعد خروجه من الاعتقال أن العالم قد تغير تماما لا أحد يريده. الجمهوريات السوفيتية لم تعد تقبل حتى برابطة سياسية رمزية، بما فى ذلك الجمهوريات السلافية الشقيقة للروس كأوكرانيا وروسيا البيضاء.
حتى الرئيس الروسى يلتسين الذى أنقذ جورباتشوف من الانقلاب قام بانقلاب ضده، وانتزع سلطاته وصلاحياته، واتجه نحو الاتفاق على إجراءات الطلاق السلمى بين روسيا وكل دولة وجمهورية. بحيث إن الرئيس السوفيتى لم يبق له من الصلاحية والسلطة سوى الرمز، وربما شرعية إصدار الأوامر للمؤسسة العسكرية، وهى المؤسسة الفيدرالية الوحيدة التى كانت تحتفظ بتماسك نسبى ومهددة بدورها بالانفجار والانقسام. لقد انتهى حكم جورباتشوف، وبدأ العصر الروسى، عصر يلتسين هذا القيصر الذى لم يفق فى أى لحظة من السكر والتوهان. وقد سألت أحد المسئولين فى صنع القرار الروسى عندما كنت وقتها فى موسكو عن كيفية قيام هذا الرجل بإدارة شئون الدولة الروسية، وهو فى حالة سكر دائم؟ أجاب بأن العلماء الروس قاموا بتركيب جهاز صغير فى إحدي ساقى الرئيس يلتسين يضعف كثيرا من تأثير الخمر على تصرفاته كإحدي الوسائل الدفاعية الشاذة التى تمنع عن الرئيس أى اضطراب نفسى أو عصبى حاد. خصوصا أن هذا الرئيس القيصر الأبيض كان عليه بعد انهيار الاتحاد السوفيتى أن يواجه تحديين: الانتقال من الاقتصاد المركزى إلى الاقتصاد الرأسمالى. ووضع روسيا فى مقعد الدولة الكبرى الغائبة. وكلتا المهمتين عبء صعب ومستحيل لا سيما أن العودة للرأسمالية تتطلب صبرا شعبيا على انقلاب التضخم والتضحية بملايين العمال الزائدين علي الحاجة فى المصانع والشركات المفلسة، واتساقًا روسيًا أمريكيًا فى كل قضايا السياسة الخارجية.
وكان الهدف الأمريكى البريطانى، هو نسف الشيوعية وانهيار الدولة وليس إنقاذها. والمتتبع لموقفهما من الأحداث السوفيتية خلال الفترة التى سبقت الانقلاب السوفيتى فى أغسطس ١٩٩١ وما تلاها، سوف يخلص إلى نتيجة محددة ألا وهى استمرار الولايات المتحدة والغرب وبريطانيا تحديدا فى الضغط على رقبة السوفيت، وهى تلتقى معه فيما يطلبه من مساعدات، ولكن دون اتخاذ إجراء تنفيذى واحد. فلم تحقق ما نادت به من تقديم المساعدات والقروض الضخمة له وفقًا للاتفاقيات واللقاءات والمؤتمرات، وكان آخرها مؤتمر لندن، والتى تمت فى هذا الشأن، وكانت كفيلة بإنقاذ الاتحاد السوفيتى من الانهيار والتفكك ومنع حدوث الثورات الشعبية الداخلية والانقلابات العسكرية على جورباتشوف. ويبدو ذلك واضحا من واقع التصريحات التى أدلى بها رئيس الوزراء البريطانى «جون ميجور» خلال زيارته الأخيرة لموسكو، وهى الأولى لأى مسئول غربى للعاصمة السوفيتية. فقد تمسك بالإصلاح أولًا ثم بالأموال والمساعدات ثانيًا. وكان التمسك البريطانى بهذا الشرط بمثابة مزيد من الضغط على رقبة الاتحاد السوفيتى الذى لم يتمكن من تنفيذ هذا الشرط الإعجازى المستحيل تحقيقه مما أدى إلى انهيار الاتحاد السوفيتى وتفكيكه، وأسدل الستار على أصعب وأبشع مشهد تراجيدى مأساوى لم يتخيله أو يتوقعه أى خبير سياسى أو استراتيجى على مستوى العالم. ومات البطل وأعنى الدولة السوفيتية العظمى بطعنة غادرة من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، ليبدأ العالم مرحلة كئيبة ومظلمة اضطربت فيها العلاقات الدولية، واتصف النظام الدولى بالقطبية الأحادية التى انفردت فيها الولايات المتحدة بالتربع على عرش النظام الدولى، والسيطرة على مقدرات دول العالم الثالث والرابع، وتكريس الظلم والقهر والتبعية واستغلال موارد وأموال وإمكانات دول العالم النامى، بعد أن خسر العالم إحدي القوتين العظميين فى النظام الدولى الذى استمر منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وبالتحديد منذ أوائل الخمسينيات من القرن الماضى مناصرا لحركات التحرر والاستقلال الوطنى للدول المقهورة والمظلومة. ومحافظًا على التوازن الدولى والشرعية والحق والعدل. فبعد انهيار الاتحاد السوفيتى اعتبر العالم أنه بداية للانتحار الذاتى لهذا النظام، وأصبح العالم على حافة الهاوية بعد أن فشل النظام الدولى فى حل النزاعات والصراعات الدولية العنيفة والحروب غير المبررة، بسبب انحياز النظام الدولى للباطل وبعده عن الحق والعدل فى حل المشاكل والقضايا الدولية.
إن النار تشتعل فى مناطق عديدة من العالم، ويقف وراء ذلك كل من بريطانيا والولايات المتحدة. ولعل انقلاب بريطانيا على الغرب وانسحابها من الاتحاد الأوروبى، هو بداية لانهيار أوروبا الموحدة على المدى القريب (١-٣ سنوات) وأيضا انهيار الولايات المتحدة الأمريكية على المدى المتوسط (٣-٥ سنوات).
ألم أقل لكم إن ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ المصرية كانت ثورة على إجبار الحمقى فى النظام الدولى على احترام عِبر التاريخ وحقوق وسيادة الدول.