لم أتعجب من بيان قيادات الإخوان الداعم لتطبيع العلاقات بين تركيا والدولة العبرية، فالقارئ لتاريخ هذه الجماعة منذ نشأتها بدعم استخباراتى بريطانى، لن يبذل جهدًا فى اكتشاف أنهم جماعة مارقة، مشبوهة، ليس لها ثوابت وطنية، لا تؤمن بالقضايا القومية، فقط، تسعى لتحقيق مراميها التنظيمية، حتى ولو جاءت مكاسبها على حساب الأوطان والشعوب، ولنا فيما جرى داخل الأقطار العربية شواهد، لعل أبرزها ما حدث فى كل من «مصر، سوريا، تونس»، رفعوا لافتة الدين فى تلك البلدان لدغدغة مشاعر البسطاء والنفاذ داخل عقولهم، واتخذوه وسيلة بهدف الوصول لأغراضهم الرخيصة، والدنيئة.. تاجروا بالقضية الفلسطينية، ليس إيمانا بتحرير القدس والمسجد الأقصى، كما كانوا يزعمون ويروجون، إنما لإحراج أنظمة الحكم العربية أمام الشعوب، استخدموا عناصرهم فى تنظيم «حماس» لأهداف تخريبية وصرفوا أنظارهم عن الجهاد من أجل تحرير الأرض.
لذا لم يكن مفاجئًا على الأقل بالنسبة لى، بيان انصياع الإخوان الداعم لأردوغان فى التطبيع مع إسرائيل بدعوى تخفيف الحصار عن قطاع غزة بحسب زعمهم، إلى جانب جملة من الادعاءات الأخرى، أطلقوها فى سياق تبرير مباركتهم لمساعى الرئيس التركى، خاصة إذا علمنا أن البيان الصادر من المكتب الإدارى للجماعة فى الخارج يحمل دلالات سياسية، تعبر بجلاء عن تلاقى المصالح بينهما «الإخوان وأردوغان»، فضلا عن أن هذا التأييد أو الدعم «سيان»، لا يبتعد بحال من الأحوال عن التعاون اللاأخلاقى بينهما، باعتبار أن ما يرمون إليه، يحض على الرذائل التى حرمها الله فى شرائعه السماوية، منها القتل وترويع الآمنين، ونشر الفوضى، والجور على الأوطان، وترويج الأكاذيب والادعاءات الباطلة، إلى جانب مزاعم التعرض للاضطهاد.
فى هذا السياق لا يمكن تجاهل ما يجرى من جرائم على الساحتين الداخلية والإقليمية، يقوم بتنفيذها المغيبون من المنتمين للتيار المتأسلم، بهدف تمزيق المنطقة العربية لصالح أوهام دولة الخلافة، ولا يمكن أيضا تجاهل الدور الذى يلعبه الرئيس التركى لتمزيق المنطقة، فضلا عن دعمه اللامحدود للتنظيمات الإرهابية، بهدف تحويل البلدان العربية لساحة اقتتال وعلاقات متنافرة، غير منسجمة، مشحونة بالصراعات المذهبية والعرقية مرورًا بالطائفية، أما الهدف الحقيقى فهو تقسيم المنطقة بأكملها وفق المخططات الأمريكية الصهيونية إلى دويلات صغيرة، ضعيفة يسهل التهامها، بما يضمن تفوق إسرائيل فى المنطقة.
فى أحشاء الأهواء الشخصية تحديدا تكمن الأسرار الحقيقية لتوتر العلاقات مع أنقرة، ووصولها إلى مرحلة العداء، فالأزمة متمثلة فى الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان»، بسبب قناعاته السياسية ومرجعياته الفكرية، التى يحكمها انتماؤه للتنظيم الدولى للجماعة الإرهابية قبل مصلحة بلاده لتحقيق تلك الأغراض، جعل أردوغان بلاده معسكرا لتدريب التنظيمات الإرهابية فى إطار مخططاته لتنصيب نفسه سلطانا لإمارات دولة الخلافة، إلى جانب دعمه غير المحدود لكل الحملات الإعلامية المعادية للدولة المصرية. ففى أعقاب سقوط حكم الإخوان فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، بثورة شعبية، طلب من مجلس الأمن فرض عقوبات على الرئيس عبدالفتاح السيسى لمحاصرته دوليا، بما جعل الدبلوماسية المصرية ترد عليه بقوة، مارست ضغوطا دولية ضد ترشح تركيا للحصول على مقعد غير دائم فى مجلس الأمن، نجحت مصر فى معركتها الدبلوماسية وأيقن أردوعان أن محاولاته الرامية لحصار الرئيس المصرى وعزله دوليا باءت جميعها بالفشل.
بالعودة مرة أخرى لتلاقى الإخوان وأردوغان فيما يتعلق بالتطبيع مع إسرائيل، يمكن لنا التأكيد على أن هذا التلاقى المعلن فى تلك القضية ذات الحساسية الشديدة، كشف زيف هذا التنظيم وتوجهاته نحو تحرير الأراضى الفلسطينية المحتلة، بعد أن كانت وسيلته الأولى فى الهجوم على أنظمة الحكم المتعاقبة.
ربما يرى البعض أن الإخوان الهاربين من العدالة، رضخوا لدعم أردوغان نظير الحصول على الدعم المالى من حكومته، وتوفير الملاذ لهم ولغيرهم من الذين انساقوا وراء أكاذيبهم، وهم يعرفون حقيقة نواياهم، لكن ما يدور فى الكواليس شىء آخر غير هذه الرؤية الضيقة، فهناك أطماع استراتيجية ومطامح ذاتية للرئيس التركى يعلمها الإخوان ويعملون على تنفيذها بكل الوسائل، وهى جزء لا يتجزأ من أدبياتهم ومرجعياتهم التنظيمية، لذا فإن الدور الذى يلعبونه لصالح تلك المخططات التى ترعاها حكومات وأجهزة استخبارات هو تنفيذ الجرائم الإرهابية نظير أجر معلوم، بما يؤكد أنهم بالأساس ومنذ نشأتهم جماعات مأجورة «مرتزقة» لا تختلف كثيرا عن «بلاك ووتر»، إلى جانب تصوراتهم الوهمية، بأن وجود تركيا فى قطاع غزة بمباركة إسرائيلية سيحقق أهدافهم فى سيناء، ويربك الحسابات المصرية.
حاولوا فى أعقاب البيان المخزى، أن يتلاعبوا بالألفاظ ويصفون «أردوغانهم» أنه «تعلب» وداهية، ويهدف إدخال حماس فى التفاوض حول مستقبل القضية الفلسطينية، وذلك فى محاولة لإقناع الشعب المصرى بدهاء بيانهم، دون إدراك أن الشعب لن يغفر للإخوان وتابعيهم ما ارتكبوه من جرائم فى حق هذا البلد، وحق المنطقة العربية بأكملها جراء تعاونهم المشبوه مع أنظمة حكم تسيطر عليها أوهام التوسع الإمبراطورى، تعاونوا مع حكم آيات الله فى إيران تحت شعار الثورة الإسلامية، أصبحوا «دمى» فى أيدى أردوغان يحركهم لصالح أوهامه فى إعادة دولة الخلافة العثمانية، صارت إسطنبول قبلتهم والملاذ الآمن لهم.
جميعا لن ننسى ما تعرضت له بلدنا من أعمال إرهابية فى سيناء وبقية الأقاليم بدعم مشبوه من أردوغان، ولنا أن نتساءل: ما الفرق بين الإخوان وإسرائيل وتركيا.
هؤلاء جميعا تحركهم الأصابع الغربية والسياسات التى تحقق الأهداف والمخططات التى تصب فى صالح الدولة العبرية وفق التعهد الغربى التاريخى بأن تتفوق فى قوتها على العرب أجمعين، فتارة تنحاز تلك السياسات بقوة لصالح التنظيمات التى صنعتها، عبر دعمها اللامحدود، ضد أنظمة الحكم، أو بتكليف حكام عرب يفتقدون الرؤية الصائبة، للقيام بتمويل الجماعات المارقة، دون إدراك لحجم المخاطر الناجمة عن المقامرة بمستقبل المنطقة، على هذا الأساس تلاقت المصالح.
الدور الذى يلعبه «الإخوان، حكام قطر، وتركيا» لصالح إسرائيل أصبح الآن ساطعا كالشمس، صار حقيقة عارية أمام أعيننا، وهو تهديد حدودنا الشرقية، وتهديد سوريا لتقسيمها وحصارها من الشمال والجنوب «تركيا وإسرائيل»، لكن الدولة بمؤسساتها الصلبة قادرة على دحر تلك التهديدات، فالأولويات لديها تتجاوز النظرة الضيقة للأمور وتذهب لمساندة الجهود الدولية والإقليمية الداعمة لحماية الدولة السورية، والإبقاء عليها موحدة، فضلا عن الرغبة فى بقاء الجيش متماسكا، لأن سوريا إحدى دول المواجهة مع العدو الأزلى الدولة العبرية، التى وقعت اتفاقيات شراكة اقتصادية وسياسية مع تركيا، وهى الاتفاقيات التى تدعمها الإخوان الموهومون بأن تواجد أردوغان فى غزة كاف لتحقيق أغراضهم.