كانت ثورة يونيو ٢٠١٣ التى أفصحت عن عظمة الشعب المصرى وقوة وصلابة عزيمته فى التغلب على كل التحديات والظلم وإجبار الحمقى على احترام إرادة الأمة وأملها. وأفصحت بنفس الدرجة عن قوة وعظمة الشعوب العربية وقادتهم الشرفاء، ووقوفهم بقوة مع ثورة الشقيقة الكبرى مصر ودعمها ومساعدتها. قد قذفت إلى مسرح الوطن العربى بمتغيرات ومخاطر سياسية واقتصادية وعسكرية جديدة وطموحات وآمال وأحلام ورؤى، وكوابيس أيضا. كانت كلها كفيلة بأن تجعل القوى العظمى تعيد حساباتها من جديد بسرعة. فقد كان المخطط الأمريكى الصهيونى الغربى الذى تم إعداده بحرفية شديدة ودقيقة قد وضع فى الحسبان إسقاط النظم العربية وإعادة تقسيم دولها التى سبق تقسيمها من خلال معاهدة سايكس بيكو الأولى فى القرن الماضى. نقول وضع فى الحسبان إعادة تقسيمها مرة ثانية وفقا لنفس المعاهدة بشكل جديد أكثر حدة. وكانت مصر هى التى وقع عليها الاختيار لتكون بداية عملية تقسيم دول المنطقة وانهيارها. باعتبار أن مصر هى رمانة الميزان وعمود الخيمة العربية فإذا كسرت مصر وسقطت تهاوت وراءها وبسهولة كل الدول العربية. واعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية بالتحديد فى تنفيذ هذا المخطط الإجرامى وهذه المؤامرة الحقيرة على جماعة الإخوان الإرهابية الموجودة فى مصر وكل الدول العربية، كغيرها من الجماعات الخائنة المرتبطة بالخارج.
وبمجرد إعلان الفريق أول عبدالفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة آنذاك سقوط حكم المرشد ووقف العمل بالدستور الإخوانى وخلع محمد مرسى من رئاسة الجمهورية، كان هذا الإعلان هو تقرير لإفشال المخطط الأمريكى الغربى فى إسقاط المنطقة العربية وإعادة تقسيم دولها. وتم تعيين المستشار عدلى منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسا للبلاد بصفة مؤقتة لحين إتمام الاستحقاقات الدستورية واستكمال مؤسسات الدولة وفقا لخارطة الطريق. وبدا الفعل العربى وليس رد الفعل العربى على المستوى الرسمى والشعبى رائعا بل تاريخيا. فلا أحسب أننى أغالى إذا قلت إنه لأول مرة فى تاريخ العرب الحديث يتحد العرب خصوصا بين الدول الفاعلة فى النظام العربى حقيقة وفعل صادق وتأكيد قاطع لما أعلن أنه إذا جاءت لحظة الحسم فإن عطاء الأمة العربية سيكون بغير حدود. ووقف المغفور له بإذن الله جلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية وخادم الحرمين الشريفين يتحدى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى ويعلن فى نفس لحظة إعلان مصر سقوط حكم الإخوان اعترافه ومباركته للثورة ويتعهد بتقديم كل العون والمساعدة غير المحدودة لمصر والحكومة الجديدة. وفعلت ذلك كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين والأردن وغيرها. وقد تجلى ذلك الدعم فى شكل المساعدات الاقتصادية والعسكرية والسياسية الهائلة التى قدمتها الدول العربية الخارجية لمصر ومازالت، وفى الموقف السعودى القوى والحازم حينما أرسل جلالة الملك وزير الخارجية السعودى المرحوم الأمير فيصل بن عبدالعزيز لفرنسا مجرد علمه بأن الإتحاد الأوروبى سيجتمع اجتماعا طارئا لفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية وسياسية شديدة على مصر وإلزامها بضرورة عودة الجاسوس مرسى إلى حكم البلاد. المهم حمل جلالة الملك وزير خارجيته برسالة إلى الرئيس الفرنسى يحذره فيها بأنه إذا صدر أى قرار ضد مصر متضمنا فرض عقوبات عليها فإن السعودية ستسحب كل ودائعها الموجودة فى البنوك الفرنسية ودول الاتحاد الأوروبى، وتوقف كل استثماراتها الهائلة وجميع أنشطتها وعلاقاتها الاقتصادية والتجارية فيها. وكان لهذا الإنذار القوى تأثير كبير على القرار الأوروبى بصورة معتدلة. وفعل جلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز مع الولايات المتحدة الأمريكية ما فعله مع الاتحاد الأوروبى فعندما حضر وزير الخارجية الأمريكى إلى الرياض يطلب من السعودية وقف المساعدات التى ترسلها الدول الخليجية لمصر. رفض جلالة الملك هذا الطلب بشدة وحزم وغضب. وقال لوزير الخارجية الأمريكى إن السعودية ودول الخليج العربى مرتبطة بمصر هدفا ومصيرا. وكان واضحا منذ هذه اللحظة أن أهم الصراعات والقضايا التى تنتظر مصر والدول العربية بعد ثورة يونيو، ستتمحور حول الصراعات العسكرية والطائفية والدينية، وأن أهم القضايا والتهديدات ستتركز حول نشر الفوضى والإرهاب الأسود، واستنزاف موارد وقدرات الدول العربية ومحاصرتها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. وكان هناك داخل الوطن العربى عدد من الرجال الغامضين المتطلعين بعيون زائغة نحو قدرات وأموال البترول العربى الذى يلعب دورا مؤثرا فى إدارة الصراع، ومكن الدول العربية الخارجية من مساعدة مصر. وكان من بين هؤلاء وكلاء الإستخبارات والأجهزة الأمنية الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية بالتحديد وتجار السلاح والعملة وغسل الأموال وتجار المخدرات وخبراء حروب الجيل الرابع والخامس.
وتحركت هذه القوى الخفية ومازالت لتنفيذ مخطط الفوضى والدمار والإرهاب وإهدار الإمكانيات العربية على الوجه التالى:
- تم خلق حالة من الفوضى والضياع والدمار داخل مصر ودعم وتمويل وتدريب وتسليح الجامعات الإرهابية بسيناء لتستمر مصر فى حالة فوضى وعدم استقرار.
- خلق بؤرة توتر وصراع على الحدود السعودية اليمنية ما لبثت أن تحولت إلى صراع مسلح وحرب شرسة بين قوات التحالف العربى بقيادة السعودية وبين ميليشيات السعوديين وقوات عبدالله صالح.
- إثارة الفتن العرقية والطائفية وإذكاء روح الصراع الدينى بين الشيعة والسنة وانتشار أعمال التخريب والعربات المفخخة داخل السعودية والإمارات والبحرين والكويت.
- زرع تنظيم داعش الإرهابى داخل الجسد العربى لإنهاك قواه حتى تحولت المنطقة العربية إلى مستنقعات من الدم والهلاك والموت.
ولقد أحدث هذا المتغير الخطير انقلابا صامتا فى الوطن العربى من خلال الأثر الذى أحدثه فى مولد نظام عربى جديد تتجسد ملامحه فى توافق عربى جديد بين مصر والدول العربية خاصة الخليجية، وفى علاقات وتشابكات اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية بالغة الدقة، ومن خلال ارتباطات وعلاقات سياسية قوية جديدة مع قوى ودول بازغة وموجودة على قمة النظام الدولى: الصين وروسيا واليابان وبعض الدول الأوروبية التى خلعت جلباب أمريكا وصارت تعارض كثيرا من تصرفاتها كفرنسا. وبدأت الولايات المتحدة تشعر بأن البساط بدأ ينسحب من تحت قدميها، وأن المزاج العربى العام صار ضدها وضد سياساتها وأسلوبها وتعاملاتها الفجة ضد الأنظمة العربية.
ولذلك عملت الولايات المتحدة الأمريكية ومازالت على إحكام محاصرتها للدول العربية اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، وكسر سلاح أموال البترول الخليجية، وطرحت كميات كبيرة من المخزون الاستراتيجى للبترول الأمريكى الموجود فى تكساس وفقا للخطة الناجحة التى سبق أن نفذتها الولايات المتحدة الأمريكية فى العقدين الأخيرين من القرن الماضى والذى وضعها هنرى كسينجر وزير الخارجية الأمريكى آنذاك. وبدون الدخول فى تفاصيل هذه الخطة فإنه لكى يأتى الانقلاب الصامت فى الوطن العربى ثماره ويحقق أهدافه ينبغى على الدول العربية أن تفعل الآتى:
- الاتفاق على تحديد العدو الرئيسى للوطن العربى والذى تأكد أنه الولايات المتحدة الأمريكية.
- تحديد الأهداف القومية العليا للوطن العربى.
- جمع وتقييم وتحليل البيانات والمعلومات الخاصة بحجم ومصادر التهديدات والمخاطر التى يواجهها الوطن العربى.
- وضع السياسات والبرامج والسيناريوهات المطلوبة والفاعلة لمواجهة العدو والتهديدات.
- ينبغى أن ننقى الأجواء العربية من أى خلافات وصراعات.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو... إن الأتباع يرغبون ولكن الأحرار يفعلون، وستفعلون إن شاء الله ونحن معكم والله الموفق وعليه قصد السبيل.